شطت عليك لبانة الصدر

ديوان الشريف المرتضى

شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ

وحُرِمتَها من حيثُ لا تدري

وطلبتَ عذراً للزّمان فلمْ

تعرف له شيئاً من العذرِ

وفجعتَ في ظلماءَ داجيةٍ

بالنيّراتِ معاً وبالفجرِ

وَمَضى الّذي طَمس الحِمامُ به

وَضَحَ الصّباح وغُرّةَ البدرِ

وطوى الرَّدى رغماً لآنِفِنَا

كلَّ المحاسن منه في القبرِ

فَكَأنّنا مِن بعدِ مَصرعهِ

سَفْرٌ بلا زادٍ ولا ظهرِ

أَو مُرهَقون بكلِّ بائقةٍ

غُلبوا وقد جَهَدوا على الصَّبرِ

هِيمٌ يماطِلها الورودُ وقد

بَعُدَ المدى عشراً إلى عشرِ

من ذا لمرْغَبةٍ ومَرْهَبَةٍ

فينا ومن للنّهي والأمرِ

ومُرَوّعِ شرد الحِذارُ به

ملآن من خوفٍ ومن ذُعْرِ

ومكارمٍ تدعُ الزَّمان بلا

شيءٍ من الإملاقِ والفقرِ

والخيلُ تنزو في الأعنّةِ كال

سيدان في دَيْمومةٍ قَفْرِ

معروقةً بالشَّدِّ تحسبها ال

أشطانَ هاويةً إلى جَفْرِ

أُثنِي عَلَيكَ بِما صَنعتَ وكمْ

فاتَ الصّنيعُ مواقعَ الشّكرِ

وأكفُّ غَرْبَ الدمع مصطبراً

لو كان دمعٌ كُفَّ لا يجري

أَنتَ الّذي لَم تَرضَ في شرفٍ

إلّا بِغُرِّ عقائلِ الفخرِ

ومحوتَ محوَ الطِّرْسِ عن زمنٍ

أصبحتَ فيه مجاثمَ العُسرِ

وجعلتَ مُعدِمَه كواجده

ومُقِلّه بالفضل كالمثري

مِن مَعشرٍ لَم يَرتَضوا وَطَراً

في العزِّ إلّا قِمَّةَ النَّسْرِ

وَإِذا دَعوتهُمُ لنازلةٍ

حشدوا عليك بقُرَّحٍ ضُمْرِ

وَبِكلّ مُلتَهبِ العزيمة في ال

بأساء صبّارٍ على الضُّرِّ

لَم يَمتَطوا كَتَدَ المَعابِ ولا

عقدوا مآزهم على وِزْرِ

وإذا علا لهبُ الجمال بهمْ

وهبوا رُواءَ الحسن للبدرِ

يُعطون في الإعسار من كَرَمٍ

مِثلَ الّذي يُعطونَ في اليُسرِ

وهّابُ مَشْبَعةٍ لمسغَبةٍ

غازونَ ظلّامونَ للجُزْرِ

فَتَرى على حسّادِ نعمَتهمْ

يتلاحظون بأعينٍ شُزْرِ

يا صاحبيَّ على طَماعِيَةٍ

في العيش تُركبنا قَرا وَعْرِ

لا تَحسبا في الدّار عدْوَتَهُ

إنّ الرّدى أعدى من العُرِّ

هي عادةٌ للدّهر واحدةٌ

فَاِصبِرْ لمُرِّ عوائد الدّهرِ

بَقّى الّذي يبقى ويرجع في

كلّ الّذي أولى من البِرِّ

إنْ كان سرّ فقد أساء شجىً

أو كان راش فإِنّه يَبْرِي

سوّى الرَّدى بين المطاح على

طرق الرَّدى ومشيّد القصرِ

يا من يُقيل عِثارَ أرحُلِنا

كيفَ اِستَجبتَ لزلَّة العَثْرِ

ألّا دَفعتَ وَقَد دَفعت إلى

وِرْدِ المنون بمالك الأَثْرِ

وَبأذرعٍ تَهوي بمُصْلَتَةٍ

بيضٍ وطائشةِ الخُطا سُمْرِ

أَوَلستَ ولّاجاً على حَذرٍ

تكفيه خرّاجاً مِنَ القَهرِ

هَيهاتَ لَيسَ لِمن يُطيف بهِ

جيشُ المنيَّةِ عنه من فَرِّ

ما لي أراك بدار مَضْيعةٍ

تسري الرّفاقُ وأنت لا تسري

في هُوَّةٍ ظَلماءَ بين هُوىً

سُدَّتْ مطالعُهنَّ بالصَّخْرِ

وَكأنَّما سُقّيتَ مُنعَقِراً

لا تَستَفيق سلافةَ الخمرِ

زوَّدتنِي ومضيتَ مُبْتدِراً

حزّ المُدى ولواذعَ الجمرِ

وَتَركتَني والدّهرُ ذو دُوَلٍ

أعشى اللّحاظِ مقلَّمَ الظُّفْرِ

أَرمي فَلا أصمي فإنْ رُمِيَتْ

جهتي رُميتُ معرّضاً نحري

وأُصدُّ عن لُقيا العدوِّ وهل

ألقى العدوّ ولستَ في ظهري

وَإِذا مَضى مَن كانَ يَعضدني

ويشدّ يومَ كريهةٍ أزْري

ويردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ

ويخوض كلَّ ردىً إلى نصري

فالحظُّ لِي أنْ لا أهيجَ وغىً

حتَّى أكون مسالماً دهري

كَيفَ اللّقاء وَأنتَ رَهْنُ بِلىً

لا يُرتجى إلّا معَ الحَشرِ

هَجرٌ وَلَكن لَيس يُشبِهُهُ

شيءٌ من الإعراضِ والهجرِ

وَقَطيعةٍ ما كُنتُ أَحذَرها

إلّا عَليك فلم يَفِدْ حِذْري

لا مُتعةٌ لي في الحَياةِ فَما

أَحياه بَعدكَ لَيسَ مِن عمري

إِن لَم يَكُن كُلّي علَيكَ قضى

لمَّا قضيتَ فقد قضى شطري

فَاِذهَبْ كَما ذَهبَ الغَمام فَقدْ

مَلأ المذانِبَ منه بالقَطْرِ

وَخَلوتَ مِن عَيني بغير رضاً

منّي ولمّا تخلُ من سرّي

ما زلتُ أَكتم منك شاجيةً

وبلابلاً صُمّاً عن الزّجرِ

وَأُجِلُّه عَن أَن أَبوح بهِ

في نَظمِ قافيةٍ من الشّعرِ

حَتّى اِنقَضى صَبري وَجاشَ كَما

جاش الهدير يهدّه صدري

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات