سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الوجد

ديوان الشريف الرضي

سَلا ظاهِرَ الأَنفاسِ عَن باطِنِ الوَجدِ


فَإِنَّ الَّذي أُخفي نَظيرُ الَّذي أُبدي


زَفيراً تَهاداهُ الجَوانِحُ كُلَّما


تَمَطّى بِقَلبي ضاقَ عَن مَرِّهِ جِلدي


وَكَيفَ يُرَدُّ الدَمعُ يا عَينِ بَعدَما


تَعَسَّفَ أَجفاني وَجارَ عَلى خَدّي


وَإِنِّيَ إِن أَنضَح جَوايَ بِعَبرَةٍ


يَكُن كَخَبِيِّ النارِ يُقدَحُ بِالزَندِ


فَهَذي جُفوني مِن دُموعِيَ في حَياً


وَهَذا جَناني مِن غَليلِيَ في وَقدِ


حَلَفتُ بِما وارى السِتارُ وَما هَوَت


إِلَيهِ رِقابُ العيسِ تُرقِلُ أَو تَخدي


لَقَد ذَهَبَ العَيشُ الرَقيقُ بِذاهِبٍ


هُوَ الغارِبُ المُجزولُ مِن ذُروَةِ المَجدِ


وَإِنّي إِذا قالوا مَضى لِسَبيلِهِ


وَهيلَ عَليهِ التُربُ مِن جانِبِ اللَحدِ


كَساقِطَةٍ إِحدى يَدَيهِ إِزاءَهُ


وَقَد جَبَّها صَرفُ الزَمانِ مِنَ الزَندِ


وَقَد رَمَتِ الأَيّامُ مِن حَيثُ لا أَرى


صَميمِيَ بِالداءِ العَنيفِ عَلى عَمدِ


فَلا تَعجَبا أَنّي نَحَلتُ مِنَ الجَوى


فَأَيسَرُ ما لاقَيتُ ما حَزَّ في الجِلدِ


وَلَو أَنَّ رُزءاً غاضَ ماءً لَكانَه


وَجَفَّت لَهُ خُضرُ الغُصونِ مِنَ الرَندِ


سَقى قَبرَهُ مُستَمطِرٌ ذو غِفارَةٍ


يَجُرُّ عَليهِ عُرفَ مَلآنَ مُربَدِ


إِذا قُلتُ قَد خَفَّت مَتاليهِ أَرزَمَت


وَأَجلَبَ بِالبَرقِ المُشَقِّقِ وَالرَعدِ


حُسامٌ جَلا عَنهُ الزَمانُ فَصَمَّمَت


مَضارِبُهُ حيناً وَعادَ إِلى الغِمدِ


سِنانٌ تَحَدَّتهُ الدُروعُ بِزُغفِها


فَبَدَّدَ أَعيانَ المُضاعَفِ وَالسَردِ


جَوادٌ جَرى حَتّى اِستَبَدَّ بِغايَةٍ


تُقَطِّعُ أَنفاسَ الجِيادِ مِنَ الجَهدِ


سَحابٌ عَلا حَتّى تَصَوَّبَ مُزنُهُ


وَأَقلَعَ لَمّا عَمَّ بِالعيشَةِ الرَغدِ


رَبيعٌ تَجَلَّى وَاِنجَلى وَوَراءَهُ


ثَناءٌ كَما يُثنى عَلى زَمَنِ الوَردِ


نَعَضُّ عَلى المَوتِ الأَنامِلَ حَسرَةً


وَإِن كانَ لا يُغني عَناءً وَلا يُجدي


وَهَل يَنفَعُ المَكلومَ عَضُّ بَنانِهِ


وَلَو ماتَ مِن غَيظٍ عَلى الأُسدِ الوَردِ


عَوارٍ مِنَ الدُنيا يُهَوِّنُ فَقدَها


تَيَقُّنُنا أَنَّ العَوارِيَ لِلرَدِّ


يَنالُ الرَدى مَن يَعرِضُ الهَضبُ دونَهُ


وَلَو كانَ في غَورٍ مِنَ الأَرضِ أَو نَجدِ


وَيَسلَمُ مَن تُسقى الأَسِنَّةُ حَولَهُ


بِأَيدي الكُماةِ المُعلِمينَ عَلى الجُردِ


فَما ذاكَ إِن لَم يَلقَ حَتفاً بِخالِدٍ


وَلا ذا مِنَ الحَتفِ المُطِلِّ عَلى بُعدِ


لَئِن ثَلَمَت مِنّي اللَيالي عَشائِري


فَما ثَلَموا إِلّا مِنَ الحَسَبِ العِدِّ


شَجَوني وَلَم يُبقوا لِعَينِيَ بَلَّةً


مِنَ الدَمعِ إِلّا اِستَفرَغوها مِنَ الوَجدِ


عَزاءَكَ فَالأَيّامُ أُسدٌ مُذِلَّةٌ


تَعُطُّ الفَتى عَطَّ المَقاريصِ لِلبُردِ


إِذا أَورَدَتهُ نَهلَةً مِن نَعيمِها


أَعادَتهُ حَرّانَ الضُلوعِ مِنَ الوِردِ


أَغَلَّ إِلى القَلبِ المَنيعِ مِنَ القَنا


وَأَجرى إِلى الآحالِ مِن قُضُبِ الهِندِ


أَرادَ بِكَ الحُسّادُ أَمراً فَرَدَّهُ


عَليهِم سَفاهُ الرَأيِ وَالرَأيُ قَد يُردي


فَلا يُغمِدَنَّ السَطوَ وَالحِلمَ ضائِرٌ


وَقَد نَزَعَ الأَعداءُ آصِرَةَ الوُدِّ


هُمُ قَعقَعوا بَغياً عَليكَ وَأَجلَبوا


فَآبوا وَما قاموا بِحَلٍّ وَلا عَقدِ


وَقَد رَكِبوهُ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ


فَيا لِذَلولِ البَغيِ مِن مَركَبٍ مُردي


فَحَتّى مَتى تُغضي مِراراً عَلى القَذى


وَتَلحَظُكَ الأَضغانُ مِن مُقَلٍ رُمدِ


فَإِن لا تَصِل تُصبِح عِداكَ كَثيرَةً


عَليكَ وَداءُ الطَعنِ إِن هِبتَهُ يُعدي


وَهَل كانَ ذاكَ البُعدُ إِلّا تَنَزُّهاً


عَلى المُضمِرِ البَغضاءِ وَالحاسِدِ الوَغدِ


وَجِئتَ مَجيءَ البَدرِ أَخلَقَ ضَوءُهُ


فَعادَ جَديدَ النَورِ بِالطالِعِ السَعدِ


وَكَم مِن عَدوٍّ قَد سَرى فيكَ كَيدُهُ


سُرى السُمِّ مِن رَقطاءَ ذاتِ قَراً جَعدِ


فَأَغفَلتَهُ ثُمَّ اِنتَضَيتَ عَزيمَةً


نَزَعتَ بِها مِن قَلبِهِ حُمَّةَ الحِقدِ


وَذي خَطَلٍ أَوجَرتَهُ مِنكَ غُصَّةً


فَأَطرَقَ مِنها لا يُعيدُ وَلا يُبدي

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات