سرى والدجى قد آن منه رحيل

ديوان لسان الدين بن الخطيب

سَرَى وَالدُّجَى قَدْ آنَ مِنْهُ رَحِيلُ

نَسِيمٌ يُتِيحُ الْبُرْءَ وَهْوَ عَلِيلُ

أَدَارَ عَلَى الأَغْصَانِ رَاحَ ارْتِيَاحِهِ

فَغَادَرَ أَعْطَافَ الْغُصُونِ تَمِيلُ

وَمَا كُنْتُ أَعْتَادُ الصِّبَا قَبْلَ خَمْرَةٍ

وَلاَ قُلْتُ فِي الرِّيحِ الشَّمَالِ شَمُولُ

وَأَهْدَى إِلَى الآنَافِ مِنْ نَفَحَاتِهِ

لَطَائِمَ فِيهَا إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

رَسَائِلَ شكْوَى خَطَّ أَحْرُفُهَا الْجَوَى

وَحَيَّى عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ نَزِيلُ

أَجَدَّ ادِّكَارَ الْعَهْدِ وَالْعَهْدُ شَاسِعٌ

وَحَلَّ عُرَى الأَجْفَانِ فَهْيَ مُحُولُ

وَهَاجَ ضِرَاماً لِلتَّشَوُّقِ مَا خَبَا

فَيَا لَبَلِيلٍ ثَارَ عَنْهُ غَلِيلُ

وَقَفْنَا بِرَبْعِ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَمَا

تَقَسَّمَ بَيْنَ قَوْمِه وَرَحِيلُ

رُسُومُ جُسُومٍ فِي رُسُومٍ تَشَابَهَا

كِلاَنَا عَلَى حُكْمِ الْبِعَادِ نَحِيلُ

نُكَلِّفُ رَسْمَ الدَّارِ رَجْعَ جَوَابِنَا

وَذَلِكَ شَيْءٌ مَا إِلَيْهِ سَبِيلُ

فَيَا مَنْ رَآنَا وَالرِّكَابُ مُنَاخَةٌ

طُلُولاً تُبَكِّي عَهْدَهُنَّ طُلُولُ

رَعَى اللَّهُ قَلْبِي مَا أَتَمَّ وَفَاءَهُ

إِذَا نَزَحَتْ دَارٌ وَبَانَ خَلِيلُ

مُقِيمُ عَلَى رَعْي الْعُهُودِ عَلَى النَّوَى

كَفَى الْقَلْبَ ذَمّاً أَنْ يُقَالَ مَلُولُ

خَلِيلَيَّ مِنْ سَلْمَانَ بِاللَّهِ سَاعِدَا

فَمَا الْخِلُّ إِلاَّ مُسْعِدٌ وَمُقِيلُ

وَلاَ تُجْرِيَا ذِكْرَ الْفِرَاقِ فإِنَّهُ

حَدِيثٌ عَلَى سَمْعِ الْغَدَاةِ ثَقِيلُ

وَلاَ تَسْأَلاَ أَنْ يهمي الْغَيْثُ بِالْحِمَى

فِمِنْ مُقْلَتِي غَيْثٌ أَجَشُّ هَمُولُ

أَلاَ فَافْلِيَا فَوْدَ الْفَلاَ بِنَجَائِبٍ

لَهَا خَبَبٌ لاَ يَنْقَضِي وَذَمِيلُ

قِلاَصٌ بَرَاهَا السَّيْرُ حَتَّى كَأَنَّهَا

خَوَاطِرُ فِي فِكْرِ الْفَلاَةِ تَجُولُ

وَرَاضَ اعْتِسَافَ الْبِيدِ حَتَّى شِمَاسِهَا

فَأَصْبَحَ مِنْهَا الصَّعْبُ وَهْوَ ذَلُولُ

يَلُومُونَنِي فِي الْحُبُّ قَوْمِي جَهَالَةً

وَمَا كَانَ طَبْعَاً فَهْوَ لَيْسَ يَزُولُ

وَمَازِلْتُ مُذْ عَقَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي

أَدِيرُ قِدَاحِي فِي الْهَوَى وَأُجِيلُ

إِذَا بَارِقٌ لِلثَّغْرِ يَوْمَاً أَهَابَ بِي

رَكِبْتُ إِلَيْهِ الْخَطْبَ وَهْوَ جَلِيلُ

وَلَجْتُ عَلَى الْغِيرَانِ بَيْتَ فَتَاتِهِ

وَجُبْتُ عَرِينَ اللَّيْثِ وَهْوَ يَهُولُ

وَلِي وَطْأَةٌ فَوْقَ الزَّمَانِ ثَقِيلَةٌ

يُطَأَطِىءُ خَدَّيْهِ لَهَا وَيُمِيلُ

أُجَرِّرُ ذَيْلَ الْعَيْشِ وَالْعَيْشُ أَخْضَرٌ

وَأَغْشَى رِمَاحَ اللَّحْظِ وَهْوَ كَحِيلُ

وَكَمْ سَاعَةٍ شَافَهْتُ فِي مَوْقِفِ النَّوَى

تُقَبِّحُ وَجْهَ الصَّبْرِ وَهْوَ جَمِيلُ

غَضَضْتُ عَلَى التَّوْدِيعِ جَفْنِيَ عِنْدَهَا

وَفِي الْقَلْبِ دَاءٌ لِلْفِرَاقِ دَخِيلُ

وَكَمْ لَيْلَةٍ مزَّقْتُ جَيْبَ ظَلاَمِهَا

وَقَدْ سُحِبَتْ مِنْهَا عَلَيَّ ذُيُولُ

إِلَى أَنْ تَبَدَّى الشَّيْبُ فِي مَفْرِقِ الدُّجَى

وَفُجِّرَ نَهْرُ الْفَجْرِ فَهْوَ يَسِيلُ

وَيَوْمَ دَعَوْتُ الْوَحْشَ تَحْتَ هَجيِرِهِ

وَلِلأَسْدِ فِي ظِلِّ الْقَتَادِ مَقِيلُ

إِذَا زَأَرَتْ عَنْ جَانِبَيَّ أَجَابَهَا

رُغَاءٌ يُبَارِي زَأَرَهَا وَصَهِيلُ

إِلَى أَنْ تَلقَّى مَغْرِبُ الشَّمْسِ قُرْصَهَا

كَمَا الْتَقَمَ القُرْصَ الرَّهِيفَ أَكُولُ

وَلاَ صَاحِبٌ إِلاَّ سِنَانٌ وَصَارِمٌ

وَعَزْمٌ بِتَيْسِيرِ الْعَسِيرِ كَفِيلُ

وَوَجْنَاءَ تَجْنِي الْقُربَ مِنْ شَجَرِ السُّرَى

قَلُوصٍ نَمَاهَا شَدْقَمٌ وَجَدِيلُ

وَعَاذِلِةٌ فِي الْجُودِ قُلْتَ لَهَا اقْصِرِي

رُوَيْدَكِ هَلْ نَال الْعَلاَءَ بَخِيلُ

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَشْرِ الثَّنَاءَ بِمَا اقْتَنَى

فَكُلُّ كَثِيرٍ يَقْتَنِيهِ قَلِيلُ

وَلِي هِمَّةٌ مِنْ دُونِهَا كُلّ شَارِقٍ

يُرَجَّعُ عَنْهَا الطَّرْفُ وَهْوَ كَلِيلُ

تَقَلَّدَنِي دَهْرِي حُسَامَاً مُهَنَّداً

لَهُ فِي رِقَابِ الدَّارِعِينَ صَلِيلُ

وَمَازَالَ يُلْفَى فِي الْحَوَادِثِ ضَارِبَاً

فَعِنْدِي لأِحْدَاثِ الزَّمَانِ فُلُولُ

تَغَنَّى بِأَشْعَارِي الْحُدَاةُ إِذَا سَرَتْ

وَشَدَّتْ لَهَا فِي الْخَافِقِيْنِ حُمُولُ

أَبَتْ غَيْرَ مَحْضِ الْعِزِّ نَفْسِي فَلَيْسَ لِي

بِسَاحَةِ ضَيْمٍ مَا حيِيتُ نُزُولُ

وَكَيْفَ بِإِلْمَامِ الْمَذَلَّةِ لاِمْرِىٍء

وَمِنْ يَمَنٍ رَهْطٌ لَهُ وَقَبِيلُ

إِذَا الْعَرَبُ الْعَرْبَاءُ نَصَّتْ قَدِيمَهَا

وَرُجِّعَ قَالٌ عِنْدَ ذَاكَ وَقِيلُ

كَفَانَا افْتِخَاراً وَانْتِصَاراً وَنِسْبَةً

تَبَابِعَةٌ مِنْ يَعْرُبٍ وَقُيُولُ

ذُؤَابَةُ سَلْمَانٍ وَسَلْمَانُ كِنْدَةٍ

وَكِنْدَةُ ظِلٌّ مَا أَرَدْتَ ظَلِيلُ

سَتَدْرِي عِدَاتِي أَيُّ لَيْثِ حَفِيظَةٍ

أَثَرْنَ وَأَيَّامُ الزَّمْانِ تَدُولُ

إذَا أَصْبَحَتْ خَيْلِي الْبُيوتَ مُغِيرةً

وَفِي كُلِّ شِعْبٍ مِقْنَبٌ وَرَعِيلُ

عَذِيِرِيَ مِنْ قَوْمٍ تَجِيشُ صُدُورُهُمْ

لَهُمْ عَنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ مِنِّي عُدُولُ

إِذَا قُلْتُ غَضُّوا أَوْ إِذَا لُحْتَ أَطْرَقُوا

وَإِنْ غِبْتُ مِنْهُمْ قَائِلٌ وَفَعُولُ

عَمَوا عَنْ سَنَا فَضْلِي فَضَلُّوا عَنْ الْهُدَى

هَوَى النَّفْسِ قِدْماً لِلرِّجَالِ قَتُولُ

وَمَنْ حَسَدَ الشَّمْسَ الْمُنِيرَةَ نُورَهَا

وَرِفْعَتَها فِي الْجَوِّ فَهْوَ جَهُولُ

أَبَا قَاسِمٍ خُذْهَا إِلَيْكَ كَأَنَّهَا

حُسَامٌ يُروعُ النَّاقِدِينَ صَقِيلُ

أَتَتْ كَأَنَابِيبِ الْقَنَاةِ بُيُوتُهَا

لَهَا مِنْ قَوَافِيهَا الْحِسَانِ نُصُول

إِذَا شَردَتْ عَنَّي الْقَوَافِي نَوازِعَا

فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ لَدَيْكَ حُلُولُ

وَإِنْ هَطَلَتْ سُحْبُ الْبَيَانِ حَوَافِلاً

فَلَيْسَ لَهَا إَلاَّ عَلَيْكَ هُمُولُ

وَأَنْتَ عِمَادِي وَاعْتِدَادِي وَمَفْزَعِي

وَذُخْرُ زَمَانِي وَالْحَدِيثُ يَطُولُ

وَأَنْتَ حُسَامِي كُلَّمَا جَلَّ حَادِثٌ

أَذُودُ بِهِ عَنْ حَوْزَتِي وَأَصُولُ

تَحَامَتْ حِمَاكَ النَّائِبَاتُ وَأَصْبَحَتْ

سُعُودُكَ زُهْرَاً مَا لَهَنَّ أُفُولُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات