لأظما معلينا وأروى المصائبا

ديوان الشريف الرضي

لَأَظما مُعِلّينا وَأَروى المَصائِبا


وَأَسخَطَ آمالاً وَأَرضى نَوائِبا


مُصابٌ نُجومُ المَجدِ فيهِ نَواجِمٌ


تَرَكنَ نَجومَ الصَبرِ عَنهُ غَوارِبا


أَصابَت سِهامُ الحادِثاتِ قُلوبَها


فَكَم أَعقَبَت رَوعاً يَروعُ العَواقِبا


لَقَد وَعَدَتنا إِذ رَغِبنا رَغايباً


فَلَمّا أَصَبنَ الظَنَّ أَعطَت مَصايبا


وَأَرضَعنَ أَفواهَ المَطامِعِ فَجعَةً


فَطَمنَ بِها عِندَ النَجاحِ المَطالِبا


بِمَفقودَةٍ يَنهَلُّ ماءُ مُصابِها


دُموعاً عَلى خَدِّ الزَمانِ سَواكِبا


إِذا قَعَدَت أَحزانُها في قُلوبِنا


أَقَمنا عَلى الصَبرِ الشِفاهَ نَوادِبا


صَبَرنا فَغَصَّصنا الزَمانَ بِريقِهِ


عَلى أَنَّ لِلأَيّامِ فينا مَضارِبا


وَلَم نَطرَحِ الأَسلابَ يَوماً لِنَكبَةٍ


وَإِن جَذَبَ المِقدارُ مِنّا المَجاذِبا


أَلا إِنَّ هَذا الثاكِلَ الحَسَبِ الَّذي


بِهِ ثَكِلَ المَجدُ التَليدُ المَناقِبا


رَمى في يَمينِ الدَهرِ دُرَّةَ سُؤدُدٍ


فَأَحجِ بِها يَحنو عَليها الرَواجِبا


وَقَد شَنَّ فيها حادِثُ المَوتِ غارَةً


ثَنَتنا وَلَم تَطلُع إِلَينا كَتائِبا


فَلا تَحسَبَن رُزءَ الصَغائِرِ هَيِّناً


فَإِنَّ وَجى الأَخفافِ يُنضي الغَوارِبا


سَقى اللَهُ صَحباءَ الثَرى كُلَّ لَيلَةٍ


سَحائِبَ يَنزَعنَ الرِياحَ الحَواصِبا


جَنادِلُ مِن قَبرٍ كَأَنَّ صُدورَها


حَباهُ الحَيا دونَ القُبورِ مَحارِبا


أَقامَت بِهِ حَتّى لَوَدَّت عُيونُنا


وَلَم تُبقِ دَمعاً أَن يَكونَ سَحائِبا


تُرابٌ يَرى أَنَّ النُجومَ تُرابُهُ


وَيَحسَبُ أَحجارَ الصَفيحِ الكَواكِبا


وَسَيفٌ نُضي مِن جَفنِهِ غَيرَ أَنَّهُ


رَضي لَحدَهُ مِن غِمدِهِ الدَهرَ صاحِبا


يُغَطّي الثَرى عَنّا وُجوهاً مُضيئَةً


كَما كَفَرَ الغَيمُ النُجومَ الثَواقِبا


وَرَزءٌ رَمى صَدرَ الأَماني بِيَأسِها


وَكُنَّ إِلى وِردِ المَعالي قَوارِبا


أَلا رُبَّ لَيلٍ قَلقَلَتهُ عَزائِمي


إِلى أَن نَضا عَن مَنكِبَيهِ الغَياهِبا


جَذَبتُ بِضَبعِ العَزمِ مِن بَينِ أَضلُعي


وَزاحَمتُ بِالهَمِّ الدُجى وَالسَباسِبا


وَجُرداً ضَرَبنَ الدَهرَ في أُمِّ رَأسِهِ


وَجُزنَ بِنا أَعجازَهُ وَالمَناكِبا


وَمَرَّت حَواميها عَلى لِمَّةِ الدُجى


تُجاذِبُ بِالإِدلاجِ مِنها الذَوائِبا


وَإِنّي لَمِن قَومٍ إِذا رَكِبوا النَدى


إِلى الحَمدِ باتوا يَعسِفونَ الرَكائِبا


إِذا فاضَ رَقراقُ المَحامِدِ صَيَّروا


لَهُ جودَهُم دونَ اللِئامِ نَصائِبا


وَإِن ضاقَ صَدرُ الخَطبِ وَسَّعَ بِأَسُهُم


لِسُمرِ القَنا بَينَ الضُلوعِ مَذاهِبا


بِطَعنٍ كَدُفّاعِ الغَمامِ تَحُثُّهُ


ذَوابِلُ يُمطِرنَ الدِماءَ صَوائِبا


لَهُ شَرَرٌ يَرمي الرِماحَ بِلَفحِهِ


يَكادُ يُرى ماءُ الأَسِنَّةِ ذائِبا


إِذا أَنكَروا في النَقعِ أَلوانَ خَيلِهِم


أَضاءَ لَهُم حَتّى يَشيموا السَبائِبا


أَبا قاسِمٍ جاءَت إِلَيكَ قَلائِدٌ


تُقَلِّدُ أَعناقَ الكَرامِ مَناقِبا


قَلائِدُ مِن نَظمي يَوَدُّ لِحُسنِها


قُلوبُ الأَعادي أَن تَكونَ تَرائِبا


إِذا هَدَّها راوي القَريضِ حَسِبتَهُ


يَقومُ بِها في نَدوَةِ الحَيِّ خاطِبا


فَلَو كُنَّ غُدراناً لَكُنَّ مَشارِبا


وَلو كُنَّ أَحداثاً لَكُنَّ تَجارِبا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات