علا لك ذكر لا يشابهه ذكر

علا لك ذكر لا يشابهه ذكر - عالم الأدب

علا لكَ ذكرٌ لا يشابهُهُ ذكرُ

وحزْتَ فخاراً ليسَ يدركُهُ الفخرُ

هنيئاً بنعمى خلَّد اللهُ ذكرَها

وطال بها بشْرٌ وطابَ لها نشرُ

نصرْتَ بفتحِ الناصريَّةِ دينَنا

ألا في سبيل اللهِ ذا الفتحُ والنصرُ

وسميتَها دارَ الحديثِ لأنها

حديثةُ عهدٍ جاءَ في نزعِها الأمرُ

وهمزاً قلبتَ الكافِ فَهْيَ أنيسةٌ

لعمرُكَ لي قلبٌ بذا القلبِ مُنْسَرُّ

فكم حَسَدَتْها بَيْعَةٌ وكنيسةٌ

وقد فُكَّ من أيدي اليهودِ لها أَسْرُ

عقدتَ لها الإجماعَ فانتثرتْ لهم

دموعٌ وعندَ العقدِ لا يُنكرُ النثرُ

وأحييتَها بالدرسِ بعدَ اندراسِها

وصارَ لذكرِ اللهِ في ربعها جَهْرُ

وضاعفْتَ أمراضَ اليهودِ بنزعِها

فأوجُهُهم تحكي عمائمهمْ صُفْرُ

لئنْ أحزنَ الحزَّانَ ذكرُ محمدٍ

بها فكليمُ اللهِ للحقِّ يفترُّ

بذا قلبُ حزَّان الملاعينِ نازحٌ

وذلكَ مِنْ وجهينِ فَلْيُفهم السرُّ

وكانتْ بلثغاتِ الخبيثين طامثاً

فتمَّ بذكرِ الطيبينَ لها العطرُ

تعمُّ المثاني السبعُ ستَّ جهاتِها

وخُصصَ بالتوحيدِ كلْماتُها العشرُ

وَمَنْ غاظَهُ هذا فليسَ بمسلمٍ

وهلْ مسلمٌ يختارُ أنْ يُنصرَ الكفرُ

فإن أُبْدِلَتْ عنْ صوتِ قرنٍ مؤذناً

فإبدالُ تعريفٍ منِ اسمٍ لهُ نكْرُ

صَرَفْتَهم عنْ ربعها إذْ أضفْتَهُمْ

إلى الذلِّ والمصروفُ يدخلُهُ الكسرُ

أيا حاتمَ الإسلامِ ودُّوا خلاصَها

بما ملكوا فليخسؤوا قضي الأمرُ

وقدْ علمَ الأقوامُ لو أن حاتماً

أرادَ ثراءَ المالِ كانَ لهُ وفرُ

ولو حلفوا أنَّا سننزعُ أختَها

لما وجبيتْ كفارةٌ ربَّما برُّوا

ونأخذُ منهمْ أَجْرَ سكناهمُ بها

وقد عُرف المبتاعُ وانفصلَ السعرُ

أيُنسى أذاهم للنبيِّ وبغضُهُمْ

وتكذيبُهُمْ والسمُّ في الشاةِ والسحرُ

كأنهمُ في التيهِ بعدُ فمنهمُ

تحققَ سلواهم وقدْ عظمَ المكرُ

وحقِّكَ ما هذا الذي تستحقُهُ ال

يهودُ ولا العشرانِ كلا ولا العشرُ

لقدْ فعلَتْ أقلامُكَ الحمرُ فيهم

منَ الحقِّ ما لا تفعلُ البيضُ والسمرُ

وقدْ أفرحَ النوريةَ الآنَ ما جرى

لجارتِها والجارُ بالجارِ ينسرُّ

أصاخَتْ إلى دارِ الحديثِ وأنصتَتْ

وكانَ بها عنْ سمعِ كفرهُم وَقْرُ

عجبتُ لها لمَّا حللْتُ بريعِها

وما رقصتْ عجْباً ولكنَّها صخرُ

وما بقيتْ واللهِ تخشى مذلةٌ

وأوقافُ نورِ الدينِ مِنْ خلفها ظهرُ

وكيفَ تخافُ النقصَ عندَ كمالها

وقدْ صارَ من قاضي القضاةِ لها ذخرُ

إمامٌ يؤمُّ المقترونَ جنابَهُ

وَمِنْ كفِّهِ في كلِّ قطرٍ لها قطرُ

حليفُ الندى غيظُ العدى صارفُ الردى

إمامُ الهدى فاتَ المدى جودُه الغمرُ

حوى العلمَ عنْ آياتِهِ ومعاشرٍ

من السادةِ الأنصارِ أوجُهُهُمْ زَهْرُ

أرى أنَّ ذا الإحرام يخرجُ فديةً

إذا ما جرى بينَ الحجيجِ لهُ ذكرُ

إذا قالَ أحيا الشافعي تفقهاً

ونقلاً وإنْ يسبرْ فيا حبذا السبرُ

وما منصبَ الشهباءِ كُفْواً لعلمِهِ

غلطتَ ولا دارُ السلامِ ولا مصرُ

فإنْ زُمَرُ الأحزابِ راموا امتحانَهُ

سبى ليلَ فرقانِ المجادلةِ النصرُ

ولو لم يؤثرْ عمرَهُ غيرَ هذِهِ

كَفَتْه وكم أخرى له عسرَ الحصرُ

أمنقذَها من بؤسِها وعنائها

فديتُكَ أنقذني فقدْ نَفَدَ العمرُ

فإني أرى غيباً بأني مُضَيَّعٌ

وكسبي منَ الحكمِ الخصوماتِ والوزرُ

مقيماً بأرضِ الحرثِ جاراً لمعشرٍ

وجوههمُ غُبْرٌ وأثوابُهُمْ حمرُ

يرون جميلاً أنهم لم يرفعوا

وليسَ لأهلِ القدرِ عندهمُ قدرُ

متى دخلَ الشهباءَ منهم جماعةٌ

لأشغالهمْ يخلو بخاطريَ الفكرُ

أقولُ عساهم أضمروا لي مكيدةً

لعلَّ انحرافاً أو بدا لهمُ غدرُ

وما ذاكَ عنْ ذنبٍ جنيتُ وإنما

عنانيَ عرضٌ عنْ مرافعةٍ بكرُ

وحُقَّ لمثلي صونُ عرضي فإنَّهُ

نقي بحمدِ اللهِ ما شانَهُ غَمْرُ

وكلهمُ راضٍ عليَّ وذاكري

بخيري ولكنْ لو عبثتُ لما قرُّوا

ولا خيرَ في مالِ الفتى بعدَ عرضِهِ

ولا عيشَ في الدنيا إذا قبَّحَ الذكرُ

بِذَيْلِ بديلِ الرافعي تَمَسُّكي

فقد مسَّني للبعدِ عن بابِهِ الضرُّ

سئمتُ مداراةَ الأراذلِ في الورى

وقدْ بانَ لي أنَّ القضا جبلٌ وعرُ

شريكُ شرورٍ لا سرورٍ نسيتُ ما

حفظْتُ ومما كنتُ حصَّلْتُ أجترُّ

تقدَّمني مَنْ كانَ خلفي وساءَني

خمولي ولكنْ هكذا يفعلُ البَرُّ

بُليتُ بحجرِ الحكمِ منْ زمنِ الصِّبا

فهلْ بكمالِ الحجرِ يرتفعُ الحجرُ

على أنني راضٍ بأنْ أليَ القضا

وأُعزلَ عنهُ لا أثامٌ ولا أجرُ

لئنْ زادَ مالُ المرءِ معْ نَقْصِ علمِهِ

فذلكَ خسرٌ لا يقابلُهُ خُسرُ

أيا أوحدَ الإسلامِ إني معوِّلٌ

عليكَ وما المملوكُ في قصدِهِ غرُّ

فوجهُكَ إنْ قابلتُهُ أو رأيتُهُ

يكونُ لقلبي بالمقابلةِ الجبرُ

أقلني منَ الأحكامِ في البرِّ محسناً

إليَّ بفصلي عَنْهُ يا مَنْ هو البحْرُ

ففي القلبِ مِنْ نيلِ الفروعِ ببابكم

أصولُ اشتياقٍ حَمْلُ أغصانِها جمرُ

شُغِلْتُ بحبِّ العلمِ عن رفعةِ القضا

أيلوي على الأصدافِ مَنْ قصدُهُ الدرُّ

تعجَّبَ قومٌ كيفَ أترك منصبي

وأرفضُهُ عمداً وما أنا مضطرُّ

وقالوا ترى مَنْ حلَّ في رتبةِ القضا

وفارقَها حتى يواريَهُ القبرُ

أرى العلمَ أعلى رتبةً لي منَ القضا

ولو لم يكنْ إلا فوائدُكَ الزهرُ

وأنتَ خبيرٌ بالقضاءِ وعسرِهِ

ألا فلعلَّ العسْرَ يتبعُهُ اليُسْرُ

إذا قيلَ قاضٍ بالعراقِ جرى له

كذا خلتُ أني ذاكَ واستحكمَ الذعرُ

وإنْ قاصدٌ منكمْ أتاني فانثنى

كما انتفضَ العصفورُ بللهُ القطرُ

طباعُ عفيفٍ لا يرى حبَّ منصبٍ

ولكنْ تشفِّي حاسديهِ بهِ مرُّ

ولي مِنْ هباتِ اللهِ عَنْ كلِّ ذا غنى

وإنْ دامَ بي هذا العناءُ فما العذرُ

قنعتُ فخلتُ النجمَ دوني رتبةً

وهيهاتَ خوفُ الفقرِ عندَ الغنى فقرُ

وفيَّ لتحصيلِ العلومِ بقيةٌ

فلا كبرٌ عنها يصدُّ ولا كِبْرُ

ومالي أرى الحكامَ غيرَكَ إنْ رأوا

ذكياً فأوفى حظِّهِ منهمُ الهجرُ

يولُّونَهُ في البرِّ قصدَ خمولِهِ

فيصبحُ ميِّتاً والضياعُ له قَبْرُ

ومثلُكَ لا يرضى لمثليَ بالقُرى

وفي النفسِ حاجاتٌ وفي سيدي جبرُ

فدونكها ورديةٌ عربيةٌ

سليلةَ بكريٍّ لها ودُّكمْ مَهْرُ

ولو أنني لم أنتسبْ ما خفِي على

ذكيٍّ بأنَّ الدرَّ معدنُهُ البحرُ

ولستُ بمدَّاحٍ ولا الشعرُ حرفتي

بلى لكمالِ النفسِ نظميَ النثرُ

ولو عَقَلَ الإنسانُ لم يهدِ مدحةً

إليكَ وهل يُهدى إلى هجرٍ تمرُ

بقيتَ بقاءَ المكرماتِ ونلتَ ما

تؤمِّلُهُ ما لاحَ في الظُّلَمِ البدرُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الوردي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات