لا لوم للدهر ولا عتابا

ديوان الشريف الرضي

لا لَومَ لِلدَهرِ وَلا عِتابا


تَغابَ إِنَّ الجَلدَ مَن تَغابى


صَبراً عَلى الضَرّاءِ وَاِحتِسابا


أَصبَرُنا أَعظَمُنا ثَوابا


ما الدَمعُ مِمّا يَزَعُ المُصابا


وَلا يَرُدُّ القَدَرَ الغَلّابا


أَمضى الزَمانُ حُكمَهُ غَلّابا


أَصابَنا وَطالَ ما أَصابا


يولِغُ ظِفراً لِلرَدى وَنابا


لا يَبكِيَن حاضِرُنا مَن غابا


ما غابَ مِنّا غائِبٌ فَآبا


وَرُبَّ حَيٍّ دَعَموا القِبابا


وَاِستَفسَحوا الأَعطانَ وَالرِحابا


وَطَبَّقوا السُهولَ وَالعِقابا


لا يَرهَبونَ لِلعِدى ذُبابا


أَمسوا لِقاحاً وَغَدوا نِهابا


جَرَّ عَلى دارِهِمُ ذِنابا


وَأَتبَعَ القَوادِمَ الذُنابى


بِمُعجِلٍ يَنتَزِعُ الأَطنابا


يوطي الحِمى وَيَهتِكُ الحِجابا


كَالباتِراتِ تَبذُرُ الرَقابا


نَسعى وَيَطوينا الرَدى وِثابا


كَم قَطَعَ الأَقرانَ وَالأَسبابا


وَفَرَّقَ الجيرانَ وَالأَحبابا


وَاِستَدرَجَ العَبيدَ وَالأَربابا


سَيلُ رَدىً قَد مَلَأَ الشِعابا


وَجُنَّ مَوجاً وَطَغى عُبابا


قارَعَنا وَاِنتَزَعَ اللُبابا


أَعجِب وَأَخلِق أَن تَرى عِجابا


يُبَلِّدُ الأَفهامَ وَالأَلبابا


إِنَّ الرَدى وَإِن رَمى فَصابا


وَجاذَبَتنا يَدُهُ جِذابا


يَعجِمُ مِن عيدانِنا صِلابا


صَعباً يُلاقي أَنفُساً صِعابا


لا تُنكِرُ المَوتَ لَها شَرابا


وَلا تَعافُ الصَبِرَ المُذابا


سَوالِباً وَمَرَّةً أَسلابا


إِذا أَنا اِنقَدتُ وَلَمّا آبى


مُنجَفِلاً مَعَ الرَدى مُنجابا


فَلِم سَنَنتُ الصارِمَ القِرضابا


وَلِم رَبَطتُ الشُزَّبَ العِرابا


يَمرينَ بِالشَكائِمِ اللُعابا


خَمايِصاً نُحاضِرُ الذَيابا


يَحمِلنَ أُسداً في الوَغى غِضابا


قَد سَلَبوا السَوابِغَ العِيانا


رَكباً وَطوراً لِلقَنا رِكابا


يَحمي الحِمى وَيَمنَعُ الجَنابا


حَتّى إِذا داعي الرَدى أَهابا


أَسقَطَ مِن أَيمانِنا الكِعابا


وَبَزَّنا أَرواحَنا إِغصابا


لا طَعنَ نَسطيعُ وَلا ضِرابا


مُقتَحِمٌ عَلى الأُسودِ الغابا


وَرُبَّ إِخوانٍ مَضَوا شَبابا


تَلاحَقوا إِلى الرَدى صِحابا


لا نَتَرَجّى مِنهُمُ إِيابا


وَلا نَعُدُّ لَهُمُ الأَحقابا


لا يَحفِلُ الحُجّابَ وَالأَبوابا


إِذا دُعوا لَم يُرجِعوا جَوابا


وَلَبِسوا الجَندَلَ وَالظِرابا


لِقَدَرٍ ما عَمَروا الخِرابا


يا غُصُناً طالَ وَفَرعاً طابا


لَمّا ذَوى أَودَعتُهُ التُرابا


أَرابَ مِن يَومِكَ ما أَرابا


لازِلتُ أَستَسقي لَكَ السَحابا


كُلَّ أَغَرٍّ يَدِقُ الذِهابا


مُجَرِّراً عَلى الرُبى أَهدابا


يُبقي بِأَجوازِ الثَرى أَندابا


وَيَنثَني مُجَوِّلاً جَوابا


وَإِن لَبِستَ لِلبِلى جِلبابا


أَرى البُكاءَ سَفَهاً وَعابا


لا تَجعَلَنهُ دَيدَناً وَدابا


وافَقَ مِنّا أَجَلٌ كِتابا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الدينارية

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: اتَّفَقَ لي نَذْرٌ نَذَرْتُهُ في دِينَارٍ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلى أَشْحَذِ رَجُلٍ بِبَغْدَادَ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَدُلِلْتُ عَلى أَبِي الفَتْحَ الإِسْكَنْدَرِيِّ، فَمضَيْتُ…

أقلي اللوم عاذل والعتابا

أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ وَحَيّاً طالَ ما اِنتَظَروا الإِيابا بَلى فَاِرفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ كَما…

تعليقات