طل دمع هريق في الأطلال

ديوان ابن الرومي

طُلَّ دمعٌ هُريق في الأطلالِ

بعد إقوائها من الحُلّالِ

قلَّ ما طُلَّتِ الدماءُ اللواتي

سفكَتْها سواكنُ الأطلالِ

أيُّ حقٍّ لها فيرعاه راعٍ

من نوالٍ لأهلِها ووصالِ

فانْصِرَافاً عن الوقوفِ عليها

إنها من مواقِفِ الضُّلّالِ

لن ترى الدهرَ موقفاً لرشيدٍ

يشتري النُّكس فيه بالإبلالِ

ليسَ تُجدي على المُسائلِ دارٌ

غيرَ هيجِ السقامِ بعد اندمالِ

وكفاه بما تسلّفَ منها

من قديمِ الخبالِ بعد الخبالِ

تهجُر الوحشُ كلَّ وادٍ عراهُ

مرةً ذو حِبالة أو نِبالِ

وعساها لم تُمْنَ فيه برمي

نالها صبرةً ولا باحتبالِ

وترى الناسَ يرأمون عِراصاً

يختبلن الصحيح أي اختبالِ

بعدما لُقُّوْا بها البرحَ المُب

رِحَ من حابل ومن نَبَّالِ

ولعمري لكانت الإنسُ أحجى

باجتنابِ الأمورِ ذات الوبالِ

بل يظل الأسيرُ منهم إذا فُكْ

كَ طويلَ الأسى على الأكبالِ

واقفاً في معاهدِ الأسر يبكي

من هوى آسراتِه غيرَ سالِ

يُتْبع النفسَ كلَّ بيضاءَ شالتْ

من دماءِ الرجال ذاتَ انتقالِ

مع أني وإن رُزِئْتُ عليهم

واحتَلبتُ الصّبا بغير اكتهالِ

غيرُ ناسٍ على تناسيَّ جهلي

عهدَ أسماء بالحِمى والمطالِ

من فتاةٍ تحلُّ كلَّ ربيعٍ

بمغانٍ من المها مِحْلالِ

حينَ يغدو بنو الظباء فيلقو

نَ خليطيْ جآذرٍ ورِئالِ

وكذاك الزمانُ يمحلُ بالإل

فَيْنِ محلاً يجني بعادَ زِيالِ

حبَّذا عهدُها الذي عاد شوقاً

وحنيناً إلى العهودِ الخوالي

والزمانُ الذي لبسنا به العي

شَ جديداً كأنه بُردُ حالِ

والمحلّ الذي تبدّلَ عِيناً

بعد عِينٍ من الأنيسِ الخوالي

إنْ نُبادلْ بسكنه فعلى ضنْ

نٍ بتلك الأعلاقِ عند البِدالِ

ليتَ شعري هل ذلك العهد مرجو

عٌ بعطفٍ من النَوى وانفتال

إذ غصونُ اللجيْنِ لا البانِ منه

فوق كثبان لؤلؤ لا رِقالِ

ليس غيرُ العيونِ فيهنَّ من نَوْ

رٍ وغير الثُّديِّ من أحمالِ

بينها غادةٌ تُشارك فيها

بهجةَ الشمسِ صورةُ التمثالِ

من ذواتِ الحظوظ في البُدنِ إلا

طيَّ بينِ الصدور والأكفالِ

تقسِم الحَلي بين قُبّ خماصٍ

تحت أثنائه وجسمٍ خِدالِ

يتشاكى وشاحها وأخوه

ضدَّ شكوى السّوار والخلخالِ

جاع شاكٍ وكُظَّ شاكٍ وما ذا

كَ لخبث الغذاء والإرقالِ

بل كلا الشاكيين نُزّل منها

نُزُلاً طيباً من الأنزالِ

شدّ من متنِها هوى بعضها بع

ضاً وقد همّ خصرُها بانخزالِ

كاد لولاه ان يلين قضيبٌ

من كثيب على شفير انهيالِ

بل حمىَ جسمَها وقد أسلمتهُ

رقةٌ سابريةٌ لانحلالِ

مستعارٌ رنُوّها مِنْ مَهاةٍ

مستعارٌ عُطوُّها من غزالِ

بل هي المستعارُ ذلك منها

للمها والظباء غيرَ انتحالِ

ظبيةٌ إن عطتْ جنتْ ثمراتٍ

من قلوبٍ ولم تنُشْ غصنَ ضالِ

ذاتُ جيدٍ عُطوله أحسن الحل

ي عليه وليس بالمعطالِ

روضةُ الليلِ عاطرُ النَّشر فيه

حين تعتلُّ نكهةُ المِتفالِ

أيّما منظرٍ تزودْتُ منه

يومَ رُدّت جِمالُها لاحتمالِ

ذاك يومٌ رأيتها فيه مِلْءَ ال

عين من بهجةٍ وحُسْنِ دلالِ

لبست حلةَ الشبابِ وظلتْ

تتهادى في غصنهِ الميّالِ

صبغةٌ أرجوانيةٌ في صفاءٍ

وقوامٌ مهفهفٌ في اعتدالِ

وزهاها سوادُ فرعٍ بهيمٌ

فهْي سكرى لذاك سُكْر اختيالِ

لتزِدْ في اختيالها ولعمري

إنها في مزِيّة المختالِ

أقبلَتْ في القبولِ تمشي الهوينا

وهي حُسناً كالحظ في الإقبالِ

قد تجلّت على محاسنَ ليستْ

عند فقد الحُليِّ والإعطالِ

ظاهرتْ شِكَّةً عليها بأخرى

لامرئٍ غير مُؤْذنٍ بقتالِ

ويحَ أعدائها أذلك منها

فرطُ حشدٍ لحاسرٍ مِعزالِ

لا تُظاهر سلاحَها لمُحبٍّ

فكفاهُ بسهمِها القتَّالِ

أيها العائبي بخفّةِ لحمي

بَجلي منه كُسوةُ الأوصالِ

وهنيئاً لك الفضولُ من اللح

مِ ففاخِر بها ذواتِ الحجالِ

قلَّ ما توجدُ الفضائل إلا

في خِفاف الرجال دونَ الثقالِ

يُنظم الدرُّ في السلوك وتأبى

عزةُ الدرّ نظمهُ في الحبالِ

كم غليظٍ من الرجال ثقيلٍ

ناقصُ الوزن شائل المثقالِ

من أُناسٍ أوتوا حلومَ العصافي

ر فلم تُغنهم جسومُ البغالِ

وقضيفٍ من الرجال خفيفٍ

راجِحُ الوزن عند وزن الرجالِ

من أناسٍ ذوي جسوم شِخاتٍ

قد أُمرَّتْ على نفوسٍ نبالِ

حظُّهم وافرٌ من الروحِ روحِ ال

لَهِ لا وافرٌ من الصلصالِ

لم يخالطهُمُ من الحمأ المس

نونِ إلا طيفٌ كطيف الخيالِ

من كهولٍ جحاجحٍ تُعرف الحن

كةُ فيهم وفتيةٍ أزوالِ

خُلقوا للخطوبِ يمضون فيها

فهمُ مرهفونَ مثلَ النصالِ

يتلظَّوْن حدةً وذكاءً

كتلظّي ثوائر الأصلالِ

يستشفّونَ رقّةً وصفاءً

عن رقيقٍ من الطّباع زُلالِ

مثل ما تستشف آنيةُ البلْ

لورِ عن ماء مُزنةٍ سلسالِ

بين تلك الثيابِ أرواحُ نورٍ

علقت منهمُ بأشبال آلِ

جُثثٌ لُطّفتْ على قدرِ الأر

واح إن الآلات كالعمالِ

لم تكن آلةٌ ليخلقها الخا

لقُ إلا شبيهةَ المؤتالِ

هم مفاتيحُ كلِّ قفلٍ عسيرٍ

وأطباءُ كلّ داءٍ عُضالِ

هم مصابيحُ كلّ ليلٍ بهيمٍ

وأدلاءُ كلّ أمر ضلالِ

فَلْيَعِبْ عائبٌ سواهم وإلا

فليلاطِم أسنّةً في عوالِ

ما يعيبُ العماةُ لولا عماهم

من مصابيحَ أُذكيتْ في ذُبالِ

لو رأى اللَّه أن في البُدنِ فضلاً

ما زَوى الفضلَ عن عليِّ المعالي

ما زوى اللَّه عن علي بن يحيى

وزواه عني فلست أبالي

من فتىً أسْمنَ المكارمَ حتى

هزَّلتْه وحبذا من هُزالِ

لم يُثقَّل ولم يشذَّبْ وإن كا

نتْ له هيبةُ الطوال البِجالِ

طالَهُ بالعظام قومٌ فأضحى

بمساعيهِ وهْوَ فوق الطّوالِ

فليطلهم بالصالحاتِ البواقي

وليطولوهُ بالعظامِ البوالي

ماجدٌ سائرُ النَدى في فَيافٍ

مقفراتٍ من أهله أفلالِ

سالكاً فجَّهُ بغيرِ صحابٍ

وهو ما شئتَ من مَهيبٍ مُهالِ

يا لقومٍ لأُنسه وهداهُ

بين تلك المهامِه الأغفالِ

آنَسَتْهُ من مجدهِ مؤنساتٌ

أوحشتهُ بقلةِ الأشكالِ

وهداهُ من وجههِ ضوءُ بدرٍ

نورُه الدهرَ غيرَ ذي اضمحلالِ

من رجالٍ توقَّلوا في المعالي

بالمساعي توقُّلَ الأوعالِ

بل ترقَّى إلى العلا طالبوها

وتدلَّى إلى العلا من معالِ

منحتْه فضولُهُ كلَّ فضلٍ

حلَّ بين النبيلِ والتنبالِ

بل أبى بذله الفضولَ تعدٍّ

من ظلومٍ كرائمَ الأموالِ

يفضل المفضلون إلا ابن يحيى

فهو عالٍ عن خطةِ الإفضالِ

غيرُ راضٍ لسائليه بقصدٍ

عند إثرائهِ ولا إقلالِ

فإذا ماله تعذّر وصّى

جاهَه بعدَه على السُّؤَّالِ

فتراه لهم رِشاءً وطوراً

جُمَّةً يستقونها بالعقالِ

كلُّ منْ يبنِ لا يبن من النا

سِ عيالٌ عليه أو كالعيالِ

ما يقاسي العفاةُ من عضّ دهرٍ

ما يقاسى فيهم من العذَّالِ

بل هو المرءُ يحجمُ العذلُ عنه

لا لخوفِ الخنا بل الإجلالِ

يتبارى إليه وفدانِ شتَّى

وفد شكرٍ يحثُّ وفدَ سؤالِ

بل عطاياه لا تزال تُباري

وافداتٍ إلى ذوي الآمالِ

موغلاتٌ في كل فجّ من الأر

ضِ تفوتُ الرياحَ في الإيقالِ

بالغاتٍ إلى المقصّر عنها

نائلاتٍ بعيدَ كلّ منالِ

يرقدُ الطالبون وهي إليهم

أرِقاتُ الوجيفِ والإرقالِ

رحلتْ نحو مَنْ تثاقل عنها

وكفتْه مؤونةَ الترحالِ

لا تزُل عنه نعمةٌ لو أُزيلتْ

لم تجد عنه وِجهةً للزوالِ

فلئنْ كان للرعية غيثاً

أصبحت في حياه كالأهمالِ

إنه لَلجموح يجمحُ في الغَيْ

ي لنِكْل من أعظم الأنكالِ

في يدِ الله والخليفةِ منه

سيفُ كيدٍ على ذوي الإخلالِ

هو أجلى عن الخليفةِ لمَّا

سلَّت السيفَ فتنةُ الجُهَّالِ

ردَّ بالأمس عرقها في ثراها

نابتاً بعد أيّما استئصالِ

أسندتْ ركنَها إليه فأرسى

ولقد كان زالَ كُلَّ مزالِ

آلهاً أولها وحُقّ لأمرٍ

آلهُ أن يؤولَ خيرَ مآلِ

لم يكنْ للصّفاحِ لولا عليٌّ

شوكةٌ في العدى ولا للإلالِ

كيدُه كاد حدَّ كلّ سنانٍ

وشبا كلّ مُرهفٍ فصّال

كان مثلَ الرحا هناك وكانتْ

عُددُ الحربِ كلها كالثفالِ

أيها السائلي بجمعِ ابن ليث

لجَّ ذاك النعامُ في الإجفالِ

قفلوا خاسرينَ بل أقفلَ القوْ

مُ وهم كارهون للإقفالِ

بل عَدَتْ جُلَّهم عوادي المنايا

عن نوى المقفلين والقُفّالِ

فجلتهم مثقّفاتٌ ظِماءٌ

تتقيها النُّحورُ بالإرغالِ

ظلَّ مُرّانُهنَّ أشطانَ مَوْتٍ

لدِلاهنَّ في الصُّدورِ تَدالِ

وفلتْهُم مُهنَّداتٌ حِدادٌ

تُحْسن الفَلْي عن سواءِ المفالي

فثوى هامُهم بمثوى هوانٍ

ليس فيه سوى الرياحِ فوالي

قد أُذيلت لهم لحىً كالجوالي

قِ تليها عنافِقٌ كالمخالي

ونجا فَلُّهم على فَلِّ خَيْلٍ

كُنّ أقبلن كالقطا الأرسالِ

بعدما قدّروا لهن مُروجاً

من سيوحٍ مَريعة ودوالي

بين بغداد والحديثة يخصمْ

نَ بها الريفَ آمنات الرعالِ

أمَّل القومُ ثوبةَ البُدنِ فيهنْ

نَ فأعجلن ثوبةَ الأبوالِ

صادفوا دونَ ذاك شوكَ القنا اللد

نِ وودُّوا لو كان شوكَ السيالِ

أسرعتْ فيهم مكائدُ كانت

قبلُ دبَّت لهم دبيبَ النّمالِ

بثّ منها الحكيمُ فيهم سهاماً

وقعتْ في مواضعِ الآجالِ

يا ابن يحيى حلفْتُ لو غِبْتَ عنها

أعضلَ الداءُ أيّما إعضالِ

بهُدَاك اهتدتْ حيارى المنايا

يومَ ضلَّت مقاتلَ الأقيالِ

ظاهرَ الأولياءُ منك ظهيراً

ناصحَ الجيب غيرَ ذي إدغالِ

يوم جاء الصَّفَّارُ تكنُفُهُ الكُفْ

فارُ حُمر العيون صُهب السبالِ

بخميسٍ له لجيبُ صهيلٍ

راغَ في عُرضهُ رُغاء الجمالِ

فيه مستلئمون كالجِلة الجُر

بِ طلاهُنَّ بالعبيبةِ طالِ

غير أن احتكاكهن من العُرْ

رِ بحد اللقاء لا الأجذالِ

أقبلوا مُقبلاً تمخَّضَ منه

حاملاً كالنساء بالأحمالِ

فوق شقرٍ من الحرائر جردٍ

لاحقاتِ البطونِ بالآطالِ

مُسْرجاتٍ مجللاتٍ تجافي

فَ حديدٍ مواضعَ الأجلالِ

ملبساتٍ من التهاويلِ زيّاً

يستفزّ القلوبَ قبل التّبال

راعت الناسَ يومَ ذلك حتَّى

قال قومٌ أخَيْلُهُم أم سَعالي

وأبى قلبُك المشيّعُ إلا

جرأةَ الليثِ مثلك الرئبالِ

فتفاءلتُ إذ بدتْ في شعورٍ

كشعورِ المعيز أصدقَ فالِ

قلتُ شاءٌ مجنَّباتٌ لأُسدٍ

عُوّدتْ جرَّها إلى الأشبالِ

والموالي بمسمع من وليّ

جاهَدَ النصر ليس بالخذّالِ

واستثاروا عجاجة الكرّ قِدماً

مُشْرعي كلّ ذابلٍ عسّالِ

من رماح إذا عَسَلْنَ تضَمَّنْ

نَ قِرا كلّ عاسل بسَّالِ

قد مشتْ فيهمُ حُميّا حفاظٍ

كحُميّا سُلافةِ الجِريالِ

بعدما سُهّلتْ لهم سُبلُ الكر

رِ بتدبيرٍ ناقضٍ فتَّالِ

راضَ بالرأي مصعبَ الخطبِ حتّى

عاد مثل الطَّليح في التَّذلالِ

وجرتْ عند كرِّهم ريح نصرٍ

تحتَ عُثنونِ ذلك القسطالِ

بابتهالِ امرئٍ تقيٍّ ذكيٍّ

ليلُه قبلَ ذاك ليلُ ابتهالِ

فإذا الكلبُ عن حِماهم طريدٌ

قد كفاه الطرادُ دونَ النزالِ

صدَّ عنهم وكان صبَّاً إليهم

حين لاقاهمُ صدودَ مُقالي

وتلته على الوحَى واثقاتٍ

من صبيبِ الدماءِ بالأنعالِ

غيرَ مُرتاعةٍ لفوزِ نجيعٍ

من صريعٍ ولا لصوتِ انجدالِ

فوقها طالبون كانوا قديماً

يطلبون الإدبارَ بالإقبالِ

يتقاضوْن في الغُلول نضالاً

من ديونِ السلاح بعد نضالِ

لهمُ في الظهور سبحٌ طويلٌ

بعد طعنِ الكُلى وضربِ القلالِ

لم يخيموا عَنِ النزال ولكن

نزل النصرُ قبلَ دعوى نَزالِ

شمَّروا في الوغى وذُلِّل يعقو

بُ وألوى التشميرُ بالزلزالِ

والموالي مشمِّرون وكم ذي

لٍ حباهُ التشميرُ بالأسبالِ

ذلّل الخيل حين شمَّرتْ للحر

بِ فما زادها سوى الأثقالِ

ولعمرُ القنا الذي استدبرتْه

لو تمتّعْن منه باستقبالِ

ضلَّ يعقوبُ إذ يُعِدُّ التهاوي

لَ لمن لا يُهالُ بالأهوالِ

لزَمتهُ زِجاجَها لعيونٍ

ليس فيها كوالئٌ بل كوالي

لا رأتْ يَومَك الفظيعَ الموالي

فالموالي لما صنعت مَوالي

كدتَ أعداءَهم بكيدٍ عظيم

دبَّ للقومِ في شخاصٍ ضِئالِ

فاجتَلى هامَهم بسيفِ دهاءٍ

لم يزل قاطعاً بغير استلالِ

وبك استيقظوا وقد زاول الغا

درُ قبلَ القتالِ بابَ الختالِ

قلتُ إذ سطَّر الأساطيرَ مهلاً

رُمْتَ من لا يزُلُّ لاسترسالِ

أرسلوا نحوه السهامَ جواباً

لرسالاتِه وللإرسالِ

عظُمت غفلةُ امرئ مُبتداه

رام من في ذَراكَ باستغفالِ

جادلتْ تُرّهاتهم فاستنزلت

ها إلى النار أيما إزلالِ

حكمةٌ منك ربما جُعل السي

فُ لساناً لها غداة الجدالِ

بعدما قلتَ لاسمِ كيدك زرهم

مجلباً في عساكر الأرجالِ

فمضى بادئاً ومعناه خافٍ

غيرَ رُعبٍ يصولُ كلَّ مَصالِ

ظلّ لما أطلّ تنفلُّ عنه

عزماتُ الطغاةِ كل انفلالِ

وقديماً ذُكرتَ فاشتمل المَجْ

رُ على الرعبِ منك كل اشتمالِ

وغدا ربّه يرى كلَّ شيءٍ

كائداً شديدَ المحالِ

وجِلاً قلبُهُ بلا أخذِ حِذرٍ

غير ما في حشاه من قلقالِ

لو تدلّى إليه حبلٌ من اللَّ

هِ رآه حبلاً من الأحبالِ

واسم كيد المجرَّب الكيدِ كيْدٌ

ظَاهِرٌ قبل باطنٍ ختَّالِ

ليس ينفكُّ صائلاً في صدورٍ

صولةً بالقلوبِ قبل الصّيالِ

ما عجبنا من انفلال ابن ليثٍ

عن حسامٍ لمثله فلّالِ

حُوَّلٌ يغرقُ المداهون منه

في غمار يَرونها كالضحالِ

بل لإقدامه مع الرُّعب لكن

ساقهُ الحينُ راكبَ استبسالِ

مستطارَ الفؤاد مُشْعَرَ خوفٍ

لا طمأنينةٍ ولا استرسالِ

ثكِلت أمُّ منْ تعادي وما كن

تَ تعادي إلا بني مِثكالِ

لك إطراقةٌ إذا ناب خطبٌ

هي أدهى من سَوْرة الأبطالِ

يستثيرُ المكائدَ الصُّمعَ منها

أيُّ صِلٍّ هناك في العِرزالِ

وقمَ اللَّه بابن يحيى عن الأمْ

مَة شرّاً قد همَّ باستفحالِ

فتنةٌ كان أهلُها قد تعدَّوا

قدْحَ نيرانها إلى الإشعالِ

أطفأتْها دماؤهم بل سيوفٌ

أبهلتْهنَّ أيما إبهالِ

وامرؤٌ مصلحٌ إذا عاينَ القوْ

م أرادوا الأديمَ بالإنغالِ

جَرّدَ الرأي والعزيمةَ والجِدْ

دَ وولَّى الوكالَ أهلَ الوكالِ

ومضى كالقضاءِ يأذنُ في سَفْ

كِ دماءِ العِدا لأسْدٍ بسالِ

وكذاك القضاءُ يأذنُ في القت

لِ وفيه عن القتالِ تعالي

قائلُ المدحِ في عليِّ بن يحيى

غيرُ مستكرهٍ ولا محتالِ

بل إذا قاله أتَتْهُ المعاني

والقوافي تنثال أيَّ انثيالِ

لا تطالبهُ بالثوابِ فما ردْ

دُ ثوابٍ من مثلهِ بحلالِ

لن يحلَّ الثوابُ إلا إذا ما

كان في المدحِ موضعٌ لاعتمالِ

فاطوِ كشحاً عن الثوابِ لديه

والتمسْ نيل ماجدٍ منه نالِ

بذلَ المالَ للرعيّة والنف

سَ لراعيه ديدَنَيْ بَذّالِ

للندى والردى مواطنُ كُرهٍ

لا يُصاليه حرَّهنَّ مُصالِ

ملك أوْرثَتْه ساسانُ واليو

نانُ من والدٍ وعمّ وخالِ

بيتَ نارٍ وبيتَ نورٍ من الحك

مة طالا شواهقَ الأجبالِ

لستُ أنفكُّ قائماً يا ابن يحيى

فيك بالمدح غيرَ ذي إخلالِ

وإلى اللَّه بعد هذا تشكّي

حاجتي منك خلَّةَ الإغفالِ

أصبحتْ حاجتي إليك تُرجَّى

في عقال أمرَّ من عقالِ

وأُراني إليك دون أناسٍ

لا تُداني بحورُهم أوشالي

ولهذا ومثلهِ غير شكٍّ

كان بينَ القوابل استهلالي

ما بكاءُ الوليدِ إلا لأمرٍ

حُقَّ من مِثله مشيبُ القذالِ

أتُراه بكى من الرَّوح والرُّح

ب على غمةٍ وضيقِ مجالِ

لا ولكنْ جلَّى هناك عليه

ما سيلقى من العجائب جالي

أبصرتْ نفسُه الذي هو لاقٍ

فرأت منه منظرَ الأهوالِ

من خطوبٍ تغشى به كلَّ حدٍّ

وصروفٍ ترمي به كل جالِ

فبكى مُعولاً لذلك ومحقو

قٌ بطول البكاءِ والإعوالِ

أو ليست أعجوبةٌ أن أراني

وحكيمٌ يَعُدُّني في الرّذالِ

أصبحَ الشعرُ باليمين لديهِ

غيرَ شعري فإنه بالشمالِ

ليت شعري علامَ تحرمُ مثلي

يا ثمالي وليس حينَ ثمالِ

رُزِق الشعرُ منكَ والقائلُوه

كلَّ حظّ فما لشعري ومالي

والقوافي يشهدْنَ لي صادقاتٍ

باضطلاعي بهن واستقلالي

وبأن الذي كسوتُك منهنْ

نَ طِرازٌ ما كان بالهلهالِ

غيرَ أني قعدتُ عنكَ بوجهٍ

لم تُوقِّحه عادةُ التسآلِ

مُشفِقٌ أن ترى وأنت كريمٌ

ضرَعَ المستنيل للمستنالِ

واثقاً منك بالعطايا التي تس

عى إلى القاعدين غيرَ أوالِ

ناظراً أن تَردَّ نِقياً براهُ

عضُّ دهرٍ مصمّمٍ صوّالِ

والذي يوجب اختلافٌ وحرصٌ

فقعودي أولى به واتكالي

وعدانِي عن التظلُّم منه

ما دهاني به من الأوجالِ

حالتي رثَّةٌ فساقطْ حميداً

بجديدِ الرّياش عني نُسالي

دَعَة الواثقين أوجبُ حقاً

من هُويِّ الحُراص فوقَ الرمالِ

فأزِرْني لُها يديك فما زِل

نَ نِشاطاً للهمةِ المِكسالِ

للبداءات يا ابنَ يحيى عُوادا

تٌ فعاوِد وللهوادِي توالي

أتبعِ الكفَّ ساعداً قلّما مث

لُكَ أسدى يداً بلا استكمالِ

قد لعمري أنْهلتَني لو أتمتْ

نعمةَ العلّ نعمةُ الإنهالِ

ليس من جدتَهُ بوسْميِّ عُرفٍ

غانياً عن وليِّك المتوالي

لا يقولنّ قائلٌ فلتةٌ من

هُ تلاها من الندامةِ تالِ

والعطايا ما لم تُكرَّر مِراراً

بين قيلٍ من الأعادي وقالِ

وإذا ما أصاب رامٍ بفذٍّ

عُدَّ من خطيآتِه في النضالِ

لن يُسمَّى مسدّداً أو يوالي

من يديه الصّيابَ كلَّ توالي

أخضل الشكرُ بالندى فتضوّع

ريحَ ريحانِه على الإخضالِ

قد أمَحَّ الذي كسوتَ منَ النع

مَى فأصبحتُ منه في أسمالِ

فأعِدْه لا زلتَ لابسَ نُعمى

سابغاتٍ جديدةَ السربالِ

أنا من قال مُطنباً فيك قولاً

باقيَ الذكرِ سائرَ الأمثالِ

فاحمِ أنفاً من المجازاة عن با

قٍ بفانٍ وعن جديدٍ ببالِ

فلنُعمى يديك أولى بأن تَنْ

مَى على الدهر من رواسي الجبالِ

وتعلَّم أنّي وإن أنا أُذلِل

تُ بما قلتُ فيك من أقوالِ

عارفُ النفسِ أنني لم أجاوزْ

فيك قولَ العِدا بجهِد احتفالِ

مثل لا يجاوزون الذي قل

تُ إلى غيره بوجهِ احتيالِ

ليس يسطيعُ أن يقول المعادي

فيك إلا الذي يقول المُوالي

وتطوّلْ بركبةٍ أرتجيها

منك تُدعى فتّاحةَ الأقفالِ

تتشكّى سبيلها خيلُ صدقٍ

لا تشكَّى سآمةَ الأعمالِ

لم أجشّمك أن تكون شفيعاً

ليَ إلّا إلى فتىً مفضالِ

أبلجُ الوجهِ كالهلالِ بل البد

رِ بل الشمسِ بل فقيد المثالِ

لا يُضاهيهِ في المحاسن إلا

ما يُسدّيه كفُّه من فعالِ

محسنٌ مجملٌ وليس ببِدْع

ذاكَ من مثله ولا بمحالِ

ذانِكِ الحسنُ والجمال حقيقا

ن بكُنه الإحسان والإجمالِ

أحسنَ اللَّهُ خَلْقه فبداه

في انتساخٍ من حسنِه وامتثالِ

يستملّان فعله من كتابٍ

خُطّ في وجههِ بلا استملالِ

أريحيٌّ معطي العطية في العُط

لةِ أضعافَ أختها وهْو والي

والجوادُ الطباعِ من لا تراه

حائلاً جودُه مع الأحوالِ

ليس ممن إذا ألَحَّ شفيعٌ

أخلق الجاه عنده بابتذالِ

وإذا صوَّحتْ نتائجُ وعدٍ

قد ترامتْ به شهورُ المِطالِ

كشف الوعدَ من نتائج صدقٍ

مُعجلاتٍ لم تَضْوَ في الإعجالِ

وعجيبٌ من الحوافلِ أن تج

مع بين التعجيلِ والإجزالِ

أقسمَ المجدُ أنه لا يجلِّي

وعده عن ضوىً ولا عن حِيالِ

وعسى حاسدٌ يقول فهلّا

نزلتْ درَّةٌ بلا استنزالِ

كيف لا يسبق الشفيعَ نداه

بعطايا تنهلُّ كلَّ انهلالِ

ولعمري ما ذاك إلا لفضلٍ

عميتْ عنه أعينُ الجُهّالِ

لأبي الصقر إخوةٌ هم لديه

بمحلٍّ من الأخوَّةِ عالِ

ليس مستأثراً عليهم يدَ الده

رِ بعِلقٍ من المحامِد غالِ

فهو يستجلب الشفاعَة منهم

لا لنقصٍ في جُودِهِ بل كمالِ

يتوخّى من ذاك أن يشركوه

من حُلى المجدِ في الذي هو حالِ

ويفوزوا بالحمدِ من حيث لا يصْ

لون غُرماً يصْلاه للحمد صالِ

هكذا يفعلُ الجوادُ إذا كا

ن جواداً بالمنفِسات الغوالي

وحقيقٌ من كان شرواه في الفض

لِ بتنفيل أفضلِ الأنفالِ

مِثله عرّض الأخلاء للحم

دِ جزاء لهم بحق الخلالِ

فمتى نوَّل امرؤٌ بشفيعٍ

فلحمدٍ إلى الشفيعِ مُمالي

ذاك ظنّي به وليس بظنٍّ

بل يقينٌ ذو غُرَّةٍ كالهلالِ

فليطلْ رغمَ حاسديه على الفض

لِ طُوالاً يجوز حدّ الطّوالِ

إنما يشفعُ الكِرامُ من النا

س إلى كلّ ماجدٍ فعّالِ

لن يعيب السحابَ أن يتولّى

منه أيدي الرياحِ حلّ العزالي

فالْقَ في حاجتي أخاك أبا الصق

رِ تجدْه مشمّر الأذيالِ

واهتبلْ عُطلةَ الكريمِ ففيها

يستَقي من ج

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الرومي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات