سل ما لسلمى بنار الهجر تكويني

ديوان لسان الدين بن الخطيب

سَلْ مَا لسلمَى بنَارِ الهجْرِ تَكْوِينِي

وَحُبُّهَا فِي الْحَشَى مِنْ قَبْلِ تَكْوِينِي

وَفِي مُنَاهَا تَمَنَّيتُ الْمُنَى فَغَدا

قَلْبِي كَئِيباً بِبَلْوَاهُ يُنَاجِينِي

وَفِي قِبَابِ قُبا قاَمَتْ لَنَا بِقَبَا

طِرَازُهَا مذْهَبٌ فِي حُسْنِ تَزْيِينِ

لَمَّا انْثَنَتْ فِي الحُلَى تَزْهُو بِبَهْجَتِهَا

وَبِالغَزَالَةِ تُزْرِي وَالسَّرَاحِينِ

لَمَّا تَفَنَّنْتُ فِي أَفْنَانِ قَامَتِهَا

تَفَنَّنَتْ بِفُنُونِ الصَّدِّ تُفْنِينِي

وَتَحْسَبُ الصَّدّ يُسلِينِي مَحَبَّتَهَا

هَيْهَاتَ لَوْ أَنَّ جَمْرَ النَّار يُصْلِينِي

النَّار فِي كَبِدِي وَالشَّوْقُ يُقْلِقُني

وَالْقُرْبُ يَنْشُرُنِي والبُعْدُ يَطْوِينِي

وَرُكْنُ صَبْرِي تَخَلَّى فِي الْغَرَامِ وَقَدْ

تَمَكَّنَ الحُبّ مِنِّي أَيّ تَمْكِينِ

وَقَدْ رَأَيْتُ مَسِيرِي عَزَّ مَطلبُهُ

وَالطَّرفُ وَالظَّرفُ يُبْكِينِي ويَكْوِينِي

نَصَبْتَ حَالِي لِرَفْعِ الضَّمِّ مُنْجَزِما

بِالْكَسْرِ عَلَّ بَرشْفِ الضّمَ تُحْيِينِي

يَا صَاح عُجْ بالحِمَى وَانْزِلْ بِهِمْ سَحَراً

وَانْظُرْ لعَجْبٍ أثِيلاَتِ الْبَسَاتِينِ

وَفَوْقَ سَفْحِ عَمِيق الدَّمْعِ عُجْ لِتَرَى

جَآذِرَ الْحَيِّ بَيْنَ الخُرَّدِ الْعِينِ

وَمِلْ عَلَى أَثْلاَثِ الْبَانِ مُنْعَطِفاً

وَحَيّ سَلْعاً وَسَلْ عَنْ حَالِ مِسْكِينِ

ثُمَّ آتِ جَزْعاً وَجُزْ عَنْ حَيِّ كَاظِمِةٍ

وَأقْر السَّلاَمَ عَلَى خَيْرِ النَّبِييِنِ

مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ مَنْ ظَهَرَتْ

آياتُهُ فَتَسَلَّى كُلُّ مُحْزُونِ

مَنْ خَصَّهُ اللهُ بِالْقُرْآنِ مُعْجِزَةً

مَا نَالَهَا مُرْسَلٌ قَدْ جَاءَ بِالدِّينِ

وَمِنْ شِهَابٍ بَدَا مِنْ نُورِهِ رَجَعَت

شُهْبُ الدَّياجِي رُجُوماً لِلشَّيَاطينِ

وَفَوْقَ رَاحَتِهِ صُمُّ الْحَصَى نَطَقَتْ

وَالْمَاءُ مِنْ كَفِّهِ يُزْرِي بِجَيْحُونِ

وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ البَارِي وَأَرْسَلَهُ

بَرّاً رَؤُوفاً رَحِيماً بِالْمَسَاكِينِ

إِنْ سَارَ فِي الرَّمْل لَمْ يَظَهَر لَهُ أَثَرٌ

وَإِنْ عَلاَ الصَّخْرَ عَادَ الصَّخْرُ كَالطِّينِ

كَأَنْ بالرَّمْلِ مَا بِالصَّخْرِ مِنْ جَلَدٍ

شَوْقاً وَبِالصَّخْرِ مَا بِالرَّمْلِ مِنْ لِينِ

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الجِذْعَ حَنَّ لَهُ

وَالْعِذْقَ أَنَّ إِلَيْهِ أَيَّ تَأَنِينِ

وَقَدْ سَمِعْنَا بِأَنَّ الطَّيْرَ خَاطَبَهُ

فِي منْطِقٍ مُفْصِحٍ مِنْ غَيْرِ تَلْكِينِ

وَالظَّبيَ وَالضبَّ جَاءَا يَشْهَدَانِ بِأَنْ

لاَ شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْ طَهٍ وَيَاسِينِ

فَكَيْفَ أُحْسِنُ مَدْحاً فِي مَحَاسِنِهِ

لَكِنَّ لِي قَبُولاَ مِنْهُ يَكْفِينِي

أُقَبِّلُ الأَرْضَ إِجْلاَلاً لِهَيْبَتِهِ

وَأَلْثِمُ التُّرْبَ عَلَّ الوَصْلَ يُحْيِينِي

وَقَدْ أَقُولُ ابْن حَمْدَان الْغَرِيبَ أَتَى

مُنَادِياً بِفُؤَادٍ مِنْهُ مَحْزُونِ

يَاأَكْرمَ الخَلْقِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ

وَأَحْسَنَ النَّاسِ مِنْ حُسْنٍ وَتَزيِين

إِنِّي أَتَيْتُكَ فَأقْبَلْنِي وَخُذْ بِيَدِي

وَمِنْ لهِيبِ لَظَى جِرْنِي وَسجِّينِ

وَقَدْ مَدَحتُكَ فَارْحَمْنِي وَجُدْ فَعَسَى

مِنْ هَوْلِ يَوْمِ اللِّقَا وَالْحَشْرِ تُنْجِينِي

وَكُنْ شَفِيعِي فِي النَّارِ يَاأَمَلِي

لَعَلَّ أَحْظَى بِأَجْرٍ غَيْر مَمْنُونِ

صَلَّى عَلَيْكَ إِلاَهُ الْعَرْشِ مَا صَدَحَتْ

قُمْرِيَّةٌ فَوْقَ أَفْنَانِ الرَّيَاحِينِ

صَلَّى عَلَيْكَ إِلاَهُ الْعَرْشِ مَا غَرَّدَت

حَمَائِمُ فَوْقَ أَغْصَانِ الْبَسَاتِينِ

صَلَّى عَلَيْكَ إِلاَهُ الْعَرْشِ مَا وَفَدَتْ

نُوَيْقَةٌ لِحِمَى الأَطْلاَلِ تَبْرِينِي

صَلَّى عَلَيْكَ إِلاَهُ الْعَرْشِ مَا هَطَلَتْ

مَدَامِعُ السُّحْبِ أَوْ عَيْنُ المُحِبِّينِ

صَلَّى عَلَيْكَ إِلاَهُ الْعَرْشِ مَا ضَحِكَتْ

مَبَاسِمُ الزَّهْرِ فِي ثَغْرِ الأَفَانِينِ

وَأَلفُ أَلفِ صَلاَةٍ لاَ نَفَادَ لَهَا

مَضرُوبَةٌ فِي ثَمَانِ أَلْفِ تِسْعِينِ

عَلَيْكَ يَاخَيْرَ خَلْقِ اللهِ قَاطِبَةً

وَأَلْفُ أَلْفِ سَلاَمٍ فِي ثَمَانِينِ

وَآلِكِ الْغُرِّ وَالأَصْحَابِ كُلِّهِم

وَتَابِعِيهِمْ لِيَوْمِ الْحَشْرِ وَالدِّينِ

مَا عطَّرَ الرَّوْضُ فِي الأَسْحَارِ عَرفَ صبَا

وَفَاحَ نَشرُ خُزَامَى مِنَّةَ نِسْرِينِ

وَمَا شَدَا مُنْشِدٌ صبٌّ لِفَرْطِ جَوىً

سَلْ مَا لسَلْمَى بِنَارِ الهَجْرِ تَكْوِينِي

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

أمن تذكر جيران بذي سلم

أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ أمْ هَبَّتْ الريحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ فما لِعَيْنَيْكَ…

تعليقات