ضمان على عينيك أني لا أسلو

ديوان البحتري

ضَمانٌ عَلى عَينَيكِ أَنِّيَ لا أَسلو

وَأَنَّ فُؤادي مِن جَوىً بِكِ لا يَخلو

وَلَو شِئتِ يَومَ الجِزعِ بَلَّ غَليلَهُ

مُحِبٌّ بِوَصلٍ مِنكِ إِن أَمكَنَ الوَصلُ

أَلا إِنَّ وِرداً لَو يُذادُ بِهِ الصَدى

وَإِنَّ شِفاءً لَو يُصابُ بِهِ الخَبلُ

وَما النائِلُ المَطلوبُ مِنكِ بِمُعوِزٍ

لَدَيكِ بَلِ الإِسعافُ يُعوِزُ وَالبَذلُ

أَطاعَ لَها دَلٌّ غَريرٌ وَواضِحٌ

شَتيتٌ وَقَدٌّ مُرهَفٌ وَشَواً خَدلُ

وَأَلحاظُ عَينٍ ما عَلِقنَ بِفارِغٍ

فَخَلَّينَهُ حَتّى يَكونَ لَهُ شُغلُ

وَعِندِيَ أَحشاءٌ تُشاقُ صَبابَةً

إِلَيها وَقَلبٌ مِن هَوى غَيرِها غُفلُ

وَما باعَدَ النَأيُ المَسافَةَ بَينَنا

فَيُفرِطَ شَوقٌ في الجَوانِحِ أَو يَغلو

عَلى أَنَّ هِجرانَ الحَبيبِ هُوَ النَوى

أَشَتَّت وَعِرفانَ المَشيبِ هُوَ العَذلُ

عَدِمتُ الغَواني كَيفَ يُعطَينَ لِلصِبا

مَحاسِنَ أَسماءٍ يُخالِفُها الفِعلُ

فَنُعمٌ وَلَم تُنعِم بِنَيلٍ نَعُدُّهُ

وَجُملٌ وَلَم تُجمِل بِعارِفَةٍ جُملُ

عَقَلتُ فَوَدَّعتُ التَصابي وَإِنَّما

تَصَرُّمُ لَهوِ المَرءِ أَن يَكمُلَ العَقلُ

أَرى الحِلمَ بُؤسى في المَعيشَةِ لِلفَتى

وَلا عَيشَ إِلّا ما حَباكَ بِهِ الجَهلُ

بَني تَغلِبٍ أَعزَز عَلَيَّ بِأَن أَرى

دِيارَكُمُ أَمسَت وَلَيسَ لَها أَهلُ

خَلَت بَلَدٌ مِن ساكِنيها وَأَوحَشَت

مَرابِعُ مِن سِنجارَ يَهمي بِها الوَبلُ

وَأَزعَجَ أَهلَ المَحلَبِيّاتِ ناجِزٌ

مِنَ الحَربِ ما فيهِ خِداعٌ وَلا هَزلُ

وَأَقوَت مِنَ القَمقامِ أَعراصُ مارِدٍ

فَما ضُمِنَت تِلكَ الأَعِقَّةُ وَالرَملُ

أَفي كُلِّ يَومِ فِرقَةٌ مِن جَميعِكُم

تَبيدُ وَدارٌ مِن مَجامِعِكُم تَخلو

مَصارِعُ بَغيٍ تابَعَ الظُلمُ بَينَها

بِساعَةِ عِزٍّ كانَ آخِرَهُ الذُلُّ

إِذا ما اِلتَقَوا يَومَ الهِياجِ تَحاجَزَوا

وَلِلمَوتِ فيما بَينَهُم قِسمَةٌ عَدلُ

غَدَوا عُصبَتَي وِردٍ سِجالُهُما الرَدى

فَفي هَذِهِ سَجلٌ وَفي هَذِهِ سَجلُ

إِذا كانَ قَرضٌ مِن دَمِ عِندَ مَعشَرٍ

فَلا خَلَفٌ في أَن يُؤَدّى وَلا مَطلُ

كَفِيٌّ مِنَ الأَحياءِ لاقى كَفِيَّهُ

وَمِثلٌ مِنَ الأَقوامِ زاحِفَهُ مِثلُ

إِذا ما أَخٌ جَرَّ الرِماحَ انبَرى لَهُ

أَخٌ لا بَليدٌ في الطِعانِ وَلا وَغلُ

تَحُثُّهُمُ البيضُ الرِقاقُ وَضُمَّرٌ

عِتاقٌ وَأَحسابٌ بِها يُدرَكُ التَبلُ

وَما المَوتُ إِلّا أَن تُشاهِدَ ساعَةً

فَوارِسَهُم في مَأزِقٍ وَهُمُ رَجلُ

بِطَعنٍ يَكُبُّ الدارِعينَ دِراكُهُ

وَضَربٍ كَما تَرغو المُخَزَّمَةُ البُزلُ

يُهالُ الغُلامُ الغَمرُ حَتّى يَرُدَّهُ

عَلى الهَولِ مِن مَكروهِها الأَشيَبُ الكَهلُ

تَجافى أَميرَ المُؤمِنينَ عَنِ الَّتي

أَتَيتُم وَلِلجانينَ في مِثلِها الثُكلُ

وَعادَ عَلَيكُم مُنعِماً بِفَواضِلٍ

أَتَت وَأَميرُ المُؤمِنينَ لَها أَهلُ

وَكانَت يَدُ الفَتحِ بنِ خاقانَ عِندَكُم

يَدَ الغَيثِ عِندَ الأَرضِ حَرَّقَها المَحلُ

وَلَولاهُ طُلَّت بِالعُقوقِ دِماأُكُم

فَلا قَوَدٌ يُعطى الأَذَلُّ وَلا عَقلُ

تَلافَيتَ يا فَتحَ الأَراقِمَ بَعدَما

سَقاهُم بِأَوحى سُمِّهِ الأَرقَمُ الصِلُّ

وَهَبتَ لَهُم بِالسِلمِ باقي نُفوسِهِمُ

وَقَد شارَفوا أَن يَستَتِمَّهُمُ القَتلُ

أَتَوكَ وُفودَ الشُكرِ يُثنونَ بِالَّذي

تَقَدَّمَ مِن نُعماكَ عِندَهُمُ قَبلُ

فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَكثَرَ سُؤدُداً

مِنَ اليَومِ ضَمَّتهُم إِلى بابِكَ السُبلُ

تَراءَوكَ مِن أَقصى السَماطِ فَقَصَّروا

خُطاهُم وَقَد جازوا السَتورَ وَهُم عُجلُ

فَلَمّا قَضَوا صَدرَ السِماطِ تَهافَتوا

عَلى يَدِ بَسّامٍ سَجِيَّتُهُ البَذلُ

إِذا شَرَعوا في خُطبَةٍ قَطَعَتهُمُ

جَلالَةُ طَلقِ الوَجهِ جانِبُهُ سَهلُ

إِذا نَكَسوا أَبصارَهُم مِن مَهابَةٍ

وَمالوا بِلَحظٍ خِلتَ أَنَّهُمُ قُبلُ

نَصَبتَ لَهُم طَرفاً حَديداً وَمَنطِقاً

سَديداً وَرَأياً مِثلَ ما اِنتُضِيَ النَصلُ

وَسَلَّ سَخيماتِ الصُدورِ فَعالُكَ ال

جَميلُ وَأَبرا غِلَّها قَولُكَ الفَصلُ

فَما بَرَحوا حَتّى تَعاطَت أَكُفُّهُم

قِراكَ فَلا ضِغنٌ لَدَيهِم وَلا ذَحلُ

وَجَرّوا بُرودَ العَصبِ تَضفو ذُيولُها

عَطاءَ جَوادٍ ما تَكاءَدَهُ البُخلُ

وَما عَمَّهُم عَمرُو بنُ غَنمٍ بِنِسبَةٍ

كَما عَمَّهُم بِالأَمسِ نائِلُكَ الجَزلُ

بِكَ التَأَمَ الشَعبُ الَّذي كانَ بَينَهُم

عَلى حينِ بُعدٍ مِنهُ وَاِجتَمَعَ الشَملُ

فَمَهما رَأَوا مِن غِبطَةٍ في اِصطِلاحِهِم

فَمِنكَ بِها النُعمى جَرَت وَلَكَ الفَضا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات