في مثل حضرتكم لا يزأر الأسد

ديوان صفي الدين الحلي

في مِثلِ حَضرَتِكُم لا يَزأَرُ الأَسدُ

فَكَيفَ يَسجَعُ فيها الطائِرُ الغَرِدُ

لِذاكَ أُحجِمُ عَن مَدحي فَيَبعَثُني

صِدقُ الوَلاءِ وَإِنّي فيكَ مُعتَقِدُ

وَكَيفَ أُفصِحُ أَشعاري لَدى مَلِكٍ

يَغدو لَهُ التِبرُ زَيفاً حينَ يَنتَقِدُ

يَقظانُ يَقرَأُ مِن عِنوانِ فِكرَتِهِ

في يَومِهِ ما طَواهُ في الضَميرِ غَدُ

بَحرٌ وَلَكِنَّهُ بِالدُرِّ مُنفَرِدٌ

وَالبَحرُ يَجمَعُ فيهِ الدُرُّ وَالرَبَدُ

مِن مَعشَرٍ إِن دُعوا جادوا لِآمِلِهِم

قَبلَ السُؤالِ وَأَعطوا فَوقَ ما وَجَدوا

تُضاعِفُ الرِفدَ لِلوُفّادِ راحَتُهُ

فَكُلَّما وَفَدوا مِن جودِهِ رُفِدوا

عادوا وَفي كُلِّ عُضوٍ بِالثَناءِ فَمٌ

وَقَد أَتوهُ وَكُلٌّ بِالسُؤالِ يَدُ

وَلَو رَأوا ما أَرى مِن فَرطِ لَذَّتِهِ

بِالجودِ ما شَكَروا يَوماً وَلا حَمِدوا

يَأَيُّها المَلِكُ المَنصورُ طائِرُهُ

وَمَن بِآرائِهِ الأَملاكُ تَعتَضِدُ

وَمَن يُسابِقُ بِالإِنعامِ مُبتَدِياً

نُطقَ العُفاةِ وَيُعطي قَبلَ ما يَعِدُ

أَنتَ الفَريدُ الَّذي حازَت خَلائِقُهُ

ما لا يُحيطُ بِهِ الإِحصاءُ وَالعَدَدُ

وَواحِدُ العَصرِ حَتّى لَو حَلَفتُ بِهِ

يَوماً لَما شَكَّ خَلقٌ أَنُّهُ الأَحَدُ

لَكَ اليَراعُ الَّذي إِن هُزَّ عامِلُهُ

لَم تُغنِ عَنهُ صِلابُ البيضِ وَالزَرَدُ

المُستَطيلَ وفي حَدَّ الظُبى قِصرٌ

وَالمُستَقيمُ وَفي قَدَّ القَنا أَوَدُ

إِذا اِغتَدى نافِئاً بِالسِحرِ في عُقَدٍ

حُلَّت بِنَجواهُ مِن آمالِنا العُقَدُ

يَقظانُ مِنهُ عُيونُ الناسِ راقِدَةٌ

وَلَو تَوَعَّدَ أَهلَ الكَهفِ ما رَقَدوا

رَبيبُ سُمرِ المَعالي وَهوَ يُحطِمُها

وَرُبَّما جَرَّ حَتفَ الوالِدِ الوَلَدُ

بِالأَمسِ كانَ بَوَطءِ الأُسدِ مُرتَعِداً

وَاليَومَ مِنهُ فَريضُ الأُسدِ تَرتَعِدُ

ضَمَّ الأُسودَ فَما زالَ الزَمانُ لَهُ

يَنوي المُكافاةَ حَتّى ضَمَّهُ الأَسَدُ

إِذا اِنثَنى ساجِداً قامَ المُلوكُ لَهُ

طَوعاً وَإِن قامَ في أَمرٍ لَهُم سَجَدوا

يا بانِيَ المَجدِ مِن قَبلِ الدِيارِ وَمَن

لَهُ المَعالي الَّتي لَم يَرقَها أَحَدُ

بَنَيتَ بَعدَ بِناءِ المَجدِ مُبتَدِئاً

داراً لَها العِزُّ أُسٌّ وَالعُلى عَمَدُ

أَسَّستَ بِالدينِ وَالتَقوى قَواعِدَها

فَكانَ عُقباكَ مِنها عيشَةٌ رَغَدُ

داراً تَوَهَّمتُها الدُنيا لِزينَتِها

وَما سَمِعتُ بِدُنيا ضَمَّها بَلَدُ

بِها صَنائِعُ أَبدَتها صَنائِعُكُم

يَفنى المَدى وَبِها آثارُكُم جُدُدُ

تَدَفَّقَ الماءُ في سَلسالِها فَحَكى

سَماحَ كَفِّكَ فينا حينَ يَطَّرِدُ

تَجَمَّعَ الأُسدُ فيها وَالظِباءُ كَما

مِن فَرطِ عَدلِكَ يَرعى الذِئبُ وَالنَقَدُ

مَولايَ دَعوَةَ عَبدٍ غَيرِ مُفتَتِنٍ

بِشِعرِهِ وَلَهُ الحُسادُ قَد شَهِدوا

قَد صُنتَ شِعري وَجُلُّ الناسِ تَخطُبُهُ

وَذاكَ لَولاكَ لَم يَعبَأ بِهِ أَحَدُ

وَالشِعرُ كَالتِبرِ يُخفى حَينَ تَنظُرُهُ

عَينُ الغَبيّ وَيَغلو حينَ يُنتَقَدُ

فَكَيفَ يَذهَبُ ما نَفعُ الأَنامِ بِهِ

مِنهُ جُفاءِ وَيَرسو عِندَكَ الزَبَدُ

إِن شَبَّهوني بِمَن دوني فَلا عَجَبٌ

فَالدُرُّ يُشبِهُهُ في المَنظَرِ البَرَدُ

بِكَ اِنتَصَرتُ عَلى الأَيّامِ مُنتَصِفاً

وَصارَ لي فَوقَ أَيدي الحادِثاتِ يَدُ

وَكَيفَ تَعجَزُ كَفّي أَن أَنالَ بِها

هامَ السِماكِ وَأَنتَ الباعُ وَالعَضُدُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات