عجبت عبيلة من فتى متبذل

ديوان عنترة بن شداد

عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ

عاري الأَشاجِعِ شاحِبٍ كَالمُنصُلِ

شَعثِ المَفارِقِ مُنهَجٍ سِربالُهُ

لَم يَدَّهِن حَولاً وَلَم يَتَرَجَّلِ

لا يَكتَسي إِلّا الحَديدَ إِذا اِكتَسى

وَكَذاكَ كُلُّ مُغاوِرٍ مُستَبسِلِ

قَد طالَما لَبِسَ الحَديدَ فَإِنَّم

صَدَأُ الحَديدِ بِجِلدِهِ لَم يُغسَلِ

فَتَضاحَكَت عَجَباً وَقالَت يا فَتى

لا خَيرَ فيكَ كَأَنَّها لَم تَحفِلِ

فَعَجِبتُ مِنها حينَ زَلَّت عَينُه

عَن ماجِدٍ طَلقِ اليَدَينِ شَمَردَلِ

لا تَصرِميني يا عُبَيلَ وَراجِعي

فِيَّ البَصيرَةَ نَظرَةَ المُتَأَمِّلِ

فَلَرُبَّ أَملَحَ مِنكِ دَلّاً فَاِعلَمي

وَأَقَرَّ في الدُنيا لِعَينِ المُجتَلي

وَصَلَت حِبالي بِالَّذي أَنا أَهلُهُ

مِن وُدِّها وَأَنا رَخِيَّ المِطوَلِ

يا عَبلَ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُه

بِالنَفسِ ما كادَت لَعَمرُكِ تَنجَلي

فيها لَوامِعُ لَو شَهِدتِ زُهائَه

لَسَلَوتِ بَعدَ تَخَضُّبٍ وَتَكَحُّلِ

إِمّا تَرَيني قَد نَحَلتُ وَمَن يَكُن

غَرَضاً لِأَطرافِ الأَسِنَّةِ يَنحَلِ

فَلَرُبَّ أَبلَجَ مِثلِ بَعلِكِ بادِنٍ

ضَخمٍ عَلى ظَهرِ الجَوادِ مُهَيَّلِ

غادَرتُهُ مُتَعَفِّراً أَوصالُهُ

وَالقَومُ بَينَ مُجَرَّحٍ وَمُجَدَّلِ

فيهُم أَخو ثِقَةٍ يُضارِبُ نازِل

بِالمَشرَفِيِّ وَفارِسٌ لَم يَنزِلِ

وَرِماحُنا تَكِفُ النَجيعَ صُدورُه

وَسُيوفُنا تَخلي الرِقابَ فَتَختَلي

وَالهامُ تَندُرُ بِالصَعيدِ كَأَنَّم

تُلقي السُيوفُ بِها رُؤوسَ الحَنظَلِ

وَلَقَد لَقيتُ المَوتَ يَومَ لَقيتُهُ

مُتَسَربِلاً وَالسَيفُ لَم يَتَسَربَلِ

فَرَأَيتُنا ما بَينَنا مِن حاجِزٍ

إِلّا المِجَنَّ وَنَصلُ أَبيَضَ مِفصَلِ

ذَكَرٍ أَشُقُّ بِهِ الجَماجِمَ في الوَغى

وَأَقولُ لا تُقطَع يَمينُ الصَيقَلِ

وَلَرُبَّ مُشعِلَةٍ وَزَعتُ رِعالَه

بِمُقَلَّصٍ نَهدِ المَراكِلِ هَيكَلِ

سَلِسِ المُعَذَّرِ لاحِقٍ أَقرابُهُ

مُتَقَلِّبٍ عَبَثاً بِفَأسِ المِسحَلِ

نَهدِ القَطاةِ كَأَنَّها مِن صَخرَةٍ

مَلساءَ يَغشاها المَسيلُ بِمَحفَلِ

وَكَأَنَّ هادِيَهُ إِذا اِستَقبَلتَهُ

جِذعٌ أُذِلَّ وَكانَ غَيرَ مُذَلَّلِ

وَكَأَنَّ مَخرَجَ رَوحِهِ في وَجهِهِ

سَرَبانِ كانا مَولِجَينِ لِجَيأَلِ

وَكَأَنَّ مَتنَيهِ إِذا جَرَّدتَهُ

وَنَزَعتَ عَنهُ الجُلَّ مَتنا إِيِّلِ

وَلَهُ حَوافِرُ موثَقٌ تَركيبُه

صُمُّ النُسورِ كَأَنَّها مِن جَندَلِ

وَلَهُ عَسيبٌ ذو سَبيبٍ سابِغٍ

مِثلِ الرِداءِ عَلى الغَنِيِّ المُفضِلِ

سَلِسُ العِنانِ إِلى القِتالِ فَعَينُهُ

قَبلاءُ شاخِصَةٌ كَعَينِ الأَحوَلِ

وَكَأَنَّ مِشيَتَهُ إِذا نَهنَهتُهُ

بِالنَكلِ مِشيَةُ شارِبٍ مُستَعجِلِ

فَعَلَيهِ أَقتَحِمُ الهِياجَ تَقَحُّم

فيها وَأَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عنترة بن شداد، شعراء العصر الجاهلي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات