لمن الديار كأنها لم تحلل

ديوان جرير

لِمَنِ الدِيارُ كَأَنَّها لَم تُحلَلِ

بَينَ الكِناسِ وَبَينَ طَلحِ الأَعزَلِ

وَلَقَد أَرى بِكَ وَالجَديدُ إِلى بِلىً

مَوتَ الهَوى وَشِفاءَ عَينِ المُجتَلي

نَظَرَت إِلَيكَ بِمِثلِ عَينَي مُغزِلٍ

قَطَعَت حِبالَتَها بِأَعلى يَليَلِ

وَإِذا اِلتَمَستَ نَوالَها بَخِلَت بِهِ

وَإِذا عَرَضتَ بِوُدِّها لَم تَبخَلِ

وَلَقَد ذَكَرتُكِ وَالمَطِيُّ خَواضِعٌ

وَكَأَنَّهُنَّ قَطا فَلاةٍ مَجهَلِ

يَسقينَ بِالأُدَمى فِراخَ تَنوفَةٍ

زُغباً حَواجِبُهُنَّ حُمرَ الحَوصَلِ

يا أُمَّ ناجِيَةَ السَلامُ عَلَيكُمُ

قَبلَ الرَواحِ وَقَبلَ لَومِ العُزَّلِ

وَإِذا غَدَوتِ فَباكَرَتكِ تَحِيَّةٌ

سَبَقَت سُروحَ الشاحِجاتِ الحُجَّلِ

لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهدِكُم

يَومُ الرَحيلِ فَعَلتُ ما لَم أَفعَلِ

أَو كُنتُ أَرهَبُ وَشكَ بَينٍ عاجِلٍ

لَقَنَعتُ أَو لَسَأَلتُ ما لَم يُسأَلِ

أَعدَدتُ لِلشُعَراءِ سُمّاً ناقِعاً

فَسَقَيتُ آخِرَهُم بِكَأسِ الأَوَّلِ

لَمّا وَضَعتُ عَلى الفَرَزدَقِ مَيسَمي

وَضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أَنفَ الأَخطَلِ

أَخزى الَّذي سَمَكَ السَماءَ مُجاشِعاً

وَبَنى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسفَلِ

بَيتاً يُحَمِّمُ قَينُكُم بِفَنائِهِ

دَنِساً مَقاعِدُهُ خَبيثَ المَدخَلِ

وَلَقَد بَنَيتَ أَخَسَّ بَيتٍ يُبتَنى

فَهَدَمتُ بَيتَكُمُ بِمِثلَي يَذبُلِ

إِنّي بَنى لِيَ في المَكارِمِ أَوَّلي

وَنَفَختَ كيرَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ

أَعيَتكَ مَأثُرَةُ القُيونِ مُجاشِعٍ

فَاِنظُر لَعَلَّكَ تَدَّعي مِن نَهشَلِ

وَاِمدَح سَراةَ بَني فُقَيمٍ إِنَّهُم

قَتَلوا أَباكَ وَثَأرُهُ لَم يُقتَلِ

وَدَعِ البَراجِمَ إِنَّ شِربَكَ فيهِمُ

مُرٌّ عَواقِبُهُ كَطَعمِ الحَنظَلِ

إِنّي اِنصَبَبتُ مِنَ السَماءِ عَلَيكُمُ

حَتّى اِختَطَفتُكَ يا فَرَزدَقُ مِن عَلِ

مِن بَعدِ صَكَّتِيَ البَعيثَ كَأَنَّهُ

خَرَبٌ تَنَفَّجَ مِن حِذارِ الأَجدَلِ

وَلَقَد وَسَمتُكَ يا بَعيثُ بِمَيسَمي

وَضَغا الفَرَزدَقُ تَحتَ حَدِّ الكَلكَلِ

حَسبُ الفَرَزدَقِ أَن تُسَبَّ مُجاشِعٌ

وَيَعُدَّ شِعرَ مُرَقِّشٍ وَمُهَلهِلِ

طَلَبَت قُيونُ بَني قُفَيرَةَ سابِقاً

غَمرَ البَديهَةِ جامِحاً في المِسحَلِ

قُتِلَ الزُبَيرُ وَأَنتَ عاقِدُ حُبوَةٍ

قُبحاً لِحُبوَتِكَ الَّتي لَم تُحلَلِ

لا تَذكُروا حُلَلَ المُلوكِ فَإِنَّكُم

بَعدَ الزُبَيرِ كَحائِضٍ لَم تُغسَلِ

أَبُنَيَّ شِعرَةَ لِم تَسُدُّ طَريقَنا

بِالأَعمَيَينِ وَلا قُفَيرَةَ فَاِزحَلِ

وَلَقَد تَبَيَّنَ في وُجوهِ مُجاشِعٍ

لُؤمٌ يَثورُ ضَبابُهُ لا يَنجَلي

وَلَقَد تَرَكتُ مُجاشِعاً وَكَأَنَّهُم

فَقعٌ بِمَدرَجَةِ الخَميسِ الجَحفَلِ

إِنّي إِلى جَبَلَي تَميمٍ مَعقِلي

وَمَحَلُّ بَيتي في اليَفاعِ الأَطوَلِ

أَحلامُنا تَزِنُ الجِبالَ رَزانَةً

وَيَفوقُ جاهِلُنا فَعالَ الجُهَّلِ

فَاِرجِع إِلى حَكَمَي قُرَيشٍ إِنَّهُم

أَهلُ النُبُوَّةِ وَالكِتابِ المُنزَلِ

فَاِسأَل إِذا خَرَجَ الخِدامُ وَأُحمِشَت

حَربٌ تَضَرَّمُ كَالحَريقِ المُشعَلِ

وَالخَيلُ تَنحِطُ بِالكُماةِ وَقَد رَأوا

لَمعَ الرَّبيئَةِ في النِيافِ العَيطَلِ

أَبَنو طُهَيَّةَ يَعدِلونَ فَوارِسي

وَبَنو خَضافِ وَذاكَ ما لَم يُعدَلِ

وَإِذا غَضِبتُ رَمى وَرائِيَ بِالحَصى

أَبناءُ جَندَلَتي كَخَيرِ الجَندَلِ

عَمروٌ وَسَعدٌ يا فَرَزدَقُ فيهِمُ

زُهرُ النُجومِ وَباذِخاتُ الأَجبُلِ

كانَ الفَرَزدَقُ إِذ يَعوذُ بِخالِهِ

مِثلَ الذَليلِ يَعوذُ تَحتَ القَرمَلِ

وَاِفخَر بِضَبَّةَ إِنَّ أُمَّكَ مِنهُمُ

لَيسَ اِبنُ ضَبَّةَ بِالمُعَمِّ المُخوَلِ

وَقَضَت لَنا مُضَرٌ عَلَيكَ بِفَضلِنا

وَقَضَت رَبيعَةُ بِالقَضاءِ الفَيصَلِ

إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا

بَيتاً عَلاكَ فَما لَهُ مِن مَنقَلِ

أَبلِغ بَني وَقبانَ أَنَّ حُلومَهُم

خَفَّت فَما يَزِنونَ حَبَّةَ خَردَلِ

أَزرى بِحِلمِكُمُ الفِياشُ فَأَنتُمُ

مِثلُ الفَراشِ غَشينَ نارَ المُصطَلي

تَصِفُ السُيوفَ وَغَيرُكُم يَعصى بِها

يا اِبنَ القُيونِ وَذاكَ فِعلُ الصَيقَلِ

وَبِرَحرَحانَ تَخَضخَضَت أَصلأؤُكُم

وَفَزِعتُمُ فَزَعَ البِطانِ العُزَّلِ

خُصِيَ الفَرَزدَقُ وَالخَصاءُ مَذَلَّةٌ

يَرجو مُخاطَرَةَ القُرومِ البُزَّلِ

هابَ الخَواتِنُ مِن بَناتِ مُجاشِعٍ

مِثلَ المَحاجِنِ أَو قُرونَ الأَيِّلِ

قَعَدَت قُفَيرَةُ بِالفَرَزدَقِ بَعدَما

جَهَدَ الفَرَزدَقُ جُهدَهُ لا يَأتَلي

أَلهى أَباكَ عَنِ المَكارِمِ وَالعُلى

لَيُّ الكَتائِفِ وَاِرتِفاعُ المِرجَلِ

أَبلِغ هَدِيَّتِيَ الفَرَزدَقَ إِنَّها

ثِقَلٌ يُزادُ عَلى حَسيرٍ مُثقَلِ

إِنّا نُقيمُ صَغا الرُؤوسِ وَنَختَلي

رَأسَ المُتَوَّجِ بِالحُسامِ المِقصَلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان جرير، شعراء العصر الأموي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

بان الخليط برامتين فودعوا

بانَ الخَليطُ بِرامَتَينِ فَوَدَّعوا أَو كُلَّما رَفَعوا لِبَينٍ تَجزَعُ رَدّوا الجِمالَ بِذي طُلوحٍ بَعدَما هاجَ المَصيفُ وَقَد تَوَلّى المَربَعُ إِنَّ الشَواحِجَ بِالضُحى هَيَّجنَني في دارِ…

تعليقات