لا عادت الكأس عليل النسيم

ديوان الشريف الرضي

لا عادَتِ الكَأسُ عَليلَ النَسيم


بَعدي وَلا فُضَّت خِتامُ الهُموم


في لَيلَةٍ غابَ مَعي بَدرُها


وَحارَبَتها في الظَلامِ النُجوم


لا سَحَبَ النَشوانُ مِن ذَيلِهِ


فيها وَلا دَرَّت عَلَيها الكُروم


غِبتُ وَشَوقي عِندَها حاضِرٌ


شَيَّعَهُ القَلبُ وَراءَ الحَريم


جاءَ وَجِلبابُ الدُجى شاحِبٌ


وَعادَ وَالجَوُّ صَقيلُ الأَديم


لَو أَنَّ قَلبي مُطلَقٌ في الحَشا


جَرى إِلَيها في عِنانِ النَسيم


يا لَيلَةً تَكسِرُ أَلحاظَها


كَأَنَّها مَكحولَةٌ بِالغُيوم


كَم لَيلَةٍ مِثلِكِ أَنضَيتُها


وَالراحُ تُزجى مِن إِزارِ النَديم


يَكادُ مِن حُسنٍ إِذا زُرتُها


تُحدِثُ بُرءاً في الهِلالِ السَقيم


في مَجلِسٍ قَوَّمَ أَعطافَهُ


تَقارُبُ الوَصلِ وَقُربُ النَعيم


يَجلو عَلَيَّ الكَأسَ مِن خِدرِها


أَبياضُ سامي الفَرعِ نامي الأُروم


تَعَلَّقَ الحُسنُ بِأَطرافِهِ


فَمالَ وَالأَغصانُ لا تَستَقيم


مُوَقَّرُ الشيمَةِ إِن جاذَبَت


مَقالَهُ يَومَ الجِدالِ الخُصوم


في حَيثُ تَنزو عَذَباتُ الحُبا


بِالقَومِ حَتّى تَستَطيرَ الحُلوم


يَقرِضُني الوُدَّ عَلى نَأيِهِ


وَعِندَ قُربِ الدارِ نِعمَ الحَميم


حَلَّأَني الأَعداءُ عَن وِردِهِ


وَبي إِلى الماءِ نِزاعٌ مُقيم


أَذادُ أَن أَرفُلَ في أَرضِهِ


وَيَرتَعي ذاكَ الجَنابَ العَميم


إِن دَفَعوا ظِمئي فَيا رُبَّما


ذادَت عَنِ الماءِ الحِقاقُ القُروم


مِن بَعدِ ما مُدَّت حَيازيمُهُم


عَلى قُلوبٍ دامِياتِ الكُلوم


في كُلِّ يَومٍ تُنتَضى مِنهُمُ


قَوارِصٌ تَعقُرُ حِلمَ الحَليم


أَحيَت شَآبيبُ الحَيا مَنزِلاً


ماتَ لَنا فيهِ الزَمانُ القَديم


أَيّامَ يَغدو الرَوضُ مُستَبشِراً


وَنَجتَلي تِلكَ الرُبى وَالرُسوم


كَم صَبَغَ الدَهرُ قَميصَ الثَرى


وَعادَ رِقُّ الأَرضِ ضاحي الوُشوم


وَالدَهرُ في أَبياتِنا جُؤذَرٌ


فَالآنَ أَضحى وَهوَ لَيثٌ شَتيم


أَيّامَ نُزجي مِن مَواعيدِنا


ضَراغِماً تَفرِسُ عُدمَ العَديم


تَنظُرُ في أَثناءِ أَوطانِنا


لِقاحَ جودٍ لِلرَجاءِ العَقيم


لي في حَواشي البَرقِ أُنسٌ فَلا


أَدري أَأُغضي دونَهُ أَم أَشيم


أَخافُ مِن سَطوَةِ شُؤبوبِهِ


وَبَينَنا مِن دَجنِهِ هَضبُ ريم


أَجفو مَغانيهِ وَما بَينَنا


لا يُغضِبُ الناقَةَ فيهِ الرَسيم


وَكُنتُ لا أَبرَحُ أَوطانَهُ


مُطَنِّباً بَينَ الضُحى وَالصَريم


أَسلُبُ في الجَريِ إِلى رُبعِهِ


سَنطَلَةَ الذِئبِ وَشَأوَ الظَليم


يا دينَ قَلبي لَكَ مِن لَوعَةٍ


تُعاوِدُ القَلبَ عِدادَ السَليم


قُل لِغَريمي بِدُيونِ الهَوى


يا حَبَّذا مِنكَ مِطالُ الغَريم


ذَمَمتُ دَهراً لَم يَزَل صَرفُهُ


يَطرُقُني وَفدَ الفِعالِ الذَميم


أَرى الأَسى إِن جَلَّ خَطبُ الأَسى


أَسمَحَ مِن طَبعِ العَزاءِ اللَئيم


وَالقُربُ في الوُدِّ عَلى نَأيِنا


أَحسَنُ مِن قُربِ العِدا بِالجُسوم


أَكرَمُ وُدّي دونَ خُطّابِهِ


أَن يَصِلَ الحَبلَ بِغَيرِ الكَريم

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات