سلا عنك قلبي بعد ما قيل لا يسلو

ديوان ابن الساعاتي

سلا عنك قلبي بعد ما قيل لا يسلو

فلا طل دمعي للطول ولا الوبل

وكنت بكم في سكرةٍ من جهالةٍ

فمات الهوى من بعدكم وصحا الجهل

خلت منك أحشاء أطال ولوعها

غصون القدود أهيف والحدق النجل

ورد عليها النأي ما القرب سالب

وأحيا زمان اهجر من قتل الوصل

وما كان ظني إن يطيب لي الكرى

ويعذب في سمعي على حبك العذل

رأيت قدود البان ترقص غبطة

ورقت شفاه الماءِ واللعس الظل

وكانت خدود الورد تسقى بأدمعي

فلما عداها الوبل نقطها الطل

مضت دولة كنتم ولاة أمورها

فلبس لكم ظلم يخاف ولا عدل

وأصبحت مثلوج الفؤاد وكم مضى

ومرجله يغلي وأشجانه تغلو

وطلقت عقلي في هواكم جهالة

فلما أصبت الرشد راجعني العقل

وأعتقت قلبي وهوى شر مالك

فعز عليكم أن يكون له ذل

أمنتكم يأساً وخفت طماعة

لقد سرني من بعد ما ساءني قبل

وهان علي الغانيات لأجلكم

فلا أنعمت نعم ولا أجملت جمل

وكنت أحب الدار مأهولة الربى

فأيسر شيء منك عندي أن تخلو

فلا جادها جفن من المزن سافح

ولازال عن سكانها الخوف والمحل

ولست إلى كثبانها متلفتاً

ولا ساءلاً ما يصنع البان والأَثل

إذا لم تكن مرعى جيادي وأينقي

فلا أمرع الوادي ولا نبت البقل

تنكر مني عادلاً ما عرفتم

ولاعجبا للظلم إن خلي الخل

ولذ مذاق اليأس بعد مرارة

نعم وحلا صبري وقد آن أن يحلو

وإن فارقت مالاً وأهلاً سوابقي

فعند المليك الظافر المال والأهل

حننت إليه حنة عربية

كما أطلق المأسور طال به الكبل

سقاني على ظمئ به ماءَ بشرهِ

فما بالحش مني غليل ولا غل

جزيل العطايا لا تعد هباته

لدى اليوم حتى يحسب القطر والرمل

أبى الله أن يروى حديث سماحهِ

فيسند ألاَّ عن أنامله النقل

هو المرء ولته البلاد سيوفه

فهيهات يوماً أن يكون له عزل

وخف إلى العلياء يحمل ثقلها

وخير صفات المجد أن يحمل الثقل

سجية عزمٍ لايطور به الونى

وسورة جد لا يمازجها هزل

هو الباسل المجري دماءَ عداته

وتلك دماء لا حرام ولا بسل

غداة النجيع النقس والصحف الفلا

ومملي الحمام النصر والكاتب النصل

وحيث البروق البيض الركض رعدها

وصفر البنود السحب والوابل النبل

سطور بأقلام الأَسنة نقطها

وبالمرهفات القاضبات ها شكل

ولم يغنهم من خلب البيض مخلب

ولا صال من خطي سمرهم صل

وقاد إليهم كل جيش زهاؤه

إذا حل ظهر الأرض أعجزها الحمل

لوجه الضحى جنح العجاج براقع

به وبعين الشمس عثيره كحل

أيا تابعاً إلا أباه وجده

كذلك ليث الغاب يشبهه الشبل

أخاف العدى حتى لو أن سحابة

أظلت لخلوا قطرها انه نبل

وآمن أهل الأرض حتى قلوبهم

لفرط سرور ليس يدخلها ثكل

وحل من العلياء دار إقامةٍ

مكرمةٍ في كفه العقد والحل

هنالك تم الأمر والتام أهوى

وزالت دواعي البين واجتمع الشمل

فكم سد من ثغر وشيدت به على

وشد به ركن وصد به جهل

خيال الأماني لا يطوف بقلبه

وحب الأماني شغل من لا له شغل

من القوم بساَّمون واليوم عابس

وليدهم في كل حادثةٍ كهل

هو المجد يحكي آخر منه أولاً

ويشرف قدر الفرع ما شرف الأصل

هم المحسنون القول والفعل بعده

ولا خير في قول يخالفه الفعل

هم أنجم العلياء في كل عالم

فمن سابق يمضى ومن لاحق يتلو

هم الواهبون المقرات خوارجاً

عن الظل سبقاً فهي ليس ها ظل

مضمرة من كل مأمونةِ السرى

على مثلها من لاحق يدرك البتل

يقل لها أن الثريا لجامها

وأن هلال الداجيات لها نعل

مليون بالإحسان لا لمن والأذى

ولا الوعد معروف لديهم ولا المطل

إذا صمتوا فهي الحصافة والنهى

وان نطقوا فهي الفصاحة والفصل

فيا من نداه الغمر في كل أزمةٍ

هو المثل الأعلى الذي ما له مثل

أيحسن بي أني بغيرك لاحق

ولا وطن لي في ذراه ولا رحل

فأين الحفاظ المر يحلو مآله

وأين الإباء الصعب والنائل السهل

وما أنت إلاَّ الغيث عم وليه

وذا منزلي من وسم وسميه غفل

بوارق جود أخصبت غير شائم

فما بال مثلي شائماً حظه المحل

لعلك عن قرب ترق لآمل

قصارى أمانيه المودة لا البذل

ولو نصرتني منك أذن سمعته

لأفصح فضل كل أفعاله فضل

إذا ما تلا آياته منك مبلغاً

رسول الرضى صلى على ربها الحفل

مدائح ترويها الغياهب والضحى

ويحفظها حتى الركائب والسبل

ويثني على عقل نماها جلاله

وحسك من شيء يجل به العقل

وما خير ملك فارقته ملوكه

وتيجانها من مثل جوهرها عطل

أترغب طوعاً عن جواد فضائل

به قصبات السبق تحرز والخصل

وتحسب كل النظم شعراً بمثله

تحلى زمان بعد لم يخل أو يحل

إذا افعوعم الوادي فلا سال مذنب

وإن صرصر البازي فلا نطق النمل

وإني جدير بالكرامة منكم

ولولا محاج النحل ما كرم النحل

إذا لم يفق قدر الفضيلة فالغنى

هو الفقر حقاَّ والحياة هي القتل

وما كل سف في الكريهة قاطع

إذا لم يصله السعد والساعد العمل

ولستُ أميرَ النظم والنثر إنَ حدتْ

إلى غيركَ الوجناءُ أو وَصلَ الحبل

وإن جُليتْ إلاَّ عليك عرائسٌ

أَبى نحو زاهِ أن يدلّلها الدَلُّ

إذا الحسنُ لم يبلغ بها حظَّ مثلها

فلا خصرها ظامِ ولا ردفُها عَبل

ولا نطقت منها الوشاحان أن عدا

لها ناحلٌ خطباً لا صَمَتَ الحِجل

وربّ جوادٍ طال فيها هياُمهُ

فكان بهِ بَرْح الأسى ولك الوصل

بغاداتها الحسني طويل حبالهِ

وغير ملومٍ أن يطول بها الحبل

كفاها جلالاً أن فكري ولُّبها

وأنك يا نجلَ الملوك لها بَعل

فما كان مثلي اُبنُ الوليد وانما

تقدَّم ميلادٌ ولا مثلَك الفَضل

حببتكمُ حُبَّ الشبيبة والغنى

وعصرُ الصّبى قدماً فهيهاتَ أن أسلو

فدُمتم ولا مُدَّت إلى غيركم يَدٌ

ولا وقفت إلاَّ بأبوابكم رِجل

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الساعاتي، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات