لدن هجرته زحزحته عن الصبر

ديوان البحتري

لَدُن هَجَرَتهُ زَحزَحَتهُ عَنِ الصَبرِ

سَواءٌ عَلَيهِ المَوتُ أَو لَوعَةُ الهَجرِ

إِلَيكَ عَنِ الصَبِّ الَّذي بَرَّحَت بِهِ

صُروفُ هَوىً لَو كُنَّ في الماءِ لَم يَجرِ

وَقائِلَةٍ وَالدَمعُ يَصبُغُ خَدَّها

رُوَيدَكَ يَا بنَ السِتِّ عَشرَةَ كَم تَسري

فَقُلتُ أَحَقُّ الناسِ بِالعَزمِ وَالسُرى

طِلابُ المَعالي صاحِبُ السِتِّ وَالعَرِ

مُقامُ الفَتى في الحَيِّ حَيّاً مُسَلَّماً

مَعافاً مُقامُ ذِلَّةٍ بِالفَتى يُزري

مَتى يُمسِكِ العَجزُ الزَمانَ وَتُمتَطى

مَطايا الهَوى وَاللَيلِ تَنسَ شَبا العُسرِ

وَمَهما تَنَم في ظِلِّ بَيتِكَ عاجِزاً

تُصِبكَ خُطوبُ الدَهرِ مِن حَيثَ لا تَدري

وَما الحَزمُ إِلّا العَزمُ في كُلِّ مَوطِنٍ

وَما المالُ إِلّا مَعدِنُ الجودِ وَالوَفرِ

وَما المَرءُ إِلّا قَلبُهُ وَلِسانُهُ

فَإِن قَصَّرا عَنهُ فَلا خَيرَ في المَرِّ

سَأَخبِطُ وَجهَ الدَهرِ وَاللَيلِ أَو أَرى

تَمَزُّقَ ثَوبِ اللَيلِ في وَضَحِ الفَجرِ

وَأوثِرُ عَنسي في المَهامِهِ وَالفَلا

عَلى قُربِ عِرسي في السَواجيرِ أَو أُثري

تُحَمِّلُني الأَيّامُ ما لا أُطيقُهُ

وَتَحمِلُني مِنها عَلى مَركَبٍ وَعرِ

أَأَن كانَ قَومي قَوَّموا بِفِعالِهِم

شَديدَ اِعوِجاجِ الدَهرِ في سالِفِ العَصرِ

وَجاروا عَلى الأَموالِ بِالجودِ جَورَهُم

عَلى مَعشَرِ الأَعداءِ بِالقَتلِ وَالأَسرِ

أَيَقتَصُّ مِنّي آخِرُ الدَهرِ ظالِماً

جَرائِرَ أَجدادي عَلى أَوَّلِ الدَهرِ

بَنو بُحتُرٍ قَومي وَمَن يَكُ بُحتُرٌ

أَباهُ يَكُن في مُنتَهى المَجدِ وَالفَخرِ

أَنا البُحتُرِيُّ اِبنُ البَحاتِرَةِ الأُلى

هُمُ غَمَروا الأَيّامِ بِالنائِلِ الغَمرِ

وَهُم أَقطَعوا كُلَّ العُفاةِ بِجودِهِم

وَبَأسِهِمُ مالَ الأَعادي عَلى قَسرِ

وَما نَحنُ إِلّا كَالقَضاءِ فَإِنَّنا

ضَرَبنا جَميعَ الناسِ بِالخَيرِ وَالشَرِّ

تَضيقُ ذُروعُ المَجدِ عَن رُحبِ فَضلِنا

إِذا اِتَّسَعَت في فَضلِنا الإِنسُ بِالذِكرِ

لَقَد عَلِمَت قَحطانُ أَنّا سَراتُها

وَأَشرافُها الساداتُ في البَدوِ وَالحَضرِ

وَأَنّا لُيوثٌ حينَ تَشتَجِرُ القَنا

غُيوثٌ إِذا ضَنَّ السَحائِبُ بِالقَطرِ

وَإِنّا لَمَشّاؤونَ تَحتَ سُيوفُنا

إِلى المَوتِ مَعروفونَ بِالبَأسِ وَالنَصرِ

فَنُدرِكُ بِالإِقدامِ بُغيَتَنا الَّتي

نُطالِبُها لا بِالمَكيدَةِ وَالمَكرِ

أَبَدنا جُموعَ الرومِ حينَ تَنازَعَت

فَوارِسُنا الهَيجاءَ في وَقعَةِ الجِسرِ

غَدَت بيضُنا مِثلَ اللُجَينِ اِبيِضادُها

وَراحَت مِنَ التَضرابِ كَالذَهَبِ التِبرِ

وَخَلَّوا لَنا عَن مَنبِجٍ وَذَواتِها

مَخافَةَ صَدِّ البيضِ وَالأَسَلِ السُمرِ

سَمَونا لَهُم في عُصبَةٍ بُحتُرِيَّةٍ

يَكُرّونَ لَيسوا يَعرِفونَ سِوى الكَرِّ

قَليلينَ إِلّا أَنَّ حُسنَ بَلائِهِم

كَثيرٌ إِذا قَلَّ الحِفاظُ لَدى الفَرِّ

أَشِدّاءَ ما شَدّوا كَأَنَّ قُلوبَهُم

وَآراءَهُم في الحَربِ يُنحَتنَ مِن صَخرِ

إِذا وُتِروا خَلَّوا جُفونَ سُيوفِهِم

خَلاءً وَلا يُغضونَ جَفناً عَلى وَترِ

وَأَفلَتَ مِنّا عامِرٌ كَبشُ عامِرٍ

كَحَبَّةِ بُرٍّ مِن دُقاقِ رَحى البُرِّ

فَقَأنا وَقَد أَصغى إِلى الكَرِّ عَينَهُ

وَفَرَّ فَرَدَّتهُ الرِماحُ إِلى عَقرِ

وَيَومَ القَرينَينِ اِنتَصَرنا وَلَم نَخَف

بِكُلِّ طَويلِ الباعِ مُنفَسِحِ الصَدرِ

كَأَنَّهُمُ تَحتَ السُيوفِ غَرائِبٌ

مِنَ البُدنِ سيقَت يَومَ عيدٍ إِلى نَحرِ

كَأَنَّهُمُ إِذ أَسلَموا بِنتَ شَيخِهِم

سَحابٌ تَجَلّى عَن سَنا قَمَرٍ بَدرِ

فَلَولا عَفافُ البُحتُرِيِّ وَمَنُّهُ

عَلَيهِم لَما آبَت بِعَوفٍ وَلا فِهرِ

وَمَرَّ طَريداً لِلقَنا السُمرِ بَعدَما

نَكَحناهُ بِالخَطِّيَّةِ السُمرِ في الدُبرِ

وَأَسلَمَ مَولاهُ وَخَلَّفَ بَينَهُ

وَنَجّاهُ خِنذيذٌ كَخافِيَةِ النَسرِ

هُناكَ يَقولُ وَهوَ يَعذِلُ نَفسَهُ

وَيَشكو تَمادي الحَربِ في مُحكَمِ الشِعرِ

لَحا اللَهُ قَيساً حينَ وَلَّت حُماتُها

عَنِ الأَشعَثِ المَقتولِ وَالكاعِبِ البِكرِ

وَلَم تَكُ مِنّي نَبوَةٌ غَيرَ هَذهِ

فِراري وَتَركي صاحِبِيَّ وَرا ظَهري

وَفي يَومِ صِفّينَ اِقتَسَمنا ذُرى العُلا

وَقَد جَعَلَ الخَطِّيُّ يَعثُرُ بِالكَسرِ

لَنا حَسَبٌ لَو كانَ لِلشَمسِ لَم تَغِب

وَلِلبَدرِ ما اِستَولى المَحاقُ عَلى البَدرِ

فَأَبخَلُنا بِالمالِ نِدٌّ لِحاتِمٍ

وَأَجبَنُنا في الرَوعِ أَشجَعُ مِن عَمروِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات