عفا الزرق من مي فمحت منازله

ديوان ذو الرمة

عَفا الزُرقُ مِن مَيٍّ فَمَحَّت مَنازِلُه

فَما حَولَهُ صَمّانُهُ فَخَمائِلُه

فَأَصبَحَ يَرعاهُ المَها لَيسَ غَيرُهُ

أَقاطيعُهُ دُرّاؤُهُ وَخَواذِلُه

يَلُحنَ كَما لاحَت كَواكِبُ شَتوَةٍ

سَرى بِالجَهامِ الكَدرِ عَنهُنَّ جافِلُه

فَلَم يَبقَ إِلاّ أَن نَرى مِن مَحَلِّهِ

رَماداً نَفَت عَنهُ السُيولَ جَنادِلُه

كَأَنَّ الحَمامَ الوُرقَ في الدارِ جَثَّمَت

عَلى خَرِقٍ بَينَ الأَثافي جَوازِلُه

أَقولُ لِمَسعودٍ بِجَرعاءِ مالِكٍ

وَقَد هَمَّ دَمعي أَن تَسُحَّ أَوائِلُه

أَلا هَل تَرى الأَظعانَ جاوَزنَ مُشرِفاً

مِنَ الرَملِ أَو حاذَت بِهِنَّ سَلاسِلُه

فَقالَ أَراها بِالنُمَيطِ كَأَنَّها

نَخيلُ القُرى جَبّارُهُ وَأَطاوِلُه

تَحَمَّلنَ مِن حُزوى فَعارَضنَ نِيَّةً

شَطوناً تُراخي الوَصلَ مِمَّن يُواصِلُه

فَوَدَّعنَ مُشتاقاً أَصَبنَ فُؤادَهُ

هَواهُنَّ إِن لَم يَصرِهِ اللَهُ قاتِلُه

أَطاعَ الهَوى حَتّى رَمَتهُ بِحَبلِهِ

عَلى ظَهرِهِ بَعدَ العِتابِ عَواذِلُه

إِذِ القَلبُ لا مُستَحدِثٌ غَيرَ وَصلِها

وَلا شَغلُهُ عَن ذِكرِ مَيَّةَ شاغِلُه

أَخو كُلِّ مُشتاقٍ يَهيمُ فُؤادُهُ

إِذا جَعَلَت أَعلامُ أَرضٍ تُقابِلُه

أَلا رُبَّ خَصمٍ مُترَفٍ قَد كَبَتُّهُ

وَإِن كانَ أَلوى يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه

وَمَخشِيَّةِ العاثورِ يَرمي بِرَكبِها

إِلى مِثلِهِ خِمسٌ بَعيدٌ مَناهِلُه

سَخاوِيَّ أَفلالِ تَبيتُ بِجَوزِها

مِنَ القَفرِ وَالإِقواءِ تَعوي عَواسِلُه

قَطَعتُ بِنَهّاضٍ إِلى صُعُداتِهِ

إِذا شُمِّرَت عَن ساقِ خِمسٍ ذَلاذِلُه

أُكَلِّفُهُ أَهوالَ كُلِّ تَنوفَةٍ

لَموعٍ وَلَيلٍ مُطلَخِمِّ غَياطِلُه

خِدَبُّ الشَوى لَم يَعُد في آلِ مُخلِفٍ

أنِ اِخضَرَّ أَو أَن زَمَّ بِالأَنفِ بازِلُه

عَريضُ بِساطِ المِسحِ مِن صَهَواتِهِ

نَبيلُ العَسيبِ أَصهَبُ الهُلبِ ذابِلُه

غَميمُ النَسا إِلّا عَلى عَظمِ ساقِهِ

مُشَرِّفُ أَطرافِ القَرا مُتَماحِلُه

يَمُدُّ حِبالَ الأَخدَعَينِ بِسَرطَمٍ

يُقارِبُ مِنهُ تارَةً وَيُطاوِلُه

وَرَأسٍ كَقَبرِ المَرءِ مِن قَومِ تُبَّعٍ

غِلاظٍ أَعاليهِ سُهولٍ أَسافِلُه

كَأَنَّ مِنَ الديباجِ جِلدَةَ رَأسِهِ

إِذا أَسفَرَت أَغباشُ لَيلٍ يُماطِلُه

رَخيمُ الرُغاءِ شَدقَمٌ مُتَقارِبٌ

جُلالٌ إِذا اِنضَمَّت إِلَيهِ أَياطِلُه

بَعيدُ مَسافِ الخَطوِ غَوجٌ شَمَردَلٌ

تُقَطِّعُ أَنفاسَ المَطِيِّ تَلاتِلُه

خَروجٌ مِنَ الخَرقِ البَعيدِ نِياطُهُ

وَفي الشَولِ نامي خَبطَةِ الطَرقِ ناجِلُه

سَواءٌ عَلى رَبِّ العِشارِ الَّتي لَهُ

أَجِنَّتُها سُقبانُهُ وَحَوائِلُه

إِذا نُتِجَت مِنهُ المَتالي تَشابَهَت

عَلى العوذِ إِلاّ بِالأُنوفِ سَلائِلُه

قَريعُ المَهارى ذاتِ حينٍ وَتارَةً

تَعَسَّفُ أَجوازَ الفَلاةِ مَناقِلُه

إِذا لَعِبَت بُهمى مَطارِ فَواحِفٍ

كَلِعبِ الجَواري وَاِضمَحَلَّت ثَمائِلُه

وَظَلَّ السَفا مِن كُلِّ قِنعٍ جَرى بِهِ

تَخَزَّمَ أَوتارَ الأُنوفِ نَواصِلُه

كَأَنَّ جَريري يَنتَحي فيهِ مِسحَلٌ

رَباعٌ طَوَتهُ القودُ قُبٌّ حَلائِلُه

مِنَ الأَخدَرِيّاتِ اللَواتي حَياتُها

عُيونُ العِراقِ فَيضُهُ وَجَداوِلُه

أَقولُ لِنَفسي لا أُعاتِبُ غَيرَها

وَذو اللُبِّ مَهما كانَ لِلنَفسِ قائِلُه

لَعَلَّ اِبنَ طُرثوثٍ عُتَيبَةَ ذاهِبٌ

بِعادِيَتي تَكذابُهُ وَجَعائِلُه

بِقاعٍ مَنَعناهُ ثَمانينَ حِجَّةً

وَبِضعاً لَنا أَحراجُهُ وَمَسائِلُه

جَمَعنا بِهِ رَأسَ الرِبابِ فَأَصبَحَت

تَعَضُّ مَعاً بَعدَ الشَتيتِ بَوازِلُه

وَفي قَصرِ حَجرٍ مِن ذُؤابَةِ عامِرٍ

إِمامُ هُدىً مُستَبصِرُ الحُكمِ عادِلُه

كَأَنَّ عَلى أَعطافِهِ ماءَ مُذهَبٍ

إِذا سَمَلُ السِربالِ طارَت رَعابِلُه

إِذا لَبَّسَ الأَقوامُ حَقاً بِباطِلٍ

أَبانَت لَهُ أَحناؤُهُ وَشَواكِلُه

يَعِفُّ وَيَستَحيي وَيَعلَمُ أَنَّهُ

مُلاقي الَّذي فَوقَ السَماءِ فَسائِلُه

تَرى سَيفَهُ لا يَنصُفُ الساقَ نَعلُهُ

أَجَل لا وَإِن كانَت طِوالاً مَحامِلُه

يُنيفُ عَلى القَومِ الطِوالِ بِرَأسِهِ

وَمَنكِبِهِ قَرمٌ سِباطٌ أَنامِلُه

لَهُ مِن أَبي بَكرٍ نُجومٌ جَرى لَهُ

عَلى مَهَلٍ هَيهاتَ مِمَّن يُخايِلُه

مَصاليتُ رَكّابونَ لِلشَرِّ حالَةً

وَلِلخَيرِ حالاً ما تُجازى نَوافِلُه

يَعِزُّ اِبنَ عَبدِ اللَهِ مَن أَنتَ ناصِرٌ

وَلا يَنصُرُ الرَحمانُ مَن أَنتَ خاذِلُه

إِذا خافَ قَلبي جَورَ ساعٍ وَظُلمَهُ

ذَكَرتُكَ أُخرى فَاِطمَأَنَّت بَلابِلُه

تَرى اللَهَ لا تَخفى عَلَيهِ سَريرَةٌ

لِعَبدٍ وَلا أَسبابُ أَمرٍ يُحاوِلُه

لَقَد خَطَّ رومِيٌّ وَلا زَعَماتِهِ

لِعُتبَةَ خَطّاً لَم تُطَبَّق مَفاصِلُه

بِغَيرِ كِتابٍ واضِحٍ مِن مُهاجِرٍ

وَلا مُقعِدٍ مِنّي بِخَصمٍ أُجادِلُه

تَفادى شُهودُ الزورِ عِندَ اِبنِ وائِلٍ

وَلا تَنفَعُ الخَصمَ الأَلَدَّ مَجاهِلُه

يَكُبُّ اِبنُ عَبدِ اللَهِ فا كُلِّ ظالِمٍ

وَإِن كانَ أَلوى يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ذو الرمة، شعراء العصر الأموي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات