لك السوابق والأوضاح والغرر

ديوان الشريف الرضي

لَكَ السَوابِقُ وَالأَوضاحُ وَالغُرَرُ


وَناظِرُ ما اِنطَوى عَن لَحظِهِ أَثَرُ


وَعاطِفاتٌ مِنَ البُقيا إِذا جُعِلَت


مُحَقَّراتٌ مِنَ الأَضغانِ تَبتَدِرُ


إِطراقَةٌ كَقُبوعِ الصِلِّ يَتبَعُها


عَزمٌ يَسورُ فَلا يُبقي وَلا يَذَرُ


والَيثُ لا تَرهَبُ الأَقرانُ طَلعَتَهُ


حَتّى يُصَمِّمُ مِنهُ النابُ وَالظُفُرُ


أَنتَ المُؤَدِّبُ أَخلاقَ السَحابِ إِذا


ضَنَّت بِدَرَّتِها العَراصَةُ الهُمُرُ


مِن بَعدِ ما اِصطَفَقَت فيها صَواعِقُها


وَشاغَبَ البَرقَ في أَطرافِها المَطَرُ


وَالبالِغُ الأَمرِ جالَت دونَ مَبلَغِهِ


سُمرُ القَنا وَأُمِرَّت دونَهُ المِرَرُ


وَالقاذِفُ النَفسِ في حَمراءَ إِن خَفِيَت


بِالنَقعِ نَمَّ عَلى ضَوضائِها الشَرَرُ


في جَحفَلٍ لَم تَزَل تَهدي أَوائِلَهُ


مَطالِعٌ مِن نِجادِ الأَرضِ تَنتَظِرُ


إِن نالَ مِنكَ زَمانٌ في تَصَرُّفِهِ


ما لا يُمَلِّكُهُ مِن غَيرِكَ القَدَرُ


فَالبيضُ تَعلَقُ إِن سارَت مُهَجِّرَةً


مِنَ الشُحوبِ بِما لاتَعلَقُ السُمُرُ


ما ناهَضَ الرِحلَةَ الخَرقاءَ مُعتَقِلاً


بِالحَزمِ مَن فَلَّ مِن آرائِهِ السَفَرُ


فَاِسلُب مَراحَ المَطايا مِن مَناسِمَها


مُزامِلَ النَجمِ وَالإِظلامُ مُعتَكِرُ


وَجُبَّ بَينَ فُروجِ اللَيلِ أَسنِمَةً


ما اِستافَ أَخفافَها أَينٌ وَلا ضَجَرُ


خُرسُ البُغامِ تَرُدُّ الصَوتَ كاظِمَةً


وَقَد تَصاعَدَ مِن أَعناقِها الجِرَرُ


كَم حاجَةٍ بِمَكانِ النَجمِ قَرَّبَها


طولُ التَعَرُّضِ وَالرَوحاتِ وَالبُكَرُ


أَسالَ في اللَيلِ إِفرِندَ الصَباحِ بِنا


سَيرٌ تَساقَطُ مِن إِدمانِهِ الأُزُرُ


وَمَشهَدٍ مِثلِ حَدِّ السَيفِ مُنصَلِتٍ


تَزِلُّ عَن غَربِهِ الأَلبابُ وَالفِكَرُ


طَعَنتَ بِالحُجَّةِ الغَرّاءِ ثَغرَتَهُ


وَرُمحُ غَيرِكَ فيهِ العَيُّ وَالحَصَرُ


وَقَسطَلٍ شَرِقَت شَمسُ النَهارِ بِهِ


فَأَسفَرَ النَقعُ وَالآفاقُ تَعتَجِرُ


تَسَلَّطَت فيهِ أَترافُ الظُبى وَدَنَت


عَوامِلُ السُمرِ فَاِرتابَت بِها الثُغَرُ


فَوَّقتَ فيهِ سِهاماً غَيرَ طائِشَةٍ


في حَيثُ يَرمَحُ صَدرَ المَعجِسِ الوَتَرُ


فَما اِستَخَفَّكَ مِن حَملِ النُهى خَرَقٌ


وَلا اِستَكَفَّكَ عَن طَعنِ العِدى خَفَرُ


وَما نَظَرتَ إِلى الأَيّامِ مُعتَبِراً


إِلّا وَأَعطاكَ كَنزَ العِبرَةِ النَظَرُ


وَنِعمَ قادِحُ زَندٍ أَنتَ في ظُلَمٍ


لا يوقِدُ النارَ فيها المَرخُ وَالعُشَرُ


بِذِكرِ جودِكَ يُستَسقى المُحولُ إِذا


لَم يُلهِ فيها نِساءَ الحِلَّةِ السُمُرُ


لَمّا جَرَيتَ جَرَت خَيلٌ سَواسِيَةٌ


وَلَّت وَخافَ عَلى أَنفاسِها البَهَرُ


إِنَّ البَهيمَ إِذا مَسَّحتَ جَبهَتَهُ


فَالحُكمُ أَن تُلطَمَ الأَوضاحُ وَالغُرَرُ


قارَعتَ دَهرَكَ حَتّى لاحَ مَقتَلُهُ


ما اِستُقبِحَ الرَوعُ حَتّى اِستُحسِنَ الظَفَرُ


الآنَ نِعمَ مَقيلُ التاجِ لِمَّتُهُ


وَنِعمَ مَغنى العُلى أَيّامُهُ الزُهُرُ


تَطيشُ أَموالُهُ وَالبَذلُ يَطلُبُها


ما وَفَّرَ المالَ عَن أَعراضِهِ وَقَرُ


مُشَيَّعٌ هَذَّبَ الأَرماحَ مُذ فَطَنَت


إِلى طِعانِ الأَعادي وَالرَدى غُمَرُ


يَسري مِنَ الكَيدِ جَيشاً لا غُبارَ لَهُ


وَلا طَلائِعَ تَهديهِ وَلا نُذُرُ


كَم باتَ في لَهَواتِ اللَيلِ تَعرُكُهُ


ما بَينَ أَكوارِها المَهرِيَّةُ الصُعُرُ


وَالخَيلُ تَقدَحُ مِن أَرساغِها شَرَراً


أَمسى يُعَثَّنُ مِنهُ التُربُ وَالمَدَرُ


رَدَّ السُيوفَ فَمَغلولٌ وَمُنثَلِمٌ


عَلى الرِماحِ وَمُنآدٌ وَمُنأَطِرُ


إِذا أَشاحَ بِنَصلٍ في أَنامِلِهِ


قامَت تُعانِقُهُ الهاماتُ وَالقَصَرُ


نَصلٌ تَمَطّى المَنايا في مَضارِبِهِ


إِذا المُعَزِّرُ أَثنى نَصلَهُ الخَوَرُ


عارٍ يُصافِحُ أَعناقَ الرِجالِ بِهِ


يَومَ النَزالِ وَما في باعِهِ قِصَرُ


إِذا الوُفودُ دَعَت لِلضَربِ شَفرَتَهُ


أَطاعَ فَاِحتَشَمَت مِن ضيقِهِ العَكَرُ


سَأَلتُ عَن وَجهِهِ الظَلماءَ مُقمِرَةً


عَنهُ وَهَل يُتَمارى أَنَّهُ القَمَرُ


نَفسي فِداءُ أَخٍ لَم يُقذِ صُحبَتَهُ


إِذ كُلُّ صافِيَةٍ في مائِها كَدَرُ


ما حانَ مِنّا لِغَيرِ العِزِّ مُضطَرَبٌ


وَلا اِطَّبانا إِلى غَيرِ العُلى وَطَرُ


أَأَعذُرُ الدَهرَ إِذ جارَت حُكومَتُهُ


إِذاً فَفُسِّقَ عُذري حينَ أَعتَذِرُ


عِندَ اِبنِ خَيرِ أَبٍ حامَت أَنامِلُهُ


عَلى القَنا وَمَشَت في كَفِّهِ البُتُرُ


وَرُبَّ قَولٍ مَريضٍ قَد سَهِرتُ لَهُ


أَفضى إِلَيَّ بِهِ عَن لَفظِكَ الخَبَرُ


مالي تُسَفَّهُ أَشعاري الَّتي شَهِدَت


أَنّي بِبَعضِ فَخارٍ مِنكَ أَفتَخِرُ


يا اِبنَ الَّذينَ تَبارى في نِدائِهِمُ


أَصواتُنا إِن عَرَت أَوطانَنا الغِيَرُ


إِذا كَرَرنا حَديثاً مِنهُمُ اِعتَرَضَت


تَجلو قَديمَهُمُ الآياتُ وَالسُوَرُ


وَكَم عَدوٍّ إِذا شاغَبتَ دَولَتَهُ


يَزوَرُّ عَن طاعَتَيهِ السَمعُ وَالبَصَرُ


قَد كانَ مُلكُكَ خَلفَ العِزِّ يَرضَعُهُ


حَتّى عَصاكَ فَخانَت رَشفَهُ الدِرَرُ


كَم حاطِبٍ خانَهُ حَبلٌ فَأَقعَصَهُ


ذُلّاً وَشَرُّ الحِبالِ الحَيَّةُ الذِكَرُ


وَمَجلِسٍ ما أَظُنُّ الهَمَّ يَعرِفُهُ


يَنضو الكَرى عَن مَآقي شَربِهِ السَهَرُ


أَلمى الظَلالِ إِذا ما القَيظُ جَلَّلَهُ


تَراكَضَت في حَواشي رَوضِهِ الغُدُرُ


ماءٌ كَجيدِ الفَتاةِ الرودِ قابِضَةً


مِنَ الحُلِيِّ عَلى أَثنائِهِ الزَهَرُ


ضَمَّختَ بِالراحِ أَثوابَ الكِؤوسِ كَما


فَضَّ النَسيمَ عَلى أَعطافِهِ السَحَرُ


مُتَيَّمٌ بِالعُلى وَالمَجدُ يَألَفُهُ


وَما مَشى في نَواحي خَدِّهِ الشَعرُ


يُخَبِّرُ الوَفدُ مِنهُ عِندَ رِحلَتِهِ


وَالماءُ يُخبِرُنا عَن وِردِهِ الصَدَرُ


أُعيذُ مَجدَكَ أَن يَشكو إِلَيهِ فَمٌ


أَعدى عَلى الشَهدِ فيهِ الصابُ وَالصَبِرُ


حَيّاكَ بِالعُذرِ في عَذراءَ قَد خَرَقَت


عَنها الحِجابَ وَما اِقتُضَّت لَها عُذَرُ


زُفَّت إِلَيكَ وَسِجفُ الخِدرِ يَعلَقُها


وَمَع قَبولِكَ لا يَغلو لَها مَهَرُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات