كل حي قاض عليه زواله

ديوان ابن نباتة المصري

كلّ حيٍّ قاضٍ عليه زواله

وإلى هذه السبيل مآله

يا جلالاً عن الزمان تقضَّى

عزّ ربٌّ قضى وجلَّ جلاله

ما اقتضى حظّنا بقاءك فينا

واحداً تشمل الأنام ظلاله

هادياً للندى وللعلم ترجى

كلّ يومٍ أقواله وفعاله

أين ذاك الغمام يدنو إلى النا

سِ ندى كفّه ويعلو مناله

أين أحكامه وأين علاه

أين أقواله وأين نواله

قف بقبر الإمام يا نادب الفض

ل وخلّ البكاء تهمي سجاله

وانْثر الدمعَ حول مثواه نثراً

مثل ما ينثر الكلام ارْتجاله

ودع الشعر كانَ للشعر وقتٌ

بنداه وقد تغيَّر حاله

وسلا الصبّ واسْتراح المعنى

لا صباباته ولا عذَّاله

أقفرت ساحة العلى فبيوت الش

عر من بعدِ بُعده أطلاله

آه للطالبين علماً ورفداً

بعد ما غاضَ عزمه واحْتفاله

طالب العلم فيه للنحو نوْحٌ

لا تسل عنه كيفَ أصبح حاله

طالب الجود مات من كانَ في الج

ود تباري يمنى يديه شماله

طالب العلم مطلقاً خلّ عنه

قيد العلم حزنه واتّكاله

عجباً من سريره يوم أوْدى

كيفما أوْرَقت ورقّت ظلاله

عجباً من زمانه حين ولَّى

كيفما سيرت ودكَّت جباله

صعدت روحه لأمثالها الزه

ر وفي الأرضِ أين أين أمثاله

فتهاوت كواكب الأفق تسعى

وانْحنى يبدأ السلام هلاله

وعدمنا نحن الندى ولقينا

يتقاضى وفد الرجاء جلاله

يا له من مصاب دينٍ ودنيا

طالَ فينا اشْتغاله واشْتعاله

شابَ كالشيخ طفله وبكى الأش

ياخ فيه كأنهم أطفاله

ونعت مصر والشآم إماماً

طرزت مجد وذا وذاك خلاله

كم مقام كما سمعت ملوكي

ولديهِ تصرَّفت أفعاله

كم بيمناه قصة قد أجيبت

وسؤولٌ بها أجيب سؤاله

كم قريب دعا به وبعيد

وهو هامٍ يد الندى هطَّاله

كم أتتني مع الركاب لهاهُ

ووفت لي مع الزمن خصاله

لو بقدرِ الأسى بكيت لسالت

مهجة كم وفت لها أفضاله

في سبيل العلى غمامٌ تولى

بعد ما أخصب الورَى إقباله

هكذا عادة الزمان بنوه

بسط ظل كما ترى وزواله

ودفين على بقايا دفين

مثل ما قال من سرت أمثاله

كم إلى كم هذا التغافل منَّا

عن يقين الردى وهذا التباله

جاد يا قاضي القضاة ضريحاً

كنت فيهِ غيثٌ يسرُّ انْهماله

وجزى الله جود كفّك عنَّا

وتولاَّك جوده ونواله

لك منَّا نشر النسيم ثناءً

ولنا بالأسى عليك اعْتلاله

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن نباته المصري، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات