كم قتيل كما قتلت شهيد

ديوان أبو الطيب المتنبي

كَم قَتيلٍ كَما قُتِلتُ شَهيدِ

بِبَياضِ الطُلى وَوَردِ الخُدودِ

وَعُيونِ المَها وَلا كَعُيونٍ

فَتَكَت بِالمُتَيَّمِ المَعمودِ

دَرَّ دَرُّ الصِبا أَأَيّامَ تَجريـ

ـرِ ذُيولي بِدارِ أَثلَةَ عودي

عَمرَكَ اللَهُ هَل رَأَيتَ بُدوراً

طَلَعَت في بَراقِعٍ وَعُقودِ

رامِياتٍ بِأَسهُمٍ ريشُها الهُد

بُ تَشُقُّ القُلوبُ قَبلَ الجُلودِ

يَتَرَشَّفنَ مِن فَمي رَشَفاتٍ

هُنَّ فيهِ أَحلى مِنَ التَوحيدِ

كُلُّ خَمصانَةٍ أَرَقُّ مِنَ الخَمـ

ـرِ بِقَلبٍ أَقسى مِنَ الجَلمودِ

ذاتِ فَرعٍ كَأَنَّما ضُرِبَ العَنـ

ـبَرُ فيهِ بِماءِ وَردٍ وَعودِ

حالِكٍ كَالغُدافِ جَثلٍ دَجوجِيـ

ـيٍ أَثيثٍ جَعدٍ بِلا تَجعيدِ

تَحمِلُ المِسكَ عَن غَدائِرِها الريـ

ـحُ وَتَفتَرُّ عَن شَنيبٍ بَرودِ

جَمَعَت بَينَ جِسمِ أَحمَدَ وَالسُقـ

ـمِ وَبَينَ الجُفونِ وَالتَسهيدِ

هَذِهِ مُهجَتي لَدَيكِ لِحيني

فَاِنقُصي مِن عَذابِها أَو فَزيدي

أَهلُ ما بي مِنَ الضَنى بَطَلٌ صيـ

ـدَ بِتَصفيفِ طُرَّةٍ وَبِجيدِ

كُلُّ شَيءٍ مِنَ الدِماءِ حَرامٌ

شُربُهُ ما خَلا دَمَ العُنقودِ

فَاِسقِنيها فِدىً لِعَينَيكِ نَفسي

مِن غَزالٍ وَطارِفي وَتَليدي

شَيبُ رَأسي وَذِلَّتي وَنُحولي

وَدُموعي عَلى هَواكَ شُهودي

أَيَّ يَومٍ سَرَرتَني بِوِصالٍ

لَم تَرُعني ثَلاثَةً بِصُدودِ

ما مُقامي بِأَرضِ نَخلَةَ إِلّا

كَمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهودِ

مَفرَشي صَهوَةُ الحِصانِ وَلَكِن

نَ قَميصي مَسرودَةٌ مِن حَديدِ

لَأمَةٌ فاضَةٌ أَضاةٌ دِلاصٌ

أَحكَمَت نَسجَها يَدا داوُّدِ

أَينَ فَضلي إِذا قَنِعتُ مِنَ الدَهـ

ـرِ بِعَيشٍ مُعَجَّلِ التَنكيدِ

ضاقَ صَدري وَطالَ في طَلَبِ الرِز

قِ قِيامي وَقَلَّ عَنهُ قُعودي

أَبَداً أَقطَعُ البِلادَ وَنَجمي

في نُحوسٍ وَهِمَّتي في سُعودِ

وَلَعَلّي مُؤَمِّلٌ بَعضَ ما أَب

لُغُ بِاللُطفِ مِن عَزيزٍ حَميدِ

لِسَرِيٍّ لِباسُهُ خَشِنُ القُط

نِ وَمَروِيُّ مَروَ لِبسُ القُرودِ

عِش عَزيزاً أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ

بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنودِ

فَرُؤوسُ الرِماحِ أَذهَبُ لِلغَيـ

ـظِ وَأَشفى لِغِلِّ صَدرِ الحَقودِ

لا كَما قَد حَيّتَ غَيرَ حَميدٍ

وَإِذا مُتَّ مُتَّ غَيرَ فَقيدِ

فَاِطلُبِ العِزَّ في لَظى وَذَرِ الذُلـ

ـلَ وَلَو كانَ في جِنانِ الخُلودِ

يُقتَلُ العاجِزُ الجَبانُ وَقَد يَعـ

ـجِزُ عَن قَطعِ بُخنُقِ المَولودِ

وَيُوَقّى الفَتى المِخَشُّ وَقَد خَو

وَضَ في ماءِ لَبَّةِ الصِنديدِ

لا بِقَومي شَرُفتُ بَل شَرُفوا بي

وَبِنَفسي فَخَرتُ لا بِجُدودي

وَبِهِم فَخرُ كُلِّ مَن نَطَقَ الضا

دَ وَعَوذُ الجاني وَعَوثُ الطَريدِ

إِن أَكُن مُعجَباً فَعُجبُ عَجيبٍ

لَم يَجِد فَوقَ نَفسِهِ مِن مَزيدِ

أَنا تِربُ النَدى وَرَبُّ القَوافي

وَسِمامُ العِدا وَغَيظُ الحَسودِ

أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَها اللَـ

ـهُ غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان المتنبي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات