فؤاد على كر الحوادث مارد

ديوان الطغرائي

فؤادٌ على كَرِّ الحوادثِ مارِدُ

وعَزمٌ على جَوْرِ النوائبِ قاصدُ

وقلبٌ يَعافُ الضيمَ مرتعُ همِّهِ

ولو رتعَتْ فيهِ الرِقاقُ البواردُ

تَنُوءُ به الآمالُ والجَدُّ قاعِدٌ

وتُسْهِرُه العلياءُ والحَظُّ راقدُ

يحوزُ المُنَى من دونهِ كلُّ وادعٍ

ويُحرَمُ ما دونَ الرِضا وهو جاهدُ

بهِ من قِراع الخَطْبِ دَاءٌ مماطلٌ

وليس له إلا الليالي عوائِدُ

ونفسٌ بأعقابِ الأمور بصيرةٌ

لها من طِلاع الغيب حادٍ وقائدُ

عليها طِلابُ العِزِّ من قُذُفَاتِه

وليس عليها أنْ تُنَالَ المقاصِدُ

ويُطمِعُها في نيلِها العزَّ أنَّها

حليفُ طِرادٍ والمعالي طرائِدُ

إِذا ميَّزتْ بين الأمور وأبصرتْ

مصايرَها هانتْ عليها الشَّدائِدُ

فتؤثِرُ بَرْحَ الظِمْءِ والرِيُّ فاضح

وتألفُ بؤسَ الجَدْبِ والذُّلُ رائِدُ

وتأنف أن يَشفي الزلالُ غليلَها

إِذا هيَ لم تشتقْ إليها المواردُ

أُولِّي بني الأيام نظرةَ راحمٍ

وإنْ ظنَّتِ الجُهَّالُ أنِّيَ حاسدُ

لهمْ في تضاعيف الرجاءِ مخاوفٌ

ولي في تصاريف الزمان مواعدُ

لك اللّه من هَمٍّ به تَسعَدُ العُلَى

وتشقى المهارى والدُّجَى والفدافِدُ

يزعزع كيرانَ المَطِيِّ بساهمٍ

علاه شحوبُ المجدِ والمجدُ جاهدُ

أغرُّ إِذا استغنى به العزمُ لم يكنْ

له عن حياضِ المجدِ والموتِ ذائدُ

له أربٌ بين الأسِنَّةِ والظُّبَا

إِذا لم يساعدْهُ الحُبَى والوسائِدُ

فقد لفحتْهُ الهُوجُ وهي سَمائِمٌ

كما نفحَتْهُ النُّكْبُ وهي صَوارِدُ

يَشُقُّ جَنانَ الليلِ عن كلِّ مَهْمَهٍ

يذودُ سوامَ النجمِ والنجمُ ساهدُ

فلا ضجعةٌ والصبحُ شَمْطاءُ حاسِرٌ

ولا هَجْعةٌ والليلُ عذراءُ ناهدُ

فأولَى لها من هِمَّةٍ ذُلِّلَتْ لها

صِعابُ العُلَى لولا الزمانُ المعانِدُ

أُريحتْ عليه ثَلَّةُ المجدِ إذْ غَدا

لها من معينِ الملْكِ زندٌ وساعِدُ

ولولا تصاريفُ الحوادثِ أُوطِئَتْ

رِقابُ المعالي حيثُ تُرخَى القلائِدُ

بهِ اعتذر الأيامُ عن هَفَواتِها

وعُدَّ لها بعدَ المساوي المحامدُ

ولو أنصفتْ حامتْ عليه فما لها

إِذا حُمِدَتْ إلا بعَلياهُ حامدُ

أساءَ إليها فاستثارتْ صروفَها

صيالَ نزوعِ القلبِ والقلبُ واجدُ

وعارضها في صَرْفها فتظاهرتْ

عليه الصروفُ البادياتُ العوائدُ

برغم العُلَى أن أُشهِد الأمرَ غُيَّبٌ

وغُيِّبَ عنه حاضرُ اللُّبِّ شاهدُ

وما غابَ حتى طَبَّقَ الأرضَ جُودُهُ

ودانَ لنعماهُ مُقِرٌّ وجاحدُ

تعاوَرهُ غَمْزُ الثِقَافِ فردَّهُ

صَليبٌ على قَرْعِ الحوادثِ ماردُ

وأرهف حدَّيهِ الخطوبُ طوارقاً

كما رقّقتْ متنَ الحُسامِ المبارِدُ

فلا تَشْمتِ الأعداءُ بالطَوْدِ مائِداً

وقد رسختْ أركانُه والقواعِدُ

فما بالحُسامِ المشرفِيّ غَضاضَةٌ

إِذا ردَّهُ يومَ الكريهةِ غامدُ

فمنْ مخبِرٌ والقولُ بالغيبِ ظِنَّةٌ

عن الدَّوحِ والأيامُ عُوْجٌ نواكِدُ

هل اخضرَّ من بعدِ التسلُّبِ عُودُهُ

ومدَّ بضبعيهِ الغصونُ الأمالدُ

فعهدي على أنّ الحوادثَ جَمَّةٌ

به وهو ريَّانُ العساليجِ مائِدُ

وقد يتعَرَّى الغُصْنُ حيناً ويكتسي

نَضارتَهُ ما لم ينلْ منه خاضِدُ

بكُرهِيَ أنْ فارقتُ جَوَّ ظِلالِه

كما فقدَ الكَفَّ المنيعةَ ساعدُ

تهدَّفتُ للأيامِ بعدَ فِراقِه

إِذا مرَّ منها نازلٌ كَرَّ عائدُ

أَمرُّ بذاك الرَّبْعِ ولهَى رياحُهُ

معطلةً أعلامُه والمعاهدُ

عَهِدناهُ دَهراً بِالوُفودِ مُعضَّلاً

يُزاحِمُ فيهِ الأَقرَبينَ الأَباعِدُ

فَلَيسَ يُرى إِلّا شِفاهٌ لَوائِمٌ

تَراهُ خُضوعاً أَو جِباهٌ سَواجِدُ

مَواسِمُ جودٍ ما يَغِبُّ وُفودُها

إِذا خَفَّ مِنها راحِلٌ حَطَّ وافِدُ

إِذا سامَ فيها المُجتَدونَ مَراتِعٌ

وَإِن عاثَ فيها المُعتَدونَ مَآسِدُ

تُهالُ عَلى بُعدِ الأَعِزَّةِ وَالسُرى

مَهولٌ وَإِن غابَ الأُسودُ الحوارِدُ

مَعارِكُ بِأسٍ في مَآلِفِ صَبوَةٍ

تَجَمَّعُ فيهِنَّ المَعاني الشَوارِدُ

تُغَمغِمُ أَبطالٌ وَتَصهَلٌ قُرَّحٌ

وَتَصخَبُ أَوتارٌ وَتُروى قَصائِدُ

أَضاءَ لَها بَرقٌ مِنَ العِزِّ خاطِفٌ

وصالَ بِها رَدعٌ مِنَ المَجدِ راكِدُ

سَقاها رُجوعُ الظاعِنين فَحَسبُها

وَإِن أَخطَأَتها البارِقاتُ الرَواعِدُ

أَقولُ وَأَنضاءُ الأَماني طَلائِعٌ

لَدَيَّ وَأَنيابُ الدَواهي حَدائِدُ

وَقَد أَصحَرَت مِن جانِبَيَّ مَقاتِلٌ

تُخَضخَضُ فيهِنَّ السِهامُ الصَوارِدُ

وَبَينَ جُفوني لِلدُموعِ مَنابِعٌ

وَتَحتَ ضُلوعي لِلهُمومِ مَراقِدُ

وَأَوطَأَني الأَيّامُ أَعقابَ مَعشَرٍ

لَهُم أَوجُهٌ قَد بَرقَعَتها الجَلامِدُ

فَأَخلاقُهُم بِالمُخزِياتِ رَهائِنٌ

وَأَعراضُهُم لِلمُندِياتِ حَصائِدُ

يُقَهقِرُ عَن نَيلِ المَعالي خُطاهُمُ

فَسِيّانَ ساعٍ لِلمَعالي وَقاعِدُ

أَما يَستَفيقُ الدَهرُ عَن نَزَقاتِهِ

فَيُصبِحُ مُستَثنىً لَدَيهِ الأَماجِدُ

أما آن أن تَقْنَى الخطوبُ حياءَها

فَتُدْرَكُ أوتارٌ وتُشْفَى مواجدُ

أما للرِقاقِ المشرفيَّةِ ضاربٌ

أما للعِتَاقِ الهِبْرَذِيَّةِ ناقدُ

أما جرّدُوه مقضباً وهو ناشِئٌ

أما جَرَّبوه مقنباً وهو واحدُ

ومُفتَقَر الدنيا إِلى رأيهِ الذي

يُرَدُّ إليه في الأمورِ المقالدُ

سيذكُرهُ ذِكْرَ الطّرِيدِ محلَّهُ

عُرَى المُلْكِ مُنْحَلَّاً بهن المعاقدُ

وتصبُو إليه المكْرُماتُ عواطِلاً

تُزحْزَحُ عن أجيادِهنَّ القلائدُ

ويُبْلِغُه الإقبالُ ما هو ضَامِنٌ

ويُنْجِزُ فيه الجَدُّ ما هو واعدُ

وتعتذرُ الأيامُ بعدَ اساءةٍ

فَيُصْحَبُ أبَّاءٌ ويُصْلَحُ فاسدُ

فإن الليالي إن أخذنَ خواطِئاً

غوارمُ ما يأخُذْنَهُ فعوامدُ

على ذا مضَى حكمُ الزمإن لأهلهِ

فوادحُ مقرونٌ بهنَّ فوائدُ

وأرفَهُ خَلْقِ اللّهِ راضٍ بعيشةٍ

وأتعبُهم قلباً على الدهر واجدُ

كأنّي به مِلءَ المواكب والحُبَى

تُباهِي به أفراسُه والمساندُ

فما هو إلا البدرُ بعدَ سِرارِهِ

بَدَا وهو مِلْءُ العينِ والقلبُ صاعدُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الطغرائي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

نصافي المعالي والزمان معاند

نُصافي المَعالي وَالزَمانُ مُعانِدٌ وَنَنهَضُ بِالآمالِ وَالجَدُّ قاعِدُ تَمُرُّ بِنا الأَيّامُ غَيرَ رَواجِعٍ كَما صافَحَت مَرَّ السُيولِ الجَلامِدُ وَتُمكِنُنا مِن مائِها كُلُّ مُزنَةٍ وَتَمنَعُنا فَضلَ…

تعليقات