سرت بدر تم في سحاب من النقب

ديوان ابن الساعاتي

سرت بدرَ تمٍّ في سحابٍ من النقبِ

فحلت خلاف البدر في الطّرف والقلب

وأعجبها سقمي وفيض مدامعي

فهل حسبتني السلك في اللؤلؤة الرَّطب

ممنَّعةٌ باللحظ قلبي سليبها

وأطراف سمر الخطّ للمنع والسلب

وهبتُ مغانيها من الدمع ثروةً

بها غنيت عن نائلِ الوابلِ السكب

فبتُّ بأنفاسي أثير صعيدها

كأنّ فؤادي ضاع منّي في الترب

سوابقُ دمعي الحمرُ فيها مغيرةٌ

ومن بلُ كانت في الكمين من الشُّهب

ومن عجبٍ جدبُ الحشا ورسومها

وخدَّ أي من سفح الغمامين في خصب

فمن دمعِ طلٍّ فوق وجنة وردها

يزين لمن ظلٍّ على خضرٍ عذب

ويظمأُ إنساني ودمعي وهدبهُ

كخدِّ غدير في عذارٍ من السحب

وقد قيل أن الورق ربَّات مأتمٍ

فلم رقصت فيها قدودٌ من القضب

سقى الله الوى حلَّ كالأمن في الحشا

وأقلع إقلاعِ المنام من الهدب

حمى ريقهُ عنَّا بألحاظ طرفهِ

فصان الزُّلالَ العذب بالصَّارم العضب

وأطلع شمس الكأس في شرق كفّهِ

وشمسُ الضحى سرٌّ بجانحة الغرب

ولما شربناها أتقى سورةَ الدجى

فأضرم نارَ الوجد في فحمة القلب

وأفهمَ سرَّ الحبّ خطُّ عذارهِ

ولا شكَّ أن الخطّ يفهم ذا اللبّ

وقد نهبت صبري ضعافاً جفونهُ

وناهيك أن يقوى الكسير على النهب

حبيبٌ إلى عشَّاقهِ وهو قاتلٌ

فمقلتهُ تصمي وطلعتهُ تصبي

ولم أرَ مثلي كانياً عن مرادهِ

وما بي من خوفِ لواشٍ على الحبّ

أذمُّ النوى من أجله ولو أنها

تجافت عن الكنديّ قلت لها حسبي

ولا مثل صبري عنهُ لا أسأل الصَّبا

جناحاً واعتاضُ البروقَ من النُّجب

أظلُّ لذكراه أشدُّ براحتي

نوازي حشاً صادٍ إلى لفظهِ العذب

كأنَّ بعطفي نشوةً بابليَّةً

ترنحه أو هزَّةَ الهائم الصبّ

صفا صفوَ أيام الشبيبة والغنى

وما منهما إلاَّ مشتاقاً إليه مع القرب

وما بيننا في كلّ يومٍ وليلةٍ

يمرّان من بحرٍ يعوق ولا درب

هو المنقذي من قبضة الجهل بعدما

غبرتُ ولا أدري العروضَ من الضرب

ومن بعدما أخلفتُ وفراً ووفرةً

ولا فرق بين الخفض عنديَ والنَّصب

لياليَ لم أنفق من القول صفوهُ

ولا ذقتُ من آدابه لذَّة الكسب

ولم أجلُ منهُ كل هيفاءَ سفَّهت

قدود القنا أو أرمدت أعين السّرب

قوافيه الأبصار داهشةٌ لها

شواخصُ والأسماعُ مرفوعةُ الحجب

ولولا خفاءٌ يعتري كلماتها

بناديهِ لأبيَّ المدادُ من العجب

تعفُّ فما في وجهها خجلةُ الخنا

وتسخو فما في عطفها قسوة العضب

وجلَّى كماةُ النظم والدهر حلبةٌ

وصلَّت فجاءت سابقاتٍ على العقب

وأصبحنَ أنساً للمقيم وتحفه الـ

ـعيد وزاد المرملين من الصّحب

له الله ما أسرى إلى المجد همَّةً

وأندى يداً عامَ القطيعة والجدب

وأدنى إلى العافين علماً ونائلاً

وأبعد عرضاً من ملامٍ ومن سبِّ

على الشرق تيهٌ إذ نماه وعزَّةٌ

كما تاهت الحسناء في حلل العصب

تعجَّب قومٌ منهُ أطلع مثلهُ

ولا عجبٌ من كونهِ مطلع الشُّهب

أخو قلمٍ مت جرّدتهُ بنانهُ

فأصبح محتاجاً إلى قاضبٍ عضب

سرى طارقُ النعَّماء في ليل نقسه

فأسهب في حزن البسيطة والسَّهب

معينُ معانِ هنَّ أشهى من الكرى

لطرفٍ وأحلى في وصالٍ من العتب

هو الأبيض الإحسان في كلِّ أزمةٍ

من الدهر والأيَّام مسودَّةُ الذَّئب

خطابة فضلٍ تكسبُ الشمس غيرةً

إذا ما أضاءت جنحَ داجٍ من الخطب

وجودٌ يريك اليوم أخضرَ يانعاً

وقد راحت الأعوامُ في الحلل الشُّهب

غداة يكفُّ الجدبُ من أدمع الحيا

وتسرو يدُ النكباء أرديةَ السُّحب

وتلطمُ وجهَ الأرض في كلّ صفصفٍ

أكفُّ المهارى وهو عارٍ من الخصب

من القوم حلُّوا في التهائم والرُّبى

محلَّ الغوادي في الوهاد من الهضب

إذا أدلج العافون في ضوء نارهم

سروا من هزيع الليل في لاحبٍ رحب

وأن قيل هذا واحدٌ من قبيله

تهلَّل بشرى باسمهِ أوجهُ الرطب

وإن غاض ماءُ الضَّرع وامتقع الثرى

وعمَّ الطَّوى خصوا العراقيب بالحلب

أقاموا من الإسلام زيغ قناتهِ

جهاداً وكفُّوا سطوة العجم والعرب

بما بيَّّضوا بالبيض من طلعة الهدى

وما سوَّدوا بالنقع من أوجه الحرب

همُ واهبو خضرِ الدلاص منوطةً

بحمر المطايا والمطهَّمة القبِّ

همُ الناظمون الناثرون ففي الوغى

وفي السلم فرسانُ الكتائبِ والكتب

فمن قائل فصلاً ومن باذلٍ ندى

ومن قاتلٍ نصلاً ومن غافرٍ ندب

تحلُّ بأحشاء الممالك كلّها

كما اشتملت أحناءُ صدرِ على خلب

فآمنً من خوفٍ وقرَّب من نوى

ونوَّل من عدمٍ وسكّن من شغب

هو السمرُ للوموق في كل بلدةٍ

ومسلاةُ ذي البؤسى وريحانةُ الشَّرب

إذا قطَّب السَّارون جاءت هباتهُ

ضواحكَ من قيس السماحة أو كعب

وفاق أخاهُ البحر زاخر صدره

فلاح على أعطافهِ قلقُ السَّلب

بأعذبَ علماً زيد الخير سيّدَ كندةٍ

كآبائه من قبلُ في سالف الحقب

أولئك أقمارُ العلى ونجومها

فمن واحدٍ يهوي وآخر في العقب

عجبتُ لإعجال النوى كيف أضرمت

بدمعيَ نيرانَ الصبابة والكرب

وكيف أباحت من ضلوعي للأسى

حمى وألانت من عزائمي الغلب

وقد ذقتُ حلو الوجد فيك ومرَّهُ

وأرضعتُ في سهل التباريح والصعب

فما غلّةُ الصادي وما جنَّةُ الهوى

وما أنَّة الشاكي وما صبوةُ الترب

لقد غودرت غيدي الحسان عوانساً

وأمسينَ من نعماك نازحةَ الخطب

وأني لذو فقرٍ إليك وأفاقةٍ

وأن كنتُ محسود الغنى مخصب الشّعب

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الساعاتي، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات