قلدت من نصر الإلاه حساما

ديوان لسان الدين بن الخطيب

قُلِّدْتَ مِنْ نَصْرِ الإلاَهِ حُسَاماً

حَاطَ العِبَادَ وَمَهَّدَ الأَيَّامَا

فَإِذَا تَنَبَّهَ حَادِثٌ نَبَّهْتَهُ

وَتَرَكْتَ أَجْفَانَ الأَنَامِ نِيَامَا

وَذَعَرْتَ أُسْدَ الْغَابِ فِي أَجَمَاتِهَا

لَمَّا هَزَزْتَ مِنَ الْقَنَا آجَامَا

فَإِذَا هَمَمْتَ بَلَغْتَ أَقْصَى غَايَةٍ

وَإِذَا رَأَيْتَ الْرَّأْيَ كَانَ لِزَامَا

وَإِذَا الْجَزِيرَةُ نَالَ مِنْهَا وَاقِعٌ

شَيْئاً وَهَاجَ بِهَا الْعَدُوُّ ضِرَامَا

أًصْلَيْتَهَا نَارً السُّيُوفِ فَأَصْبَحَتْ

بَرْداً عَلَى كَبِدِ الْهُدَى وَسَلامَا

وَقَدِمْتَ فِي يَوْمِ الْهِيَاجِ بِفتْيَةٍ

لَمْ تَدْرِ إِلاَّ الْبَطْشَ وَالإِقْدَامَا

مُتَسَرْبِلِينَ هَجِيرَهَا فَإِذَا دَجَا

قَطَعُوا الدُّجُنَّةَ سُجَّداً وَقِيَامَا

فَلِبَاسُ بَأْسِكَ رَاعَ أَفْئِدَةَ الْعِدَى

وَوُجُودُ جُودِكَ أَعْدَمَ الإِعْدَامَا

عَجَباً لِرَاحَتِكَ الْمُلِثَّةِ بِالنَّدَى

أَنْ لاَ تَكُونَ عَلَى الْغَمَامِ غَمَامَا

تَهْمِي وَوَجْهُكَ نُورُهُ مُتَأَلِّقٌ

والْحَزْنُ إِنْ سُحُبُ السَّحَابِ أَغَامَا

نُظِمَ الشَّتَاتُ لِيَوْمِ بَيْعَتِكَ الَّتِي

كَانَتْ لِجَمْعِ المُسْلِمِينَ نِظَامَا

فَتَوَاصَلُوا حَتَّى كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ

عَقَدَ التَّواصُلُ بَيْنَهَا أَرْحَامَا

لِلَّهِ يُوسُفُ مِنْ إِمَامِ هِدَايَةٍ

مَلِكٍ غَدَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامَا

سَاس الْبِلاَدَ وَرَاضَ مِنْ دَهْمَائِهَا

إِبلاً صِعَاباً لاَ تُطِيق خِطَامَا

إِنْ أَمَّه الْعَافُون يَنْتَجِعُونَهُ

يَلْقَاهُمُ مُتَهَلِّلاً بَسَّامَا

أَوْ حَاوَرَ الآدابَ مُبْتَدِعاً لَهَا

رَاضَ الْعُقُولَ وَرَوَّضَ الأَفْهَامَا

أَْبدَتْ مَحَبَّتكَ الْمُلوكُ فَإِنَّ مَنْ

وَالاَكَ وَالَى اللَّهَ والإِسْلامَا

وَأَتَتْ هَدَايَاهَا إِلِيْكَ فَأَكَّدَتْ

بَيْنَ الْقُلُوبِ مَوَدَّةً وَذِمَامَا

جُرْداً تُلاَعِبُ فِي الْحُلِيِّ ظِلاَلَهَا

عُفْرَ الأَديمِ تَخَالُهَا آرَامَا

صُبُراً عَلَى جَوْبِ الْفَيَافِي وَالسَّرَى

لاَ تَسْأَمُ الأَسْرَاجَ والأَلْجَامَا

صَحِب الرَّكَائِبَ وَالحُمُولُ حَدِيثُهَا

حَتَّى تَجَاوَزَ لِلْعِرَاقِ الشَّامَا

لِلَّهِ قَوْمُكَ وَالرِّمَاحُ شَوَاجِرٌ

وَالْبِيضُ تَلْتَهِمُ الطّلَى وَالْهَامَا

عُرْبٌ صَمِيمٌ مِنْ ذُؤَابَة يَعْرُبٍ

تَأْبَى الدِّنِيَّةَ أَوْ تَمُوتَ كِرَامَا

ذَخَرُوكَ لِلأِسْلاَمِ نَدْباً أَرْوَعاً

سَحَّ النَّدَى ضَخْمَ الْهُمُومِ هُمَامَا

وَبَنَوْا لَكَ الْمَجْدَ الْمُؤَثَّلَ وَالْعُلَى

فَفَرَعْتَ مِنْهَا ذِرْوَةً وَسَنَامَا

كَمْ مِنْ جُمُوعِ لِلْعَدُوِّ عِظِيمَةٍ

قَدْ غَادَرُوهَا بِالْفَلاَةِ عِظَامَا

وَكَتِيبَةٍ جعَلُو االصِّفَاحَ صَحَائِفاً

مِنْهَا وَخَطِّيَّ الْقَنَا أَقْلاَمَا

فَتَرَى النُّجُومَ مَنَاصِلاً وَأَسِنَّةً

وَالْقَطْرَ نَبْلاً وَالسَّمَاءَ قَتَامَا

والْخَيْلُ لَمَّا ضَاقَ رَحْبُ مَجَالِهَا

لَمْ تَسْتَطِعْ خَلْفاً وَلاَ قُدَّامَا

مَالَتْ فَوَارِسُهَا عَلَى أَعْرَافِهَا

وَهُمُ سُكَارَى مَا عَرَفْنَ مُدَامَا

فَتَخَالُهُمْ جَزَراً عَلَى صَهَوَاتِهَا

وَتَخَالُهَا مِنْ تَحْتِهِمْ أَوْضَامَا

قُولاَ لِطَاغِيَةِ الْفِرَنْجِ وَقَدْ أَبَى

إِلاَّ لَجَاجاً قَادَ مِنْهُ حِمَاما

قَدْكَ اتَّئِدْ فَهِيَ الَّتِي عُوِّدْتَهَا

مِنْ قَبْلُ سَامَتْ أَنْفَكَ الأَرْغَامَا

الْخَيْلُ جُرْداً وَالرِّمَاحُ ذَوَابلاً

وَالْبِيضُ ذُلْقاً وَالْخَمِيسُ لُهَامَا

نَكَثُ الْعُهُودَ وَغَرَّهُ شَيْطَانُهُ

وَرَأَى الْوَفَاءَ بِمَا وَفَيْتَ حَرَامَا

وَإِذَا تَنَكَّبَتِ الْوَفَاءَ سِيَاسَةٌ

فَأَضَلَّتِ الآرَاءَ وَالأَحْلاَمَا

فَالْغَدْرُ مَرْتَعُهُ وَخِيمٌ كُلَّمَا

لاَذَ امْرُءٌ بِحِمَاه خَابَ وَخَامَا

قَدْ أَدْهَشَ الذُّعْرُ الْمُخِيفُ قُلُوبَهُمْ

وَدَهَا الْعُقُولَ وَزَلْزَلَ الأَقْدَامَا

هَمُّوا وَأَفْرَطَ رُعْبُهُمْ فَتَوَقَّفُوا

فَعَلاَمَ لاَ تُنْضَى السُّيُوفُ عَلاَمَا

أَنْتَ الْمُؤَمَّلُ لاِفْتِتَاحِ بِلاَدِهِمْ

كَمْ مِنْ دَلِيلٍ دُونَ ذَلِكَ قَامَا

لِمَ لاَ وَرَبَّكَ قَدْ قَضَى لَكَ بِالْعُلاَ

وَبِنَصْرِ مُلْكِكَ أَحْكَمَ الأَحْكَامَا

فَإِذَا اسْتَعَنْتَ اللَّهَ وَاسْتَنْجَدْتَهُ

اسْتَنْجَدَوا الصُّلْبَانَ وَالأَصْنَامَا

فَافْتَحْ مَعَاقِلَهَا الْمُنِيفَاتِ الذُّرَى

وَانْشُرْ عَلَى شُرُفَاتِهَا الأَعْلاَمَا

وَاحْسِمْ بِسَيْفِكَ كُلَّ دَاءٍ كَامِنٍ

فَلِذَاكَ مَا دُعِيَ الْحُسَامُ حُسَامَا

وَاهْنَأ بِعِيدٍ عَائِدٍ لَكَ بِالْمُنَى

وَانْعَمْ بَقَاءً فِي الْعُلَى وَدَوَامَا

وَصِلِ السُّعُودَ بِكُلِّ جَدٍّ صَاعِدٍ

وَاسْتَقْبِلِ الأَعْصَارَ وَالأَعْوَامَا

مَادامَ ثَغْرُ الزَّهْرِ تَلْثُمُهُ الصِّبَا

فَتَحُطُّ عَنْهُ مِنَ الْكِمَامِ لِثَامَاك

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات