عجبت لها تمسي العقول لها نهبا

ديوان صفي الدين الحلي

عَجِبتُ لَها تُمسي العُقولُ لَها نَهبا

وَتَسبي النَدامى وَهيَ ما بَينَهُم تُسبى

وَأَعجَبُ مِن ذا أَنَّها كُلَّما طَغَت

عَلى العَقلِ زادَ الشارِبونَ لَها حُبّا

سُلافٌ تُميتُ العَقلَ في حالِ شُربِها

وَيَنعَشُ مِنها الروحَ وَالجِسمَ وَالقَلبا

مُعَتَّقَةٌ أَفنى الجَديدَ عَتيقُها

وَأَبى صَميماً مِن حُشاشَتِها لُبّا

مُحَجَّبَةٌ وَسطَ الدِنانِ وَنورُها

يُخَرِّقُ مِن لَألاءِ غُرَّتِها الحُجبا

كُمَيتٌ إِذا شاهَدتَها في إِنائِها

وَلَكِن لِصافي لَونِها دُعِيَت صَهبا

إِذا مَسَّها وَقعُ المِزاجِ تَأَلَّمَت

وَأَزبَدَ مِنها الثَغرُ وَاِمتَلَأَت رُعبا

وَأَعجَبُ مِن بِكرٍ لَها الماءُ والِدٌ

وَتَرجَعُ أَنّى رامَ تَقبيلَها غَضبى

عَجوزٌ إِذا ما أُبرِزَت مِن حِجابِها

تُريكَ نَشاطاً كَالغُلامِ إِذا شَبّا

هِيَ الشَمسُ إِلّا أَنَّها في شُروقِها

إِذا مُزِجَت في كَأسِها أَطلَعَت شُهبا

إِذا جُلِيَت في كَأسِها وَتَبَرَّجَت

وَزادَت نُفوسَ الوامِقينَ بِها عُجبا

يَعُضُّ عَلَيها التائِبونَ بِنانَهُم

وَيَندُبُ كُلٌّ مِنهُمُ عَقلَهُ نَدبا

إِذا ما حَسَوناها أَقَرّوا بِأَنَّهُم

قَدِ اِرتَكَبوا في تَركِها مَركَباً صَعبا

وَلَم أَرَ حِبراً تابَ عَن نَقعِ نَفسِهِ

فَلِلَّهِ ما أَعمى الجَهولَ وَما أَغبا

فَهُبّا بِنا نَحوَ الصَبوحِ وَبَردِهِ

فَإِنّي لَيُرضِني النَديمُ إِذا هَبّا

وَعوجا بِنا نَستَمطِرُ الدُنَّ غُدوَةً

إِذا عاجَتِ الأَغمارُ تَستَمطِرُ السُحبا

وَواصِلِ صَبوحي بِالغَبوقِ وَعُلَّني

بِها كُلَّ يَومٍ لا تَذَر شُربَها غِبّا

فَإِنَّ قَتيلَ الراحِ يوشِكُ بَعثُهُ

إِذا أَنتَ أَترَعتَ الكُؤوسَ لَهُ سَكبا

إِذا نَفَحَت مِن روحِها فيهِ نَفحَةً

تَمَثَّلَ حَيّاً بَعدَ أَن قَضى نَحبا

فَكَم لَيلَةٍ أَحيَيتُها بِمَسَرَّةٍ

وَقَضَّيتَ فيها العَيشَ أَنهَبُهُ نَهبا

وَبِتنا نُوَفّي الحاشِرِيَةَ حَقَّها

وَنُثبِتُ مِن بَعدِ الغَبوقِ لَها نَصبا

نُلَبّي مُنادي الإِصطِباحِ إِذا دَعا

وَنَدعو سَميعَ الإِغتِباقِ إِذا لَبّى

بِلَيلَةِ سَعدٍ نَصطَلي النَدَّ رَيَّها

وَنوقِدُ في آنائِها المَندَلَ الرَطبا

بِراحٍ لَها طَبعٌ لِعَكسِ حُروفِها

يُصَيِّرُ ضيقَ الصَدرِ مِن حَرِّهِ رَحبا

وَكادَت تَكونُ الروحَ لا الراحَ كَمَّلَت

قَوى طَبعِها لَو كانَ يا بِسُها رَطبا

شَمَمنا شَذاها في الكُؤوسِ فَأَسكَرَت

فَأَنّى لَها رُشدٌ إِذا اِستُعمِلَت شُربا

فَلَو لَمَعَت في اللَيلِ غُرَّةُ وَجهِها

لَشاهَدتَ دُهمَ اللَيلِ مِن نورِها شُهبا

وَلَو قَطَرَت مِنها عَلى الصَخرِ قَطرَةٌ

رَأَيتَ صَفاةَ الصَخرِ قَد أَنبَتَت عُشبا

فَما هِيَ إِلّا أَصلُ كُلِّ مَسَرَّةٍ

فَكَم رَوَّحَت هَمّاً وَكَم فَرَّجَت كَربا

إِذا ما رَحى الأَفراحِ دارَت فَلا يَرى

لَبيبٌ سِوى كَأسِ المُدامِ لَها قُطبا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات