قربا لي يا صاحبي بعيدا

ديوان ناصح الدين الأرجاني

قَرّبا لي يا صاحبيّ بعيدا

وذَراني حتّى أَهيمَ وحيدا

ليس خَطْباً لو تُسعِداني عظيماً

أن تَعوجا لمُغْرَمٍ وتَعودا

ما تَجاوزْتُما المعاهِدَ إلاّ

إن تَناسَيْتُما بهِنّ العُهودا

فاحْبِسا العيسَ لا أَجَلْنَ نُسوعاً

تحتَ رَكْبٍ ولا حَملنَ قُتودا

بَلِّغاني منازلَ الحَيِّ أسألْ

ها متى فارقَتْ دُماها الغِيدا

واستَدِلاّ على الحمى نَشْرَ مِسكٍ

من مَجَرِّ الحسانِ فيه البُرود

وانْشُدا في ديارِهم تَجِدا لي

ثَمّ قلباً من الهوى مَعْمودا

إنّما أَصبحَ الفؤادُ فَقيداً

يومَ لم يَتْبَعِ الغرامُ فقيدا

أنشدَتْنا وُرْقُ الحمائمِ عند الصْ

صُبْحِ من شِعْرِها القديمِ قَصيدا

قَوّمَتْ وزْنَها وإن لم تُعلَّمْ

من عَروضٍ طويلَها والمديدا

وتَغنّتْ بكلِّ مَنظومةٍ عَجْ

ماءً تَجلو معنىً وتَحْلو نَشيدا

ما ابتدَتْها لكنْ إذا درسَ الشَّو

قُ فؤادي كان الحَمامُ مُعيدا

ظَلْتُ أهوى القدودَ وهْي من الأغ

صانِ تَعلو ما ظَلَّ يَحكي القدودا

أنكرتْ أنّني أَبِيتُ مَشوقاً

وكفَى الصَّبَّ بالنّجومِ شُهودا

يَشهَدُ النّجمُ أنّ طَرْفيَ طُولَ الْ

لَيلِ يُمسي بسَيْرهِ مَعْقودا

كلّما زادَ سِر وجْدي ظُهوراً

لابنةِ العامريِّ زادَتْ جُحودا

سال وادٍ مِنّى على النّحْرِ لمّا

قال وَشْكُ النّوى لعَينيّ جُودا

وكأنَّ الحبيبَ يومَ وداعي

ودُموعي للبَيْنِ تَحْكِي الفَريدا

عَلَّقَ العِقدَ فوق خَدِّي وأوصَى

أن يُخلَّى كذاك حتّى يَعودا

مَوقِفٌ ضَمَ شائقاً ومَشوقاً

لفِراقٍ وجازِعاً وجَليدا

ووُجوهاً غرائبَ الحُسْنِ بِيضاً

خَشِيَتْ رِقْبةً فأبدتْ صُدودا

من مَهاةٍ تُديرُ في النُقبِ عَيناً

وغزالٍ يَمُدُّ في الحَلْيِ جِيدا

رشَأٌ راقَني وأعمَلْتُ فِكْري

كيف أَصطادُه فكنتُ المَصيدا

حُبُّ تلك الخدودِ عَفَّرَ منّا

حين ساروا وسْطَ الطُّلولِ الخُدودا

وليالٍ جُعلْن بِيضاً وسُوداً

جعلَتْ عارِضَيَّ بِيضاً وسودا

مُستزيداً لِما أتانيَ منها

ولِعَهْدِي بِما مضَى مُستَعيدا

قلتُ للغيثِ حين أخلَى من الأرْ

ضِ وأبلَى بعد الخُلُوِّ زرودا

حين سار الخليطُ منها انتِجاعاً

كرَّ في إثْرِهم يُعفّي الجَديدا

شُقْتَهم نائياً وجُرْتَ أخيراً

فلعَمْري أَسأْتَ بُخْلاً وجُودا

لو تَعلَّمْتَ من يمينِ سديدِ الدْ

دولةِ الجُود لاغْتديْتَ سديدا

ولخَلَّفْتَ حين سِرْتَ ثناءً

ولأصبحْتَ كيف دُرْتَ حميدا

ماجِدٌ شُرِّفَتْ معاليهِ حتّى

جاوزتْ في عُلُوِّهنّ الجُدودا

جَلّ نَفْساً وجَلّ أَصْلاً فحاز ال

مجْدَ طُرّاً طريفَه والتّليدا

شادَ مجداً واللّهُ قِسمةَ عَدْلٍ

قَسَم النّاسَ سَيِّداً ومَسودا

جمع اللّهُ فيه ما لا يَرى النّاسُ

شبيهاً فيه له ونَديدا

أدباً كاملا وأَصْلاً كريماً

وندىً شامِلاً وبأْساً شديدا

يَحفَظُ الدِّينَ والمروءةَ في كُلْ

لِ مُقامٍ حِفْظَ العِقالِ الشَّرودا

وهما جانبانِ حِفْظُهما إلْ

لا لقَومٍ لا بُدَّ من أن يَؤودا

حَسَنُ العَهْدِ ليس يَرضَى بأنْ نَفْ

قِدَ يوماً إحسانَه المَعْهودا

فهْو يزدادُ من أخيهِ دُنُوّاً

كلّما نال من عُلاهُ مَزيدا

يَشمَلُ الآمِلين بالكرمِ الغَمْ

رِ وظِلُّ العُلا يكونُ مَديدا

كلّما حاذَروا طَوارقَ دهْرٍ

أَيقظُوهُ وباتُوا رُقودا

وإذا ما انتَدى رأيت وقوراً

يُمسِكُ الأرضَ حِلْمُه أن تَمِيدا

فعَوالي الآراء منه نُجومٌ

بات للمُلْكِ كلّهنّ سُعودا

وبيُمناهُ للخلافةِ ماضٍ

يَنثُرُ الدُّرَّ جائداً ومُجيدا

قلَمٌ ما يزالُ يُردِي عَدُوّاً

بشَبا حَدّهِ ويُعْلي وَدودا

اصطفاهُ بيتُ النّبوّةِ كي ين

طِقَ عنه مُؤيَّداً تَأْيِيدا

فهْو تُوحَي إليه آياتِ مَغْزا

هُ فيُبْدي إلى الكتابِ سُجودا

واذا سَدَّد الكُماةُ قَناهم

بين آذانِ خَيلِهم تَسْديدا

واستُلِذَّ الردى ويَعتَدُّ قومٌ

عدمَ النّفْسِ في المعالي وُجودا

بين سُمْرٍ في الرَّوعِ يَحشِين أَحشا

ءً وبِيضٍ منهم يَرِدْن الوَريدا

نَفَرٌ تحسَبُ القِسِيَّ ضُلوعاً

لهمُ الدّهرَ والدُّروعَ جُلودا

كلُّ ذِمْرٍ يُطاوِلُ الرُّمحَ باعاً

فهْو ما إنْ يَصِيدُ إلاّ الصِّيدا

وغلامٍ إذا بدا فوق مُهْرٍ

خِلْتَهُ فوق مَتْنِه مُوْتودا

رَدّ أرماحَهم بأُنبوبةٍ عَجْ

فاءَ مَبرِيّةٍ وفَضَّ الجُنودا

وكفَى كلَّ خُطّةٍ من ليالٍ

ذِكْرُ أهوالِها يُشيبُ الوَليدا

بلسانٍ إذا جَرى ذي بيانٍ

يَرقُبُ الخَلْقُ وعْدَه والوعيدا

تارةً يُطْفِيءُ الحروب وطَوْراً

للأعادي يَزيدُهنّ وُقودا

يَنتضيهِ للمُلْكِ كفُّ بليغٍ

يَدعُ الطِّرْسَ منه روضاً مَجودا

كم على النُّجبِ من معاشرُ أَنجا

بٍ يَقودون للمَطالبِ قُودا

والمطايا نَواحلٌ قد طَوتْها ال

بيدُ ضُمْراً ممّا طَوين البِيدا

حاملاتٌ إلى ذُراهُ وفوداً

في ذُراها أو راجعاتٌ وفودا

نظَموا العيسَ في الأزمّةِ نَظْمَ الدْ

دُرِّ في السِلْكِ نُضِّدتْ تَنْضِيدا

جَعلوها قلائدَ البِيدِ لا يُخْ

لون منهنّ جِيدَها تقْليدا

كلّما ألقتِ الفلاةُ عُقوداً

في ذُراها منهم كسَوها عُقودا

وإذا أَبدأوا إليه أَعادوا

صَدَراً ليس يَنْقَضي ووُرودا

فتَراهم كأنّهم نَفَسُ الحَيْ

يِ دواماً مُردَّداً تَرْديدا

قاصِدي ماجدٍ إذا قصَدوه

بَلَغوا من نَواله المَقْصودا

ورَّثَتْهُ العلا مُلوكٌ كرامٌ

مَهّد الدّهرُ مُلْكَهم تَمْهيدا

وهمُ القومُ سائدون جُدوداً

للبرايا وصاعدونَ جُدودا

كُلّما جَرَّدوا ظُبيً من غُمودٍ

بُدِّلَتْ من طُلي المُلوكِ غُمودا

وإذا دبّروا الممالك بالرأْ

يِ وقد همَّ كائدٌ أَن يكيدا

شَدَّدوا الأمرَ والمُدبِّرُ يُلْفَى

كاسْمِهِ حين يُسْلَبُ التّشْديدا

يا أَبا عبد اللهِ قد مَرَّ لي عن

ك زمانٌ أَصبحتُ فيه مَذودا

صَحَّ فيه وُدِّي وإن مَرِضَ الجِس

مُ وما حِدْتُ عن هواك مَحيدا

مَرْضةٌ وسْطَ غُربةٍ في بلادٍ

تركتْني من بينِ صَحْبِي فَريدا

فإذا ما نظَرْتُ لم أر حَولي

عائداتي إلاّ هُموماً حُشودا

كنتُ كالماء لي وكنتُ أنا الظّمْ

آنَ يَلْقَى سَبيلَه مَسْدودا

وإليك ارتحلْتُ من قَطَنِي النّا

زِحِ أزْجي بالشِّعْرِ حَرْفاً وخُودا

لم أزُرْ غيرَكم ولو لم أجِدْ ما

ءً تَيمّمْتُ بالفلاةِ صَعيدا

والّذي بيننا يَجِلُّ عنِ الإذْ

كارِ فاحفَظْ ذاك الذّمامَ الوكيدا

بي عَناءٌ ولى لديك اعِتناءٌ

لم يَزلْ لي إذا طَلبْتُ عَتيدا

هاكها عذْبةَ المقاطعِ يَحْكِي

كلٌّ بَيتٍ منهنّ ثَغْراً بَرودا

فاتّخِذْها لجِيدِ عُلياكَ عِقْداً

لا تَرى في نظامهِ تَعْقيدا

وانتقِدْها انتقادَ صَفْحٍ فكم جُوْ

وِزَ صَفْحاً ما لم يَكُنْ مَنْقودا

كم تَرى لي ما لا أقولُ مُجِيداً

فتَرى من تَكَرُّمٍ مُستَجِيدا

فأعِدْ بالعنايةِ النّظرَ العا

ليَ واردُدْ بالغَيظِ عنّي الحسودا

وتغَنّمْ صَوماً جديداً أتَى نَح

وك يَسعَى شَوقاً ويوماً سَعيدا

هو صومٌ وافَى ووجْهُك عِيدٌ

هل رأيتُمُ صَوماً يُفارِقُ عِيدا

فالْقَ أمثالَ ذاك وابقَ بلا مِثْ

لٍ جَزيلَ اللُّها مُفيتا مُفيدا

أضحَتِ الأرضُ جنّةً بك للنّا

سِ سُروراً فلا عَدِمْتَ الخُلودا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات