زارت ونجم الدجى يشكو من الأرق

ديوان لسان الدين بن الخطيب

زارتْ ونجْمُ الدُجَى يشْكو منَ الأرَقِ

والزّهْرُ سابِحَةٌ في لُجّةِ الأفُقِ

واللّيلُ منْ روْعةِ الإصْباحِ في دهَشٍ

قدْ شابَ مفرِقُهُ منْ شِدّةِ الفَرَقِ

وأوْشَكَتْ أنْ تضِلَّ القَصْدَ زائِرَةٌ

لوْلا أتَتْني في باقٍ منَ الرّمَقِ

قالتْ تَناسَيْتَ عهْدَ الحُبِّ قُلْتُ لَها

لا والذي خلَقَ الإنسانَ منْ علَقِ

ما كان قطُّ تَناسِي العهْدِ من شِيَمي

ولا السُّلُوُّ عنِ الأحْبابِ منْ خُلُقي

ولا ترحّلْتُ عنْ مَغْناكِ منْ ملَلٍ

قد يُتْرَكُ الماءُ يوْماً خِيفَةَ الشّرقِ

كمْ ليلةٍ بتُّها والطّيْفُ يشهدُ لي

لمْ تطْعَمِ النّوْمَ أجْفاني ولمْ تذُقِ

أشكو الى النّجْمِ وهْناً ما أُكابِدُهُ

حتّى شَكا النّجْمُ منْ وجْدي ومِنْ قَلَقي

يا لائِميَّ أفِيقا منْ ملامِكُما

فإنّني مذْ سُقِيتُ الحُبَّ لمْ أفِقِ

هلْ تذْكُرانِ لَيالِينا وقد نفَحَتْ

ريحُ الصَّبا في رِياضِ للصَّبا عَبِقِ

وإذْ نَعِمْنا برَغْمِ الدّهْرِ فيهِ وقدْ

عضّ الأنامِلَ منْ غيْظٍ ومِنْ حنَقِ

بكُلِّ ساحِرَةِ الألْبابِ آيَتُها

أنْ تُطْلِعَ الشّمْسَ في جُنْحٍ منَ الغسَقِ

تُنازِعُ الغُصْنَ لدْناً في تأوّدِهِ

وتخْصِمُ الرّيمَ في الألحاظِ والعُنُقِ

والرّوضُ يجْلو عِذارِيَهْ وقدْ لبِسَتْ

عَقائِلُ الوُرْقِ دِيباجاً منَ الوَرَقِ

كأنّما الغُصْنُ فيه شارِبٌ ثمِلٌ

بكأسِ مُصْطَبِحٍ في الأُنْسِ مغْتَبِقِ

فكلّما ارْتاحَ هزّ العِطْفَ منْ طرَبٍ

وزادَ زَهْواً بمَنْثورٍ منَ الوَرَقِ

كأنّما الدّوْحُ والأغصانُ جائِلَةٌ

قد جادَها كلُّ جهْمِ الغيْثِ مُندَفِقِ

كأنّما الطّلُّ إذ طُلَّ الشّقيقُ به

خدٌّ بصَفْحَتِهِ رشْحٌ منَ العَرَقِ

همّتْ ثُغورُ الأقاحي أنْ تُقَبّلهُ

فلِلْبَنفْسَجِ وجْهُ الواجِمِ الحَنِقِ

كأنّ أوْراقَهُ والرّيحُ تعطِفُها

سَواعِدٌ رفَعَتْ خُضراً منَ الورَقِ

كأنّما الآسُ آذانُ الجِيادِ وقدْ

شعَرْنَ بالرّوْعِ في قَفْرٍ منَ الطُرُقِ

كأنّما النّهْرُ في أثْنائِهِ أفُقٌ

والوَرْدُ في الشّطِّ منْهُ حُمرةُ الشّفَقِ

أو سيْفُ يوسُفَ يوْم الرّوْع سالَ بهِ

نَجيعُ أعْدائهِ المحمرُّ في الزُّرَقِ

إمامُ عدْلٍ يُحبُّ اللهُ سيرَتَهُ

عفُّ العُيونِ كريمُ الخَلْقِ والخُلُقِ

أقامَ للدّينِ قِسْطاساً فأمّنَهُ

ما سامَهُ الجَوْرُ منْ بخْسٍ ومنْ رهَقِ

وعمّ بالرِّفْقِ هذا القُطْرَ فابْتَدَرَتْ

تنْمي مآثِرَهُ جوّابَة الأفُقِ

أقولُ للرّاكبِ المُزْجي مطِيّتَهُ

يحُثّها السّيْرَ بيْنَ النّصِ والعنَقِ

يا زاجرَ العيسِ أنْضاءً مُضَمّرَةً

كأنّها أسْهمٌ يمرُقْنَ عنْ فوَقِ

أهِلّةٌ ما لَها عهْدٌ بمنزِلَةٍ

منْ كلِّ منْخَسِفِ الجثْمانِ منْمَحِقِ

أرِحْ رِكابَك قد أوْرَدْتَ في نهَلٍ

وقدْ ظفِرْتَ بحبْلِ اللهِ فاعْتلِقِ

حلَلْتَ بالمنزِلِ المَحْبُوِّ نائِلُهُ

ببابِ ملْكٍ لبابِ البِرِّ مُسْتَبِقِ

نمَتْهُ أمْلاكَ صِدْقٍ بلْ ملائِكَةً

منْ كلِّ مُحْتَزِمٍ بالحَزْمِ منْتَطِقِ

آثارُهُمْ في سَماءِ المُلْكِ لائِحَةً

تَهْدي وذِكْرُهُمُ مسْكٌ لمُنْتَشِقِ

وحلّ منْ محتِدِ الأنصارِ منْتَسِباً

في معْشَرِ صُبرٍ عنْدَ الوَغى صُدُقِ

حِزْبُ النّبيّ الأُلَى إنْ روْعةٌ دهَمَتْ

مِلْءَ الفَضا لمْ تهِنْ ذَرْعاً ولم تضِقِ

يا قائِدَ الخيْلِ ترْدِي في أعنّتِها

هَزْلَى الأباطِن والأنْساءِ والصُّفُقِ

منْ كلِّ أحْمَرَ ورْديٍّ تُنازِعُهُ

ظِباءُ وجْرَةَ في الألْوانِ والخِلَقِ

وأشْهَبٍ في سَماءِ النّقْعِ مخْتَرِقٍ

كأنّه قاذِفٌ يهْوي لمُسْتَرِقِ

وأدْهَمِ اللوْنِ إنْ أبْداكَ غُرّتَهُ

تخالُ زِنْجيّةً تفترُّ عن يَقَقِ

كأنّه وهْوَ بالظَّلْماءِ مُشْتَمِلٌ

خاضَتْ قَوائِمُهُ نهْراً منَ الفَلَقِ

وأبْلَق شُغِفَتْ حُورُ العُيونِ بهِ

كأنّما عطَفَتْها نسبَةُ الحدَقِ

تُشارِكُ اللّيْلَ في إحْكامِ صنْعَتِه

واليوْمَ واتّفَقا فيهِ علَى البَلَقِ

أنتَ الذي خاصَمَتْ فيك السّيوفُ الى

أنْ خلّصَ الحقُّ رهْنَ المُلْكِ منْ غلَقِ

وأنتَ أمّنْتَ حقاً ثغْرَ أنْدَلُسٍ

وقلْبُ ساكِنِها يرتجُّ منْ خفَقِ

قد عاوَدَتْ دولَةُ الإسلامِ جِدّتَها

والكُفْرُ مُشتَمِلٌ بالواهِنِ الخَلِقِ

فأفْلِقِ البيضَ واهْزُزْ كلَّ غالِبَةٍ

فالدّينُ في مَرَحٍ والكُفْرُ في وهَقِ

حتى إذا الرّومُ رامَتْ فُرصَةً ونَزا

يوماً مُنافِقُها الأشْقَى عنِ النّفَقِ

فاهْزُز برُعْبِكَ قبلَ الجيْشِ ما جمَعوا

واضْرِبْ بسَعْدِكَ قبل الصّارمِ الذَّلِقِ

واسْتقْبلِ الفتْحَ والنّصْرَ الذي نطَقَتْ

آثارُه بصَحيحٍ غيرِ مُخْتَلَقِ

وإنْ شكَتْ مرْهَفاتُ البيضِ منْ ظمَأٍ

فسقِّها عَلَلاً صِرْفاً منَ العَلَقِ

وإنْ هُمُ جنَحوا للسِّلْمِ واعْتَلَقوا

منْها بمُسْتَحْكَمِ الأسْبابِ والعُلَقِ

اجْنَحْ لها بكتابِ اللهِ مُقْتدياً

إذ ذاكَ واسْتَبْقِ فلاًّ منْ ظُباكَ بَقي

واهْنأ بقابِلِ أعْيادٍ مَواسِمُها

منْظومةً ككُعوبِ الرُّمْحِ في نسَقِ

في ظلِّ ممْلَكة منْ دونِ ساحَتِها

رِدْءٌ منَ اللهِ يحْمي حَوْزَها ويَقي

موْلايَ دونَكَها عِقْداً فرائِدُهُ

تُزْهى بمنتَظِمِ الإبْداعِ متّسقِ

يوَدُّها الدوْحُ في أغْصانِهِ زهَراً

غضّاً وتحْسِدُها دارينُ في العبَقِ

تُزْري بطيبِ أواليها أواخرُها

كذلِكَ السّبْقُ يبْدو آخِرَ الطّلقِ

لو جِئْتُ في حلْبَةِ العُرْبِ التي سبقَتْ

ما كُنْتُ في القوْمِ إلا حائِزَ السّبَقِ

وإنْ تأخّرَ بي عنْ جيلِهمْ زمَني

فربّما جاءَ معْنى الصّبْحِ في اللّحَقِ

والعقْلُ كالبَحْرِ إن هالَتْكَ هيبتُهُ

فالشّعْرُ يسْبُرُ منْهُ مُنْتَهى العُمُقِ

فإنْ وفّيْتُ بمعنى المدْحِ فهْوَ جَنى

روْضٍ بإنعامِكَ السّحَّ الغَمامُ سُقي

وإنْ عجَزْتُ فعَنْ عُذْرٍ وثقتُ بهِ

مَنْ رامَ عدَّ الحَصى والقَطْرَ لم يُطِقِ

وإنْ وفَيْتُ ببَعْضِ القوْلِ رُبَّتَما

يكْفي منَ العِقْدِ ما قدْ حفَّ بالعُنُقِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات