قف أن وقفت فذاك وادي المنحى

ديوان ابن الساعاتي

قِفْ أن وقفتَ فذاك وادي المُنحى

وأنشُدَ غزالَ الحّيِ أغيدَ أعينَا

فلقد بكيتُ كما ضحكتُ من النَّوى

وأساء لي يومُ الوداع وأحسنا

عانقتهُ فحييتُ ثم مضى فلو

نَشدوا قتيلَ هوًى لقلتُ لهم أنا

لم أَنسهُ يوم الكثيب وقد ثنى

مِثلَ القضيب بمثله صبري ثنا

ألقاه شاهرَ سيفهِ من جَفنهِ

لاَ جفنهِ إِما تسمَّى واكتنى

كالظَّبي يعطو أو يلاِحظ رانياً

والبدرِ يبدو والقضيب إذا انثنى

بدرٌ تكامل نورهُ لا يُجتلى

غصنٌ تَضوَّعَ نورُه لا يُجتنى

في خدّه ورد الحياءِ فما الحيا

وبجفنهِ وِردُ الميَّةِ والمنى

لو رُمتُ أعقِد خصرهُ من لِينهِ

وسقامه ِعند العناق لأَمكنا

يَجني ويَجني لحظُنا من خدّهِ

حُلوَ الجَنى مُرَّ المذاق إذا جنى

غضبانُ امنعُ ما تراهُ مُفرداً

في الحيِ ابعدُ ما يكون إذا دنا

لو جئتهُ بالعتب تُضمِرهُ له

لقرأتهُ من وجنتَيهِ مُبيَّنا

فالجدُ إلا فيهِ بات مذمَّماً

والصَّبر إلاَّ عنهُ أصبح هيِنّا

أعجِبتَ من بَذلي دموعي

وهي ياقوتٌ وعادةُ مثلها أن ُيخزنا

قد كان دمعي مثلَ عهدك ابيضاً

حتى تلوَّنَ عهدهُ فتلوَّنا

ليس الملامُ من السقام بنافعٍ

كيفَ الشِفاءُ وطَرفهُ يُهدي الضَّنا

رشَأٌ خلتْ منهُ مساكنُ قومهِ

فالقلبُ أصبح للكآبة مسكنا

زالتْ بهِ شمسُ السَّرور وِإنما

بالصَّاحب ارتُجعت وعاودها السَّنا

ذو عزمةٍ أبدا تُناط بفكرةٍ

تقضي على غيب الُأمور تيقُّنا

من خوفها أبدا تعاين رعدةً

في المرهفات وفرطَ سُقمٍ في القنا

يقظانَ ساس الملك بعد إِذالةٍ

منهُ فحسَّن منهُ ما قد حصّنا

لَينٌ يلاقي حاسديهِ وداعاً

بأَحدَّ من ظُبة الحسام وأَخشنا

وإذا تجلَّى في ظلام كريهةٍ

مرهوبة ردَّ الصباح الموهِنا

مَن فعلُهُ مثل أسمِه كالسيفِ

مستغنٍ عن الَألقاب جَمعا والكُنى

تُجنى جواهرُ لفظهِ وسماحهِ

مذ بات غيثاً للعُفاة ومعدِنا

مَن جودهْ فينا يصوب ورأيهُ

أبداً يُصيب ومجدهُ عالي البنا

إن هبَّ خطبٌ فالغناءَ بكفّهِ

وبكفّهِ إن أجحف العُدم الغِنا

ذو الجود بحرُ هباتهِ لا يُمتطى

والحلم طَودُ ثباتهِ لن يوزنا

والسعيِ خلَّف كلّ ساعٍ بعدهُ

لماَّ نأَى عن أن يقال لهُ وَنى

الواهب الِمنن الحسام ومن رمى

مُنن القوافي بالسماح فأوهنا

والوازع الَأحداث عنّي بعدما

هتفت بذكري من هناك ومن هنا

كم جئت مادَحهُ فأَحسن صنعَهُ

رفدي كعادته وُعدْتُ فأَحسنا

أُهدي مدائحهُ فرادى كلَّما

أهدت أنامله مواهبَهُ ثُنى

مالت بنا الآمالُ نحو فِناء مَنْ

أَفنى النُّضار فما انثنى عنهُ الثنا

عاف الدنايا منذ كان وإنما

عاف الديانا حين فاقَ بَني الدُّنى

أضحى العناءُ حليفَ مادح غيرهِ

أن لم يكن إياه أَضمر أو عنى

فاكفف بَنايك إنها عمَّت كما

عمَّت سحائبها العدى والأَزمُنا

واسلم صفيَّ الدين أَلمٍ حرى

شرفاً بان تخِذ الزيارة ديدنا

هيَ وعكةٌ زالت أمامَ سلامةٍ

زانت مُنًى أَمت على الشاني مَنى

كم انطلقتْ من مادحيك وأَخرستْ

من حاسديك على المعالي أَلسنا

كما أزعجت مستوسناً منهم وكم

أصفت لدنيا منهلاً مستأسِنا

فالصبحُ فينا ما خبا حتى بدا

والغُمض عنا ما نأى حتى دنا

فبروقُ وعدك ما اصحَّ لشائمٍ

وسحابُ جودك ما أسحَّ وأَهتنا

لو يستطيع البدرُ جادَك عائداً

واليمَّ أمك بالسماحة مُذعنا

بسمت بك الأَيام بعد قطوبها

واخضرَّت الغبراءُ وابتهج الهنا

أَسِواك للعلياءِ غابة همّهِ

ولمعتفيهِ ومادحيهِ ما اقتنى

يلقون منك هِجان مجدٍ سعيهُ

بذَّ القرونَ السابقين وهجّنا

كأن الأَنام صحيفةً وزمانُهُ

بوجودهِ ختمَ الكتاب وعَنونا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الساعاتي، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات