عدوك مذموم بكل لسان

ديوان أبو الطيب المتنبي

عَدُوُّكَ مَذمومٌ بِكُلِّ لِسانِ

وَلَو كانَ مِن أَعدائِكَ القَمَرانِ

وَلِلَّهِ سِرٌّ في عُلاكَ وَإِنَّما

كَلامُ العِدا ضَربٌ مِنَ الهَذَيانِ

أَتَلتَمِسُ الأَعداءُ بَعدَ الَّذي رَأَت

قِيامَ دَليلٍ أَو وُضوحَ بَيانِ

رَأَت كُلَّ مَن يَنوي لَكَ الغَدرَ يُبتَلى

بِغَدرِ حَياةٍ أَو بِغَدرِ زَمانِ

بِرَغمِ شَبيبٍ فارَقَ السَيفُ كَفَّهُ

وَكانا عَلى العِلّاتِ يَصطَحِبانِ

كَأَنَّ رِقابَ الناسِ قالَت لِسَيفِهِ

رَفيقُكَ قَيسِيٌّ وَأَنتَ يَمانِ

فَإِن يَكُ إِنساناً مَضى لِسَبيلِهِ

فَإِنَّ المَنايا غايَةُ الحَيَوانِ

وَما كانَ إِلّا النارَ في كُلِّ مَوضِعٍ

تُثيرُ غُباراً في مَكانِ دُخانِ

فَنالَ حَياةً يَشتَهيها عَدوُّهُ

وَمَوتاً يُشَهّي المَوتَ كُلَّ جَبانِ

نَفى وَقعَ أَطرافِ الرِماحِ بِرُمحِهِ

وَلَم يَخشَ وَقعَ النَجمِ وَالدَبَرانِ

وَلَم يَدرِ أَنَّ المَوتَ فَوقَ شَواتِهِ

مُعارُ جَناحٍ مُحسِنِ الطَيَرانِ

وَقَد قَتَلَ الأَقرانَ حَتّى قَتَلتَهُ

بِأَضعَفِ قِرنٍ في أَذَلِّ مَكانِ

أَتَتهُ المَنايا في طَريقٍ خَفِيَّةٍ

عَلى كُلِّ سَمعٍ حَولَهُ وَعِيانِ

وَلَو سَلَكَت طُرقَ السِلاحِ لَرَدَّها

بِطولِ يَمينٍ وَاِتِّساعِ جَنانِ

تَقَصَّدَهُ المِقدارُ بَينَ صِحابِهِ

عَلى ثِقَةٍ مِن دَهرِهِ وَأَمانِ

وَهَل يَنفَعُ الجَيشُ الكَثيرُ اِلتِفافُهُ

عَلى غَيرِ مَنصورٍ وَغَيرِ مُعانِ

وَدى ما جَنى قَبلَ المَبيتِ بِنَفسِهِ

وَلَم يَدِهِ بِالجامِلِ العَكَنانِ

أَتُمسِكُ ما أَولَيتَهُ يَدُ عاقِلٍ

وَتُمسِكُ في كُفرانِهِ بِعِنانِ

وَيَركَبُ ما أَركَبتَهُ مِن كَرامَةٍ

وَيَركَبُ لِلعِصيانِ ظَهرَ حِصانِ

ثَنى يَدَهُ الإِحسانُ حَتّى كَأَنَّها

وَقَد قُبِضَت كانَت بِغَيرِ بَنانِ

وَعِندَ مَنِ اليَومَ الوَفاءُ لِصاحِبٍ

شَبيبٌ وَأَوفى مَن تَرى أَخَوانِ

قَضى اللَهُ يا كافورُ أَنَّكَ أَوَّلٌ

وَلَيسَ بِقاضٍ أَن يُرى لَكَ ثانِ

فَما لَكَ تَختارُ القِسِيَّ وَإِنَّما

عَنِ السَعدِ يَرمي دونَكَ الثَقَلانِ

وَمالَكَ تُعنى بِالأَسِنَّةِ وَالقَنا

وَجَدُّكَ طَعّانٌ بِغَيرِ سِنانِ

وَلِم تَحمِلُ السَيفَ الطَويلَ نِجادُهُ

وَأَنتَ غَنِيٌّ عَنهُ بِالحَدَثانِ

أَرِد لي جَميلاً جُدتَ أَو لَم تَجُد بِهِ

فَإِنَّكَ ما أَحبَبتَ فيَّ أَتاني

لَوِ الفَلَكَ الدَوّارَ أَبغَضتَ سَعيَهُ

لَعَوَّقَهُ شَيءٌ عَنِ الدَوَرانِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان المتنبي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات