فؤاد ما تسليه المدام

ديوان أبو الطيب المتنبي

فُؤادٌ ما تُسَلّيهِ المُدامُ

وَعُمرٌ مِثلُ ما تَهَبُ اللِئامُ

وَدَهرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ

وَإِن كانَت لَهُم جُثَثٌ ضِخامُ

وَما أَنا مِنهُمُ بِالعَيشِ فيهِم

وَلَكِن مَعدِنُ الذَهَبِ الرَغامُ

أَرانِبُ غَيرَ أَنَّهُمُ مُلوكٌ

مُفَتَّحَةٌ عُيونُهُمُ نِيامُ

بِأَجسامٍ يَحَرُّ القَتلُ فيها

وَما أَقرانُها إِلّا الطَعامُ

وَخَيلٍ ما يَخِرُّ لَها طَعينٌ

كَأَنَّ قَنا فَوارِسِها ثُمامُ

خَيلُكَ أَنتَ لا مَن قُلتَ خِلّي

وَإِن كَثُرَ التَجَمُّلُ وَالكَلامُ

وَلَو حيزَ الحِفاظُ بِغَيرِ عَقلٍ

تَجَنَّبَ عُنقَ صَيقَلِهِ الحُسامُ

وَشِبهُ الشَيءِ مُنجَذِبٌ إِلَيهِ

وَأَشبَهُنا بِدُنيانا الطِغامُ

وَلَو لَم يَعلُ إِلّا ذو مَحَلٍّ

تَعالى الجَيشُ وَاِنحَطَّ القَتامُ

وَلَو لَم يَرعَ إِلّا مُستَحِقٌّ

لِرُتبَتِهِ أَسامَهُمُ المُسامُ

وَمَن خَبَرَ الغَواني فَالغَواني

ضِياءٌ في بَواطِنِهِ ظَلامُ

إِذا كانَ الشَبابُ السُكرَ وَالشَيـ

ـبُ هَمّاً فَالحَياةُ هِيَ الحِمامُ

وَما كُلٌّ بِمَعذورٍ بِبُخلٍ

وَلا كُلٌّ عَلى بُخلٍ يُلامُ

وَلَم أَرَ مِثلَ جِيراني وَمِثلي

لِمِثلي عِندَ مِثلِهِمِ مُقامُ

بِأَرضٍ ما اِشتَهَيتَ رَأَيتَ فيها

فَلَيسَ يَفوتُها إِلّا الكَرامُ

فَهَلّا كانَ نَقصُ الأَهلِ فيها

وَكانَ لِأَهلِها مِنها التَمامُ

بِها الجَبَلانِ مِن صَخرٍ وَفَخرٍ

أَنافا ذا المُغيثُ وَذا اللِكامُ

وَلَيسَت مِن مَواطِنِهِ وَلَكِن

يَمُرُّ بِها كَما مَرَّ الغَمامُ

سَقى اللَهُ اِبنَ مُنجِبَةٍ سَقاني

بِدَرٍّ ما لِراضِعِهِ فِطامُ

وَمَن إِحدى فَوائِدِهِ العَطايا

وَمَن إِحدى عَطاياهُ الدَوامُ

فَقَد خَفِيَ الزَمانُ بِهِ عَلَينا

كَسِلكِ الدُرِّ يُخفيهِ النِظامُ

تَلَذُّ لَهُ المُروءَةُ وَهيَ تُؤذي

وَمَن يَعشَق يَلَذُّ لَهُ الغَرامُ

تَعَلَّقَها هَوى قَيسٍ لِلَيلى

وَواصَلها فَلَيسَ بِهِ سَقامُ

يَروعُ رَكانَةً وَيَذوبُ ظَرفاً

فَما نَدري أَشَيخٌ أَم غُلامُ

وَتَملِكُهُ المَسائِلُ في نَداهُ

وَأَمّا في الجِدالِ فَلا يُرامُ

وَقَبضُ نَوالِهِ شَرَفٌ وَعِزٌّ

وَقَبضُ نَوالِ بَعضِ القَومِ ذامُ

أَقامَت في الرِقابِ لَهُ أَيادٍ

هِيَ الأَطواقُ وَالناسُ الحَمامُ

إِذا عُدَّ الكِرامُ فَتِلكَ عِجلٌ

كَما الأَنواءُ حينَ تُعَدُّ عامُ

تَقي جَبَهاتُهُم ما في ذَراهُم

إِذا بِشِفارِها حَمِيَ اللِطامُ

وَلَو يَمَّمتُهُم في الحَشرِ تَجدو

لَأَعطَوكَ الَّذي صَلَّوا وَصاموا

فَإِن حَلُموا فَإِنَّ الخَيلَ فيهِم

خِفافٌ وَالرِماحُ بِها عُرامُ

وَعِندَهُمُ الجِفانُ مُكَلَّلاتٍ

وَشَزرُ الطَعنِ وَالضَربُ التُؤامُ

نُصَرِّعُهُم بِأَعيُنِنا حَياءً

وَتَنبو عَن وُجوهِهِمِ السِهامُ

قَبيلٌ يَحمِلونَ مِنَ المَعالي

كَما حَمَلَت مِنَ الجَسَدِ العِظامُ

قَبيلٌ أَنتَ أَنتَ وَأَنتَ مِنهُم

وَجَدُّكَ بِشرٌ المَلِكُ الهُمامُ

لِمَن مالٌ تُمَزَّقُهُ العَطايا

وَيَشرَكُ في رَغائِبِهِ الأَنامُ

وَلا نَدعوكَ صاحِبَهُ فَتَرضى

لِأَنَّ بِصُحبَةٍ يَجِبُ الذِمامُ

تُحايِدُهُ كَأَنَّكَ سامِرِيٌّ

تُصافِحُهُ يَدٌ فيها جُذامُ

إِذا ما العالِمونَ عَرَوكَ قالوا

أَفِدنا أَيُّها الحِبرُ الإِمامُ

إِذا ما المُعلِمونَ رَأَوكَ قالوا

بِهَذا يُعلَمُ الجَيشُ اللُهامُ

لَقَد حَسُنَت بِكَ الأَوقاتُ حَتّى

كَأَنَّكَ في فَمِ الدَهرِ اِبتِسامُ

وَأُعطيتَ الَّذي لَم يُعطَ خَلقٌ

عَلَيكَ صَلاةُ رَبِّكَ وَالسَلامُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان المتنبي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات