لعمري لقد نوديت لو كنت تسمع

ديوان أبو العتاهية

لَعَمري لَقَد نوديتَ لَو كُنتَ تَسمَعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ المَوتَ ما لَيسَ يُدفَعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ الناسَ في غَفَلاتِهِم

وَأَنَّ المَنايا بَينَهُم تَتَقَعقَعُ

أَلَم تَرَ لَذّاتِ الجَديدِ إِلى البِلى

أَلَم تَرَ أَسبابَ الأُمورِ تَقَطَّعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ الفَقرَ يَعقِبُهُ الغِنى

أَلَم تَرَ أَنَّ الضيقَ قَد يَتَوَسَّعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ المَوتَ يَهتَزُّ سَيفُهُ

وَأَنَّ رِماحَ المَوتِ نَحوَكَ تُشرَعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ الدَهرَ في كُلِّ ساعَةٍ

لَهُ عارِضٌ فيهِ المَنِيَّةُ تَلمَعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ المَرءَ يَشبَعُ بَطنُهُ

وَناظِرُهُ فيما تَرى لَيسَ يَشبَعُ

أَيا بانِيَ الدُنيا لِغَيرِكَ تَبتَني

وَيا جامِعَ الدُنيا لِغَيرِكَ تَجمَعُ

أَلَم تَرَ أَنَّ المَرءَ يَحبِسُ مالَهُ

وَوارِثُهُ فيهِ غَداً يَتَمَتَّعُ

كَأَنَّ الحُماةَ المُشفِقينَ عَلَيكَ قَد

غَدَوا بِكَ أَو راحوا رَواحاً فَأَسرَعوا

وَما هُوَ إِلّا النَعشُ لَو قَد دَعَوا بِهِ

تُقَلُّ فَتُلقى فَوقَهُ ثُمَّ تُرفَعُ

وَما هُوَ إِلّا حادِثٌ بَعدَ حادِثٍ

عَلَيكَ فَمِن أَيِّ الحَوادِثِ تَجزَعُ

وَما هُوَ إِلّا المَوتُ يَأتي لِوَقتِهِ

فَما لَكَ في تَأخيرِهِ عَنكَ مَدفَعُ

أَلا وَإِذا وُدِّعتَ تَوديعَ هالِكٍ

فَآخِرُ يَومٍ مِنكَ يَومُ تُوَدَّعُ

أَلا وَكَما شَيَّعتَ يَوماً جَنائِزاً

فَأَنتَ كَما شَيَّعتَهُم سَتُشَيَّعُ

رَأَيتُكَ في الدُنيا عَلى ثِقَةٍ بِها

وَإِنَّكَ في الدُنيا لَأَنتَ المُرَوَّعُ

وَصَفتَ التُقى وَصفاً كَأَنَّكَ ذو تُقاً

وَريحُ الخَطايا مِن ثِيابِكَ تَسطَعُ

وَلَم تُعنَ بِالأَمرِ الَّذي هُوَ واقِعٌ

وَكُلُّ امرِئٍ يُعنى بِما يَتَوَقَّعُ

وَإِنَّكَ لَلمَنقوصُ في كُلِّ حالَةٍ

وَكُلُّ بَني الدُنيا عَلى النَقصِ يُطبَعُ

إِذا لَم يَضِق قَولٌ عَلَيكَ فَقُل بِهِ

وَإِن ضاقَ عَنكَ القَولُ فَالصَمتُ أَوسَعُ

وَلا تَحتَقِر شَيئاً تَصاغَرتَ قَدرَهُ

فَإِنَّ حَقيراً قَد يَضُرُّ وَيَنفَعُ

تَقَلَّبتَ في الدُنيا تَقَلُّبَ أَهلِها

وَذو المالِ فيها حَيثُما مالَ يُتبَعُ

وَما زِلتُ أُرمى كُلَّ يَومٍ بِعِبرَةٍ

تَكادُ لَهَ صُمُّ الجِبالِ تَصَدَّعُ

فَما بالُ عَيني لا تَجودُ بِمائِها

وَما بالُ قَلبي لا يَرِقُّ وَيَخشَعُ

تَبارَكَ مَن لا يَملِكُ المُلكَ غَيرُهُ

مَتى تَنقَضي حاجاتُ مَن لَيسَ يَقنَعُ

وَأَيُّ امرِئٍ في غايَةٍ لَيسَ نَفسُهُ

إِلى غايَةٍ أُخرى سِواها تَطَلَّعُ

وَبَعضُ بَني الدُنيا لِبَعضٍ ذَريعَةٌ

وَكُلُّ بِكُلِّ قَلَّ ما يَتَمَتَّعُ

يُحِبُّ السَعيدُ العَدلَ عِندَ احتِجاجِهِ

وَيَبغي الشَقِيُّ البَغيَ وَالبَغيُ يَصرَعُ

وَذو الفَضلِ لا يَهتَزُّ إِن هَزَّهُ الغِنى

لِفَخرِ وَلا إِن عَضَّهُ الدَهرُ يَضرَعُ

وَلَم أَرَ مِثلَ الحَقِّ أَقوى لِحُجَّةٍ

يَدُ الحَقِّ بَينَ العِلمِ وَالجَهلِ تَقرَعُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان أبو العتاهية، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات