لئن ثلمت حدي صروف النوائب

ديوان صفي الدين الحلي

لَئِن ثَلَمَت حَدّي صُروفُ النَوائِبِ

فَقَد أَخلَصَت سَبكي بِنارِ التَجارِبِ

وَفي الأَدَبِ الباقي الَّذي قَد وَهَبنَني

عَزاءٌ مِنَ الأَموالِ عَن كُلِّ ذاهِبِ

فَكَم غايَةٍ أَدرَكتُها غَيرَ جاهِدٍ

وَكَم رُتبَةٍ قَد نِلتُها غَيرَ طالِبِ

وَما كُلُّ وانٍ في الطِلابِ بِمُخطِئٍ

وَلا كُلُّ ماضٍ في الأُمورِ بِصائِبِ

سَمَت بي إِلى العَلياءِ نَفسٌ أَبِيَّةٌ

تَرى أَقبَحَ الأَشياءِ أَخذَ المَواهِبِ

بِعَزمٍ يُريني ما أَمامَ مَطالِبي

وَحَزمٍ يُريني ما وَراءَ العَواقِبِ

وَما عابَني جاري سِوى أَنَّ حاجَتي

أُكَلِّفُها مِن دونِهِ لِلأَجانِبِ

وَإِنَّ نَوالي في المُلِمّاتِ واصِلٌ

أَباعِدَ أَهلِ الحَيِّ قَبلَ الأَقارِبِ

وَلَيسَ حَسودٌ يَنشُرُ الفَضلَ عائِباً

وَلَكِنَّهُ مُغرىً بِعَدِّ المَناقِبِ

وَما الجودُ إِلّا حِليَةٌ مُستَجادَةٌ

إِذا ظَهَرَت أَخفَت وُجوهَ المَعائِبِ

لَقَد هَذَّبَتني يَقظَةُ الرَأيِ وَالنُهى

إِذا هَذَّبَت غَيري ضُروبُ التَجارِبِ

وَأَكسَبَني قَومي وَأَعيانُ مَعشَري

حِفاظَ المَعالي وَاِبتِذالَ الرَغائِبِ

سَراةٌ يُقِرُّ الحاسِدونَ بِفَضلِهِم

كِرامُ السَجايا وَالعُلى وَالمَناصِبِ

إِذا جَلَسوا كانوا صُدورَ مَجالِسٍ

وَإِن رَكِبوا كانوا صُدورَ مَواكِبِ

أُسودٌ تَغانَت بِالقَنا عَن عَرينِها

وَبِالبيضِ عَن أَنيابِها وَالمَخالِبِ

يَجودونَ لِلراجي بِكُلِّ نَفيسَةٍ

لَدَيهِم سِوى أَعراضِهِم وَالمَناقِبِ

إِذا نَزَلوا بَطنَ الوِهادِ لِغامِضٍ

مِنَ القَصدِ أَذكَوا نارَهُم بِالمَناكِبِ

وَإِن رَكَزوا غِبَّ الطِعانِ رِماحَهُم

رَأَيتَ رُؤوسَ الأُسدِ فَوقَ الثَعالِبِ

فَأَصبَحتُ أُفني ما مَلَكتُ لِأَقتَني

بِهِ الشُكرَ كَسباً وَهوَ أَسنى المَكاسِبِ

وَأَرهُنُ قَولي عَن فِعالي كَأَنَّهُ

عَصا الحارِثِ الدُعمِيِّ أَو قَوسَ حاجِبِ

وَمَن يَكُ مِثلي كامِلَ النَفسِ يَغتَدي

قَليلاً مُعاديهِ كَثيرَ المُصاحِبِ

فَما لِلعِدى دَبَّت أَراقِمُ كَيدِهِم

إِلَيَّ وَما دَبَّت إِلَيهِم عَقارِبي

وَما بالُهُم عَدّوا ذُنوبي كَثيرَةً

وَما لِيَ ذَنبٌ غَيرَ نَصرِ أَقارِبي

وَإِنّي لَيُدمي قائِمُ السَيفِ راحَتي

إِذا دَمِيَت مِنهُم خُدودُ الكَواعِبِ

وَما كُلُّ مَن هَزَّ الحُسامَ بِضارِبٍ

وَلا كُلُّ مَن أَرى اليَراعَ بِكاتِبِ

وَما زِلتُ فيهِم مِثلَ قِدحِ اِبنِ مُقبِلٍ

بِتِسعينَ أَمسى فائِزاً غَيرَ خائِبِ

فَإِن كَلَّموا الجُسومَ مِنّا فَإِنَّها

فُلولُ سُيوفٍ ما نَبَت في المَضارِبِ

وَما عابَني أَن كَلَّمَتني سُيوفُهُم

إِذا ما نَبَت عَنّي سُيوفُ المَثالِبِ

وَلَمّا أَبَت إِلّا نِزالاً كُماتُهُم

دَرَأتُ بِمُهري في صُدورِ المَقانِبِ

فَعَلَّمتُ شَمَّ الأَرضِ شُمُّ أُنوفِهِم

وَعَوَّدتُ ثَغرَ التُربِ لَثمَ التَرائِبِ

بِطَرفٍ عَلا في قَبضِهِ الريحُ سابِحٌ

لَهُ أَربَعٌ تَحكي أَنامِلَ حاسِبِ

تَلاعَبَ أَثناءَ الحُسامِ مُزاحُهُ

وَفي الكَرِّ يُبدي كَرَّةً غَيرَ لاعِبِ

وَمَسرودَةٍ مِن نَسجِ داوُدَ نَثرَةٍ

كَلَمعِ غَديرٍ ماؤُهُ غَيرُ ذائِبِ

وَأَسمَرَ مَهزوزَ المَعاطِفِ ذابِلٍ

وَأَبيَضَ مَسنونِ الغِرارَينِ قاضِبِ

إِذا صَدَفَتهُ العَينُ أَبدى تَوَقُّداً

كَأَنَّ عَلى مَتنَيهِ نارَ الحُباحِبِ

ثَنى حَدَّهُ فَرطُ الضِرابِ فَلَم يَزَل

حَديدَ فِرِندِ المَتنِ رَثِّ المَضارِبِ

صَدَعتُ بِهِ هامَ الخُطوبِ فَرُعنَها

بِأَفضَلِ مَضروبٍ وَأَفضَلِ ضارِبِ

وَصَفراءُ مِن رَوقِ الأَواري نَحيفَةٍ

إِذا جُذِبَت صَرَّت صَريرَ الجَنادِبِ

لَها وَلَدٌ بَعدَ الفِطامِ رَضاعُهُ

يُسِرُّ عُقوقاً رَفضُهُ غَيرُ واجِبِ

إِذا قَرَّبَ الرامي إِلى فيهِ نَحرَهُ

سَعى نَحوَهُ بِالقَسرِ سَعيَ مُجانِبِ

فَيُقبِلُ في بُطءٍ كَخُطوَةِ سارِقٍ

وَيُدبِرُ في جَريٍ كَرَكضَةِ هارِبِ

هُناكَ فَجَأتُ الكَبشَ مِنهُم بِضَربَةٍ

فَرَقتُ بِها بَينَ الحَشى وَالتَرائِبِ

لَدى وَقعَةٍ لا يُقرَعُ السَمعُ بَينَها

بِغَيرِ اِنتِدابِ الشوسِ أَو نَدبِ نادِبِ

فَقُل لِلَّذي ظَنَّ الكِتابَةَ غايَتي

وَلا فَضلَ لي بَينَ القَنا وَالقَواضِبِ

بِحَدٍّ يَراعي أَم حُسامي عَلَوتُهُ

وَبِالكُتبِ أَردَيناهُ أَم بِالكَتائِبِ

وَكَم لَيلَةٍ خُضتُ الدُجى وَسَماؤُهُ

مُعَطَّلَةٌ مِن حَليِ دُرِّ الكَواكِبِ

سَرَيتُ بِها وَالجَوُّ بِالسُحبِ مُقتِمٌ

فَلَمّا تَبَدّى النَجمُ قُلتُ لِصاحِبي

أَصاحِ تَرى بَرقاً أُريكَ وَميضَهُ

يُضيءُ سَناهُ أَم مَصابيحَ راهِبِ

بِحَرفٍ حَكى الحَرفَ المُفَخَّمَ صَوتُها

سَليلَةِ نُجبٍ أُلحِقَت بِنَجائِبِ

تَعافُ وُرودَ الماءِ إِن سَبَقَ القَطا

إِلَيهِ وَما أَمَّت بِهِ في المَشارِبِ

قَطَعتُ بِها خَوفَ الهَوانِ سَباسِباً

إِذا قُلتُ تَمَّت أَردَفَت بِسَباسِبِ

يُسامِرُني في الفِكرِ كُلُّ بَديعَةٍ

مُنَزَّهَةِ الأَلفاظِ عَن قَدحِ عائِبِ

يُنَزِّلُها الشادونَ في نَغَماتِهِم

وَتَحدو بِها طَوراً حُداةُ الرَكائِبِ

فَأَدرَكتُ ما أَمَّلتُ مِن طَلَبِ العُلا

وَنَزَّهتُ نَفسي عَن طِلابِ المَواهِبِ

وَنِلتُ بِها سُؤلي مِنَ العِزِّ لا الغِنى

وَما عُدَّ مَن عافَ الهِباتِ بِخائِبِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات