سجعت وقد غنى الحمام فرجعا

ديوان ابن خفاجة

سَجَعتُ وَقَد غَنّى الحَمامُ فَرَجَّعا

وَما كُنتُ لَولا أَن يُغَنّي لَأَسجَعا

وَأَندُبَ عَهداً بِالمُشَقَّرِ سالِفاً

وَظِلَّ غَمامٍ لِلصِبا قَد تَقَشَّعا

وَلَم أَدرِ مانَبكي أَرَسمَ شَبيبَةٍ

عَفا أَم مَصيَفاً مِن سُلَيمى وَمَربَعا

وَأَوجَعُ تَوديعِ الأَحِبَّةِ فُرقَةً

شَبابٌ عَلى رُغمِ الأَحِبَّةِ وَدَّعا

وَما كانَ أَشهى ذَلِكَ اللَيلَ مَرقَداً

وَأَندى مُحَيّا ذَلِكَ الصُبحِ مَطلِعا

وَأَقصَرَ ذاكَ العَهدَ يَوماً وَلَيلَةً

وَأَطيَبَ ذاكَ العَيشَ ظِلّاً وَمَرتَعا

زَمانٌ تَقَضّى غَيرَ عَهدِ مَحاسِنٍ

تَسومُ حَصاةَ القَلبِ أَن تَتَصَدَّعا

تَحَوَّلتُ عَنهُ لَا اِختِياراً وَرُبَّما

وَجَعتُ عَلى طولِ التَلَدُّدِ أَخدَعا

وَمَن لي بِرَدِّ الريحِ مِن أَبرَقِ الحِمى

وَرَيّا الخُزامى مِن أُجارِعِ لَعلَعا

وَقَد فاتَ ذاكَ العَهدُ إِلّا تَذَكُّراً

لَواني عَلى ظَهرِ المَطِيِّ تَوَجَّعا

وَكُنتُ جَليدَ القَلبِ وَالشَملُ جامِعٌ

فَما اِنفَضَّ حَتّى حارَ فَاِرفَضَّ أَدمُعا

وَبَلَّت نِجادي عَبرَةٌ مُستَهِلَّةٌ

أُكَفكِفُ مِنها بِالبَنانِ تَصَنُّعا

وَإِنّي وَعَيني بِالظَلامِ كَحيلَةٌ

لَآبى لِجَنبي أَن يُلائِمَ مَضجَعا

وَأُكبِرُ شَأناً أَن أَرى الصُبحَ أَبيَضاً

بِعَينٍ تَرى رَبعَ الشَبيبَةِ بَلقَعا

كَأَنِّيَ لَم أَذهَب مَعَ اللَهوِ لَيلَةً

وَلَم أَتَعاطَ البابِلِيَّ المُشَعشَعا

وَلَم أَتحامَل بَينَ ظِلٍّ بِسَرحَةٍ

وَسَجعٍ لِغِرّيدٍ وَماءٍ بِأَجرَعا

وَلَم أَرمِ آمالي بِأَزرَقَ صائِبٍ

وَأَبيَضَ بَسّامٍ وَأَسمَرَ أَصلَعا

وَأَبلَقَ خَوّارِ العِنانِ مُطَهَّمٍ

طَويلِ الشَوى وَالساقِ أَقوَدَ أَتلَعا

جَرى وَجرى البَرقُ اليَمانِيُّ عَشِيَّةً

فَأَبطَأَ عَنهُ البَرقُ عَجزاً وَأَسرَعا

كَأَنَّ سَحاباً أَسحَماً تَحتَ لِبدِهِ

يُضاحِكُ عَن بَرقٍ سَرى فَتَصَدَّعا

وَحَسبُ الأَعادي مِنهُ أَن يَزجُروا بِهِ

مُغيراً غُراباً صَبَّحَ الحَيَّ أَبقَعا

كَأَنَّ عَلى عِطفَيهِ مِن خِلَعِ السُرى

قَميصَ ظَلامٍ بِالصَباحِ تَرَقَّعا

رَكَضتُ بِهِ بَحراً تَدَفَّعَ مائِخاً

وَأَقبَلتُ أُمَّ الرَألِ نَكباءَ زَعزَعا

يُؤَلِّلُ مِن أُذنٍ فَأُذنٍ تَشَوُّفاً

إِلى صَرخَةٍ مِن هاتِفٍ أَو تَطَلُّعا

كَأَنَّ لَهُ مِن عامِلِ الرُمحِ هادِياً

مُنيفاً وَمِن ذُلقِ الأَسِنَّةِ مِسمَعا

فَسَكَّنتُ مِنهُ بِالتَغَنّي عَلى السُرى

أُمَسِّحُ مِن أَعطافِهِ فَتَسَمَّعا

وَلَمّا اِنتَحى ذِكرَ الأَميرِ اِستَخَفَّهُ

فَخَفَّضَ مِن لَحنِ الصَهيلِ وَرَفَّعا

حَنيناً إِلى المَلكِ الأَغَرِّ مُرَدَّداً

وَشَجواً عَلى المَسرى القَصِيِّ مُرَجَّعا

فَفي حُبِّ إِبراهيمَ أَعرَبَ صاهِلاً

وَفي نَصرِ إِبراهيمَ كَرَّ تَشَيُّعا

مَليكٌ تَباهى الحَمدُ وَشياً مُذَهَّباً

بِهِ وَتَراءى المَجدُ تاجاً مُرَصَّعا

غَشيتُ بِهِ أَندى مِنَ المُزنِ راحَةً

وَأَطيَبَ أَفياءً وَأَمرَعَ مَربَعا

طَمى الجودُ في يُمناهُ بَحراً وَرُبَّما

تَدَفَّقَ في أَرجائِها فَتَدَفَّعا

وَأَعدى نَداهُ الغَيثَ فَاِنهَلَّ واكِفاً

وَحَسبُكَ مِن سُقياهُ أَن سَجَما مَعا

فَرُبَّ حَديثٍ عَن عُلاهُ سَمِعتُهُ

وَما طائِرُ البُشرى بِأَحسَنَ مَسمَعا

فَيا شائِمي بَرقٍ تَوَضَّحَ مَوهِناً

وَقَعقَعَ إِرعاداً بِنَجدٍ فَأَطمَعا

إِذا كَفَّ مِن قُطرَيكُما عارِضَ النَدى

وَراقَكُما بَرقُ البَشاشَةِ فَاِرتَعا

فَإِنَّ أَبا اِسحاقٍ أَخصَبُ تَلعَةً

وَأَشهى نَدى ظِلٍّ وَأَعذَبُ مَكرَعا

وَحَسبُكُما أَن قَد تَأَسّى بِهِ الحَيا

فَعاوَدَ مِن رُحماهُ ما كانَ أَقلَعا

وَعَزَّ الهُدى مِنهُ بِأَمجَدَ أَوحَدٍ

طَويلِ نِجادِ السَيفِ أَبلَجَ أَروَعا

أَحَلَّ بِهِ العودَ السَليبَ سَماحَةً

وَأَحرَمَ مَطرورَ الظِبا لا تَوَرُّعا

إِذا دَبَّ أَخفى مِن خَيالِ مَكيدَةٍ

تَصَوَّبَ أَسرى مِن شِهابٍ وَأَطلَعا

وَما السَيفُ مِن كَفِّ الكَمِيِّ مُجَرَّداً

بِأَسطى وَراءَ النَقعِ مِنهُ وَأَسطَعا

دَعا بِاِسمِهِ داعي الحَفيظَةِ وَالنَدى

فَلَبّى عَلى شَرخِ الشَبابِ وَأَهطَعا

وَهَبَّ كَما هَبَّ الحُسامُ شَهامَةً

وَعَبَّ كَما عَبَّ الخِضَمُّ تَبَرُّعا

وَجَرَّ بِهِ ذَيلَ الخَميسِ اِبنُ غابَةٍ

تَرَدّى غُلاماً بِالعُلى وَتَلَفَّعا

وَداسَ العِدى رَكضاً وَأَجرى إِلى الوَغى

بِأَطوَعَ مِن يُمناهُ فِعلاً وَأَطبَعا

فَلَم يُدرَ أَيُّ مِنهُما مَنطِقاً

فَصيحاً وَإِفرِنداً كَريماً وَمَقطَعا

فَشَيَّدَ مِن ذاتِ المَكارِمِ وَاِبتَنى

وَرَفَّهَ في جَنبِ الإِلَهِ وَرَفَّعا

وَخَفَّضَ مِن صيتِ الأَبِيِّ وَصَوتِهِ

وَزَلزَلَ مِن رُكنِ العَصِيِّ وَضَعضَعا

وَأَلقَت إِلَيهِ بِالمَقادَةِ قادَةٌ

تَطامَنَ مِن أَعناقِها ماتَرَفَّعا

وَذَلَّلَ مِن أَخلاقِهِ كُلُّ رَيَّضٍ

فَأَصبَحَ خَوّارَ الشَكيمَةِ طَيِّعا

فَمَن مُبلِغُ الأَيّامَ عَنّي أَنَّني

تَبَوَّأتُ مِنهُ حَيثُ شِئتُ تَمَتُّعا

وَطِرتُ ثَناءً وَاِطَّلَعتُ ثَنِيَّةً

فَأَشرَفتُ إِبضاعاً وَأَشرَفتُ مَوضِعا

وَهَل بَقِيَت لِلنَفسِ إِلّا اِطِّلاعَةٌ

إِلى القَلَمِ الأَعلى يَخُطُّ مُوَقِّعا

فَما القَمَرُ الساري بِأَجمَلِ غُرَّةً

وَلا الوابِلُ الغادي بِأَكرَمَ مَصنَعا

فَهَنُئتَ عيداً قَد تَلَقّاكَ قادِماً

وَلَم يَكُ لَولا أَن طَلَعتَ لَيَطلُعا

وَحَسبُكَ جَدَّ قَد أَظَلَّكَ قادِماً

فَما هُوَ إِلّا أَن تَقولَ فَيَسمَعا

وَحَيّاكَ مِن فَرعٍ لِأَشرَفِ دَوحَةٍ

نَسيمٌ كَأَنفاسِ العَذارى تَضَوَّعا

يُلاعِبُ مِن خوطِ الأَراكَةِ مَعطَفاً

وَيَمسَحُ مِن مَسرى الغَمامَةِ مَدمَعا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن خفاجة، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات