عيون المهى قلبي بنبلك مجروح

ديوان ابن الساعاتي

عيونُ المهى قلبي بنبلكِ مجروح

ومعنى غرامي فيكِ بالدمع مشروح

فلا صدرَ إلاَّ بالأسى متضرمٌ

ولا جفن إلاّ بالمدامع مقروح

وأنكرَ من دمعي خليلايَ أنهُ

على نازحٍ شطتْ به الدارُ منزوح

فدعني إذا اعتلَّتْ من البان نفخةٌ

ففيها لآثار الصبابة تصحيح

وقد قلتُ إنَّ الشوقَ ليس بجذوةٍ

فما بالهُ يذكو إذا هبَّتِ الريح

أظلُّ إذا صبحتُ سمعي بذكرهم

كأني بصر لبابلية مصبوح

أجاذبُ عطف الصبر والصبرُ جامحٌ

وأكتمُ ما ألقى وللسقن تصريح

فلا تسألنْ عن مضمرٍ إن جهلتهُ

وحسبك إيماءٌ خفيٌ وتلويح

أحبُّ الحمى وجداً ببرد نسيمه

وما بردهُ إلاَّ ولوعٌ وتبريح

ويضرم وجدي شيحهُ وثمامهُ

وأية نارٍ ليس يضرمها الشيح

لَهان على لمياءَ يومَ سويقةٍ

وقد أعرضت قلبٌ بلمياءَ متروح

عشيةَ قلبي موثق في رحالها

لسيرٌ كما شاءَت وللدمع تسريح

إذا ما عدانا البينُ عنها بصرفه

فلا جادها جونٌ على السَّفح مسفوح

ولا أخضرَّ من أذيالها تلكمُ الربَّى

ولا طالبَ من أنفاسها ذلك اللوح

وما بالُ دمعي لا يؤدي خراجهُ

لسنة وجهٍ بالقسامة ممسوح

ومن معجز الحسن الذي هيَ ربُّهُ

تصرفُ جسمٍ في هواها ولا روح

وقفتُ على تلك الموارد باكياً

فلا عذبَ إلاَّ بالمدامع مملوحُ

ولا بابَ إلاَّ بالمعزّ بن يوسفٍ

إلى كل خيرٍ أغلق الدهرُ مفتوح

هو المفقرُ المغني فعاداتُ جودهِ

تزينُ وغادات الغوادي مفاضيح

هو الخصرِ النُّعمى على كبد العُلى

لدى حيث وجه اليوم بالماءِ منضوح

يلاذ به في كلّ خوفٍ وأزمةٍ

فلا الجارُ مهضومٌ ولا الضيَّف منبوح

مواردهُ كالأمنِ برداً وزادهُ

كطيب الكرى طلقٌ لمن شاء ممنوح

ندّى يهبُ الأذهانَ صفواً وحكمةً

وفيه اجتلابٌ للمعاني وتنقيح

فللنثر إحسان يروقُ وبهجةٌ

وللنظم توشيعٌ يروقُ وتوشيح

فسيقتْ لنا سوقَ المهور صلاتهُ

وزفتْ لهُ زفَّ الحسان الأماديح

كأنك إذ تغشى مواقدَ نارهِ

يضوع أريج البان والملكْ منفوح

فلو كتّم الليلُ التمامُ بيوتهُ

لدلَّ عليها نشرهُ والأراييح

حمولٌ لأعباءِ الملَّمات لو رمت

ثبيراً لأضحى وعنهُ وهو مفدوح

ولو كان للماضين قوَّة صبرهِ

لما ناح من ثكلٍ على هالكٍ نوح

أعدْ وصفهُ ترضِ الالهَ بذكرهِ

ففي كلّ منهُ لله تسبيح

وكائنْ سقى جيشاً كؤوس حمامهِ

دهاقاً وأطرافَ العوالي مجاديح

فيا سيفهُ حزتَ العدالة في العلى

وما شاهدٌ إلاَّ لهُ بك تجريح

فتى عزمهُ كفءُ الكتيبة خاطبا

وان ردَّ مفتولُ الذراعين مشبوح

ولا عمرَ إلاَّ بالحمام مطلقٌ

ولا قلب َ إلاَّ بالأسنة منكوح

مطلٌّ على الأعداءِ من كلّ وجهةٍ

وان كثرت عن ساحتيهِ المنازيح

فطودٌ رفيعٌ بالسوابح مرتقى

وشهبٌ فسيحٌ بالجماجم مسطوح

لهُ شهبٌ بالبيض في سدف الوغى

وبالسُّمر في ضيق الوقائع تفسيح

وفي الجوِ عينُ الشمس رمداً كحيلةٌ

ووجهُ الصفا في الأرض بالركض مكدوح

من القوم ليسوا بالمجازيع إن سطا

زمانٌ ولا إن جاد دهرٌ مفاريح

سيوفهمُ للشاغرات مفالغٌ

وهنَّ لأغرق البلاد مفاتيح

جبال حُبىّ ترسو وفي الحلم خفًّةٌ

ومزنٌ حياً تهمي وللبنت تصويح

إذا أصدفوا نيلا فلا سمح الحيا

وان سفروا ليلاً فلا طلعت يُوح

فأرديةٌ خضرٌ ضواحكُ بالندَّى

إذا قطب السَّاري وأندية فيح

همُ عاشقوا بيض المكارم والظبي

وللناس بالبيض الظباءِ تباريح

مطاعون في الجَّلى مطاعينُ في الوغى

مطاعيمُ في الجدب المخوفِ مساميح

يضيئون في اللأواءِ ناراً وأوجههاً

كِلا سنتيها في الظلام مصابيح

أولئك فرسان المنابر والوغى

جميعاً وأطود الحلوم المراجيح

ففي الناس إلاَّ أن تراهم مشابهٌ

وفي الأرض إلاَّ عن نداهم مناديح

أنارت بك الأوقات والشمسُ فضلةٌ

فلاَّ زندَ تلاَّ بالحوافر مقدوح

وعذرٌ لمن يخشاك كبشُ كتيبة

يعود كسيراً قرنهُ وهو منطوح

وما يفلحُ الفولاذ إلاًّ يمثله

فكم ردَّ من سيفٍ بحدك مفلوح

وما دمتَ لا ظلُّ العفاةِ بقالصٍ

ولا عشيهم ذاوٍ ولا الماءُ ممنوح

عممتهمُ منَّا وأمناً فما اللُّهى

ولا المالُ إلاَّ في جنابك مسروح

وكم ليّ من عذراءَ أجزلت مهرها

فلا أنا مغبونٌ ولا أنت مفضوح

حلاوتها تشجي الحسودَ ولم أجدْ

كمثل حسودٍ فيك بالشَّهد مذبوح

هي السائراتُ السابغاتُ قوافياً

لها بك ترجيعٌ بديعٌ وترجيح

فمثلك مغدور السماح بحبّها

وغيريَ معضول الطماعة منصوح

بضاعةُ مجدٍ ليس ينفكُّ سوقها

إذا جليت إلاَّ وجودك مربوح

وما الناسُ إلاَّ محسنٌ قد أجزتهُ

بحسنى وإلاَّ مذنبٌ عنه مصفوح

وما زلتَ أخاذ الحقول لأهلها

وذو الظلم مسيوفٌ بعزمك مرموح

أحاولُ مالاً حيلَ بيني وبينهُ

كمن يبتغي ماءً حمتهُ التماسيح

وكم بعثت بي منك محسنة المنى

إلى خير مصحوب وللدهر تقبيح

فعدتُ وعيني من نداك قريرةٌ

وصدري بهاتيك المواهب مشروح

فزينتْ بك الدنيا وعشتَ ممدَّحاً

وحيداً فما في الأرض غيرك ممدوح

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الساعاتي، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات