سرى من خيال المالكية ما سرى

ديوان البحتري

سَرى مِن خَيالِ المالِكِيَّةِ ما سَرى

فَتَيَّمَ ذا القَلبِ المُعَنّى وَأَسهَرا

دُنُوٌّ بِأَحلامِ الكَرى مِن بَعيدَةٍ

تُسيءُ بِنا فِعلاً وَتَحسُنُ مَنظَرا

وَما قَرُبَت بِالطَيفِ إِلّا لِتَنتَوي

وَلا وَصَلَت في النَومِ إِلّا لِتَهجُرا

لَقَد مَنَعَت وَالمَنعُ مِنها سَجِيَّةٌ

وَلَو وَصَلَت كانَت عَلى الوَصلِ أَقدَرا

تَعَذَّرَ مِنها الوَصلُ وَالوَصلُ مُمكِنٌ

وَقَصرُ نَوالِ البيضِ أَن يَتَعَذَّرا

فَلَو شاءَ هَذا القَلبُ في أَوَلِ الصِبا

لَقَصَّرَ عَن بَعضِ الصِبا أَو لَأَقصَرا

وَلَكِنَّ وَجداً لَم أَجِد مِنهُ مَوئِلاً

وَمَورِدَ حُبٍّ لَم أَجِد عَنهُ مَصدارا

هَوىً كانَ غَضّاً بَينَنا مُتَقَدِّماً

كَما صابَ وَسمِيُّ الغَمامِ فَبَكَّرا

نَظَرتُ وَضَمَّت جانِبَيَّ اِلتِفاتَةٌ

وَما اِلتَفَتَ المُشتاقُ إِلّا لِيَنظُرا

إِلى أُرجُوانِيٍّ مِنَ البَرقِ كُلَّما

تَنَمَّرَ عُلوِيُّ السَحابِ تَعَصفَرا

يُضيءُ غَماماً فَوقَ بِطياسَ واضِحاً

يَبِصُّ وَرَوضاً تَحتَ بِطياسَ أَخضَرا

وَقَد كانَ مَحبوباً إِلَيَّ لَوَ اَنَّهُ

أَضاءَ غَزالاً عِندَ بِطياسَ أَخضَرا

لَقَد أُعطِيَ المُعتَزُّ بِاللَهِ نِعمَةً

مِنَ اللَهِ جَلَّت أَن تُحَدَّ وَتُقدَرا

تَلافى بِهِ اللَهُ الوَرى مِن عَظيمَةٍ

أَناخَت عَلى الإِسلامِ حَولاً وَأَشهُرا

وَمِن فِتنَةٍ شَعواءَ غَطّى ظَلامُها

عَلى الأُفقِ حَتّى عادَ أَقتَمَ أَكدَرا

أُعينَ بِأَسيافِ المَوالي وَصَبرِهِم

عَلى المَوتِ لَمّا كافَحوا المَوتَ أَحمَرا

أَغَرُّ مِنَ الأَملاكِ إِمّا رَأَيتَهُ

رَأَيتَ أَبا إِسحاقَ وَالقَرمَ جَعفَرا

تَقَدَّمَ في حَقِّ الخِلافَةِ سَهمُهُ

إِذا رُدَّ عَنها غَيرُهُ فَتَأَخَّرا

وَيُصبِحُ مَعروفاً لَهُ الفَضلُ دونَهُم

وَما يَتَداعاهُ الأَباعِدُ مُنكَرا

أَقامَ مَنارَ الحَقِّ حَتّى اِهتَدى بِهِ

وَأَبصَرَهُ مِن لَم يَكُن قَطُّ أَبصَرا

وَعادَت عَلى الدُنيا عَوائِدُ فَضلِهِ

فَأَقبَلَ مِنها كُلُّ ما كانَ أَدبَرا

بِحِلمٍ كَأَنَّ الأَرضَ مِنهُ تَوَقَّرَت

وَجودٍ كَأَنَّ البَحرَ مِنهُ تَفَجَّرا

عَمِرتَ أَميرَ المُؤمِنينِ مُسَلَّماً

فَعُمرُ النَدى وَالجودِ في أَن تُعَمَّرا

وَلَيسَ يُحاطُ المَجدُ وَالحَمدُ وَالعُلا

بِأَجمَعِها حَتّى تُحاطَ وَتُنصَرا

كَرُمتَ فَكانَ القَطرُ أَدنى مَسافَةً

وَأَضيَقَ باعاً مِن نَداكَ وَأَقصَرا

وَلَمّا تَوَلَّيتَ الرَعِيَّةَ مُحسِناً

مَنَعتَ أَقاصي سِر بِها أَن يُنَفَّرا

نَهَضتَ بِأَعباءِ الخِلافَةِ كافِياً

وَمازِلتَ مَرجُوّاً لَها مُتَنَظَّرا

فَلَم تَسعَ فيها إِذ سَعَيتَ مُثَبِّطاً

وَلَم تَرمِ عَنها إِذ رَمَيتَ مُقَصِّرا

وَمازِلتَ إِن سالَمتَ كُنتَ مُوَفَّقاً

رَشيداً وَإِن حارَبتَ كُنتَ مُظَفَّرا

لَئِن فُتَّ غاياتِ الأَئِمَّةِ سابِقاً

فَطُلتَ المُلوكَ سائِساً وَمُدَبِّرا

فَلا عَجَبٌ في أَن يَغيضوا وَتَعتَلي

وَلا مُنكَرٌ في أَن يَقِلّوا وَتَكثُرا

وَقَد تَرَكَ العَبّاسُ عِندَكَ وَاِبنُهُ

عُلاً طُلنَ مَرمى النَجمِ حَتّى تَحَيَّرا

هُما وَرَّثاكَ ذا الفَقارِ وَصَيَّرا

إِلَيكَ القَضيبَ وَالرِداءَ المُحَبَّرا

فَأَيُّ سَناءٍ لَستَ أَهلاً لِفَضلِهِ

وَأَولى بِهِ مِن كُلِّ حيٍّ وَأَجدَرا

وَأَنتَ اِبنُ مَن أَسقى الحَجيجَ عَلى الظَما

وَناشَدَ في المَحلِ السَحابَ فَأَمطَرا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات