ضربوا القباب وطنبوها بالقنا

ديوان ابن معتوق الموسوي

ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا

فمَحَوا بأنجُمِها مصابيحَ المُنا

وبَنوا الحِجالَ على الشّموسِ فوكّلوا

شُهْبَ السُّهاءِ برَجْمِ زوّارِ البِنا

وجلَوْا بتيجانِ التّرائِبِ أوجُهاً

لو قابلَتْ جيشَ الدُّجنّةِ لاِنْثَنا

وجرَوْا إلى الغايات فوقَ سوابِقٍ

لو خاضَ عِثيَرَها النهارُ لأوهَنا

للّهِ قومٌ في حبائِلِ حُسنِهم

قنصوا الكَرى لجفونِهم من عِندنا

غُرٌّ رَبارِبُهُم وأُسْدُ عرينِهم

سلّوا المَنونَ وأغمدوها الأجفُنا

إن زارَهُم خصْمٌ عليه نضوا الظُّبا

أو مُدنفٌ سلّوا عليهِ الأعيُنا

لم تلقَهُم إلّا وفاجاكَ الرّدى

من جَفنِ غُصْنٍ هُزَّ أو ريمٍ رَنا

تُثْنى الظُّبا تحتَ السّوابِغِ منهُمُ

سُمرَ الرِّماحِ وفي الغلائِلِ أغصُنا

من كلِّ محتجِبٍ تبرّجَ في العُلا

أو كُلِّ سافِرةٍ يحجِّبُها السّنا

نُهدى بلَمعِ نُصولِهم لوصولِهم

ونرى ضِياءَ وجوهِهم فتصُدَّنا

قسَماً بقُضْبِ قُدودِهم لخُدودِهم

كالوردِ إلّا أنّها لا تُجتَنى

كم مات خارجَ حيّهم من مُدنَفٍ

والروحُ منه لها وجودٌ في الفَنا

أسكنْتُهُم بأضالِعي فبُيوتُهم

بطُوَيلعٍ وشُموسُهُم بالمُنْحَنا

يا صاحِ إن جِئتَ الحجازَ فمِلْ بِنا

نحو الصّفا فهَوايَ أجمعُهُ هُنا

فتّشْ عَبيرَ ثَراهُ إن شِئتَ الثّرى

فالدُّرُّ حيثُ به نثَرْنا عتْبَنا

واِنشُدْ به قلبي فإنّ مُقامَه

حيثُ المَقامُ به الحجونُ إلى مِنى

وسلِ المضاجِعَ إن شكَكْتَ فإنّها

منّا لَتَعْلَمُ عفّةً وتديُّنا

يا أهلَ مكّةَ ليت مَنْ فلَقَ النّوى

قسمَ المحبّةَ بالسّويّةِ بينَنا

أطلقْتُمُ الأجسامَ منّا للشّقا

ولديكُمُ الأرواحُ في أسرِ العَنا

أجفانُكُمْ غَصَبَتْ سَوادَ قُلوبِنا

وخُصورُكم عنهُ تعوِّضُنا الضّنا

عن رِيّ غُلَّتِنا منعتُم زمزَماً

ورمَيتُمُ جَمَراتِ وجدِكمُ بِنا

ظبياتُكُم أظمأنَنا وأُسودُكم

بجداوِلِ الفولاذِ تمنعُ وِرْدَنا

ما بالُ فجرِ وصالِكُم لا ينجلي

وقُرونُكم سلبتْ ليالي بُعدِنا

أبِزَعْمِكُم أنّا يغيّرُنا النّوى

فوَحقِّكُم ما زالَ عنكمُ عهدُنا

أنخونُكُم بالعَهدِ وهْو أمانةٌ

قبضَتْ خَواطِرُنا عليهِ أرهُنا

أُخفي مودَّتَكُم فيظهَرُ سرُّها

والرّاحُ لا تَخفى إذا لَطُفَ الإنا

بِكُمُ اتّحدْتُ هَوىً ولو حيَّيْتُكُمْ

قلتُ السلامُ عليّ إذ أنتمْ أنا

للّه أيّامٌ على الخَيْفِ اِنقضَتْ

يا حبّذا لو أنّها رجعَتْ لنا

أيّامُ لهْوٍ طالما بوُجوهِها

وضَحَتْ لنا غُرَرُ المحبّةِ والهَنا

وسَقى الحيا غدَواتِ لذّاتٍ غدَتْ

فيها غُصونُ الأُنسِ طيّبةَ الجَنا

وظِلالَ آصالٍ كأنّ نسيمَها

لأبي الحسينِ يهُبُّ في أرَجِ الثَنا

ملِكٌ جلالتُه كَفَتْهُ وشأنُه

عن زينةِ الألقابِ أو حَلْيِ الكنى

سمْحٌ إِذا أثنى النّباتُ على الحيا

قصدَ المَجازَ بلفظِهِ ولهُ عَنا

قِرْنٌ لديه قِرى الجُيوشِ إذا به

نزلوا فُرادى الظّعنِ أو حِزبٍ ثُنا

للفخرِ جَرْحاهُ تلَذُّ بضَرْبه

والبُرُّ يُرضي الجُرْبَ في ألَم الهَنا

تُمسي بأفواهِ الجِراحِ حرابُه

تُثْني عليه تظنُّهُنَّ الألسُنا

سجدَتْ لعزْمتِه النِصالُ أمَا تَرى

فيهنّ من أثَرِ السُجودِ الإنحِنا

وهوَتْ عواليه الطِعانَ فأوشَكَتْ

قبلَ الصّدورِ زجاجُها أن تطعَنا

بيتُ القصيد من المُلوكِ وإّما

يأبى عُلاه بوزنِهم أن يُوزَنا

يَصبو إلى نُجُبِ الوفودِ بسَمْعِه

طَرَباً كما يَصبو التّريفُ إلى الغِنا

متسرِّعٌ نحو الصّريخِ إذا دعا

مترفِّقٌ فيه عن الجاني وَنا

فالوُرْقُ تُشفِقُ منه يُغرِقُها النّدى

فلِذاكَ نلجأُ في الغُصونِ لتأمَنا

والنارُ من فزَعِ الخُمودِ بصوبِه

فزِعَتْ إلى جوفِ الصخورِ لتكْمُنا

والمُزْنُ من حسدٍ لجودِ يَمينه

تَبكي أسىً وتظنُّها لن تَهتِنا

بطلٌ تكادُ الصّاعِقاتُ بأرضِه

حذَراً لصوتِ الرّعدِ أن لا تُعلِنا

لو أكرَمَ البحرُ السّحابَ كوَفدِه

للدُّرِّ عنّا كادَ أن لا يخْزُنا

أو يَقتَفيهِ البدرُ في سعي العُلا

لم يرضَ في شرفِ الثُريّا مَسكنا

أو بِعْنَ أنفُسَها الأهلّةُ صفقةً

منه بنعلِ حذائِه لن تُغبَنا

حُرِسَتْ عُلاهُ بالظُّبا ففُروجُها

تحكي البُروجَ تحصُّناً وتزيُّنا

لا يُنكِرَنّ الأفْقُ غبطَتَهُ لها

أوَ ليسَ قد لَبسَ السّوادَ تحزُّنا

تقفُ المنيّةُ في الزّحامِ لديه لا

تسعى إلى المهجاتِ حتّى يأذَنا

نفذَتْ إرادَتُه وألقَتْ نحوَهُ الد

دُنيا مقاليدَ العُلا فتمكّنا

فإذا اِقتضى إحداثَ أمرٍ رأيُه

لو كان ممتنِعَ الوجودِ لأمكَنا

يا مَنْ بطَلعَتِهِ يَلوحُ لنا الهُدى

وبيُمنِ رؤيتِه نَزيدُ تيمُّنا

ما الروحُ منذُ رحلْتَ إلّا مُهجةٌ

بكَ تُيِّمَتْ فخُفوقُها لن يَسْكُنا

أضناهُ طولُ نَواكَ حتّى أنّه

دلّ النحولُ على هَواهُ وبرهَنا

أخفى الهُدى لمّا اِرتحَلْتَ منارُه

فحلَلْتَ فيه فلاحَ نوراً بيّنا

قد كنتَ فيه وكان صُبحاً مشرِقاً

حتّى اِرتحلْتَ فعاد ليلاً أدكَنا

سلبَ البلا مُذ غِبْتَ ملبَسَ أرضِه

فكسَتْهُ أوبَتُكَ الحريرَ ملوَّنا

فارَقْتَه فأباحَ بعدَك للعِدى

منهُ الفُروجَ وجِئتَه فتحصّنا

أمسى لبُعدِكَ للصّبابةِ مَحزَناً

والآن أصبحَ للمسرّةِ مَعْدِنا

لا أوحشَ الرحمنُ منكَ رُبوعَهُ

أبداً ولا برحَتْ لمجدِكَ موطِنا

مولاي لا برِحَ العِدى لكَ خُضَّعاً

رَهَباً ودانَ لك الزّمانُ فأذْعنا

هبْ أنّهم سألوكَ فاِحسِنْ فيهم

لِرِضا الإلهِ فإنّه بكَ أحسَنا

لا تعجبنّ إذا اِمتُحِنْتَ بكَيدِهم

فالحُرُّ ممتَحَنٌ بأولادِ الزِّنا

فاِغضُضْ بحِلمِكَ ناظراً متيقّظاً

واِجْمَعْ لرأيكِ خاطِراً متفطِّنا

واِغفِرْ خطيئَةَ مَنْ إذا عُذْراً بَغى

وهْو الفَصيحُ غَدا جباناً ألْكَنا

إنّي لأعْلَمُ أنّ عنكَ تخلُّفي

ذَنْبٌ ولكنّي أقولُ مُضمِّنا

أضحى فراقُك لي علَيْهِ عُقوبةً

ليس الّذي قاسَيْتُ منه هيّنا

لا زالَ فيكَ المجدُ مبتهِجاً ولا

فَجعَتْ بفُرقَتِكَ العُلا نُوَبُ الدُّنا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن معتوق، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات