زارت وقد صرف العنان الغيهب

ديوان لسان الدين بن الخطيب

زَارَتْ وَقَدْ صَرَفَ العِنَانَ الغَيْهَبُ

وَالصُّبْحُ يُنْشَرُ مِنْهُ بَنْدٌ مُذْهَبُ

وَالزَّهْرُ فِي نَهْرِ المَجَرَّةِ بَعْضُهَا

يَطْفُو بِصَفْحَتِهَا وَ بَعْضٌ يَرْسُبُ

وَكَأَنَّمَا الفَلَكُ المُكَوْكَبُ غَادَةٌ

زُفَّتْ وَحَلَّ لَهَا الحُلِيَّ المَغْرِبُ

وَالدَّوْحُ صَلَّى بِالتَّحِيَّاتِ الَّتِي

أَلْقَى بِمَسْمَعِهِ النَّسِيْمُ الطَّيِّبُ

وَالطَّيْرُ قَدْ نَفَضَ الجَنَاحَ مُؤَذِّنَاً

وَالْوُرْقُ تَتْلُو وَالبَلاَبلُ تَخْطُبُ

بِكْرٌ مِنَ السَّحْرِ الحَلالِ بِبَابِلٍ

تُنْمَى إلَى هَارُوتِهِ إِذْ تُنْسَبُ

مَحْجُوْبَةٌ فِي خِدْرِ طِرْسٍ دُونَهَا

لِلْحُسْنِ مِنْ غُرِّ المَعَانِي مَوْكِبُ

مَمْنُوعَةُ الأَبْيَاتِ بِالْبِيْضِ الظُّبَا

فَالنَّجْمُ لِلطُّرَّاقِ مِنْهَا أَقْرَبُ

الْبَابَ رَبَّاتِ الحِجَالِ بَلِ الحِجَى

كَيْفَ اهْتَدَيْتَ وَمَا اسْتَبَانَ المَذْهَبُ

قَدْ كُنْتُ أَقْنَعُ مِنْكَ فِي سِنةِ الكَرَى

بِالْطَّيْفِ فَضْلاً عَنْ مَزَارٍ يَقْرُبُ

وَيَئِسْتُ إِذْ عَاقَتْكِ أَحْرَاسُ العِدَى

عَنْ زَوْرَتِي وَتَألَّفُوا وَتَأَلَّبُوا

تَاللهِ لَوْ أَرْسَلْتِ طَيْفَكِ لأَنْثَني

خَوْفَ القَوَاطِعِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ

فأَبيْتِ إلاَّ أَنْ تُبَرِّدَ غُلَّةٌ

لَوْ عُلِّلَتْ بِالْبَحْرِ كَانَتْ تُلْهَبُ

فَرَغَ الإِلاهُ مِنَ الحَظُوظِ فَعَدَّ عَنْ

حَظِّ تَكِدُّ لَهُ فَحَظُّكَ يَطْلُبُ

قَسَماً بِمُهْدِيْكِ الَّذِي أَنْوَارُهُ

كَالشَّمْسِ إلاَّ أَنَّهَا لاَ تَغْرُبُ

لَنَعِشْتِ مِنِّي مُهْجَةً مَطْلُولَةً

وَأَنَلْتِني فَوْقَ الذي أَنَا أَطْلُبُ

إِيهٍ أَبَا حَسَنٍ بِأَيِّ عِبَارَةٍ

أُثْنِي عَلَى عُلْيَاكَ عَزَّ المَطْلَبُ

طَوَّقْتَنِي مِنْهَا قِلادَةَ مَفْخَرٍ

فِي مِثْلِهَا بَاغِي المَكَارِم يَرْغَبُ

هَذا وَكَمْ لَكَ مِنْ يَدٍ مَشْفُوعَةٍ

لاَ يَسْتَقِلُّ بِحَمْلِهَا لِي مَنْكَبُ

وَتَوَخَّنِي بِالْعُذْرِ إِنَّ قَرِيحَتِي

كَالضَّرْعِ جَفَّ وَشَحَّ مِمَّا يُحْلَبُ

أَمَّا دُعَاؤُكَ لِي فعلمي أنه

ما أن له إلا العناية موجب

والوقت فيه لِلْقَبُولِ مَظِنَّةٌ

وَبِسَاطُ حَالِ الوَقْتِ عَنْهُ يُعْرِبُ

هَذَا جَنَيَ غَرَسَتْهُ كَفّ رِضَاكَ لِي

فَهَصَرْتَهُ وَهْوَ الْكَثِيرُ الأَطْيَبُ

وَنَتِيجَةٌ قَدَّمْتُ عِنْدَ قِيَاسِهَا

مَا يُوجِبُ الإِحْسَانَ لاَ مَا يَسْلُبُ

لَكِنْ غَدَوْتُ بِرَغْمِ أَنْفِي قَاعِداً

وَالدَّمْعُ مِنْ عَيْنيِ يَفِيضُ وَيُسْكُبُ

وَتَنَازَعَ الْقَصْدَانَ عَزْمِي عِنْدَهَا

فَالضَّعْفُ يُمْسِكُ وَالتَّشَوُّقُ يَجْذِب

وَإِلَيْكَهَا كَالْبَحْرِ قِيسَ بِمِذْنَبٍ

وَالشَّمْسِ نَازَعَهَا الضَّيَاءَ الْكَوكَبُ

وَالْعَزْمُ بَيْنَ الْمَقْصَدَيْن مُرَدَّدٌ

وَالْقَلْبُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ مُذبْذَبُ

وَلَوَانَّنِي أَلفَيْتُ طِرْفاً يُرْتَضَى

لِلْفَرِّ وَالتَّأَوِيلُ فِيهِ يُجَنَّبُ

وَإذَا تَبَيَّنَتِ الْمَقَاصِدُ لَمْ يَكُنْ

فِيهَا أَخُو جِدٍّ كَمَنْ هُوَ يَلْعَبُ

لَبَذَلْتُ فِيهَا كُلَّ مَا مَلكَتْ يَدي

وَحَثَثْتُهَا لِلْحَرْبِ فِيمَا أَحْسَبُ

وَهَزَزْتُ فِيهَا كُلَّ أَسْمَرَ ذَابِلٍ

يَشْقَى بِطَعْنَتِهِ الْعَدُوُّ الأَصْهَبُ

مَا بِنْتُ عَنْهُ لِفَرْطِ جُبْنٍ فَاضِحٍ

كَلاَّ فَمَا قَلْبِيِ لِذُعْرٍ يُنْخَبُ

والحَتْفُ غَايَةُ مَنْ يَرُوحُ وَيَغْتَدي

فَإِذَا فَرَرْتَ إِلَيْهِ مِنْهُ الْمَهْرَبُ

وَحَذَرْتَ لِي عُقْبَي الْقَطِيعَةِ جَاهِداً

وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالسَّبِيلُ الأَصْوَبُ

لَكِنْ لَدَيَّ فِرَاسَةٌ مَعْضُودَةٌ

فَإِذَا ظَنَنْتُ فَإِنَّهَا لاَ تَكْذِبُ

وَالشَّرْعُ يَعْتَبِرُ الظُّنُونَ وَسِيَّمَا

ظَنٌّ يَكَادُ الْحَقُّ فِيهِ يَغْلِبُ

كِلْنِي لِعِلْمِي فِي صِحَابِي إِنَّنِي

بِهْمُ خَبيرٌ مَاهِرٌ وَمُجَرِّبُ

لَكَ ظَاهِرٌ مِنْهُمْ حَكِمْتَ بِهِ وَلِي

مِنْهُمْ بَوَاطِن عَنْ عِيَانِكَ غُيَّبُ

سِيَّانِ مِنْهُمْ وَاصِلٌ أَوْ هَاجِرٌ

أَوْ عَاذِرٌ أَوْ عَاذِلٌ وَمُؤَنِّبُ

مَهْمَا جَفَانِي صَاحِبٌ فِي النَّاسِ وَلِي

سَعْةٌ وَفي عَرْضِ الْبَسِيطَةِ مَذْهَبُ

لاَ تَسْتَقِرُّ عَلَى التَّنَافُسِ صُحْبَةٌ

وَمَوَدَّةُ الأَكْفَاءِ أَمْرٌ يَصْعُبُ

وَالِماَء إِنْ أَلِفَ الثَّوَاءَ تَغَيَّرتْ

أَوْصَافُهُ وَعَلاَ عَلَيْهِ الطُّحْلُبُ

إِنَّ الصَّدَاقَةَ لَفظَةٌ مَدْلُولُهَا

فِي الدَّهْرِ كَالْعَنْقَاءِ بَلْ هُوَ أَغْرَبُ

كَمْ فِضَّةٍ فُضَّتْ وَكَمْ مِنْ ضَيْعَةٍ

ضَاعَتْ وَكَمْ ذَهَبٍ رَأَيْنَا يَذْهَبُ

إلاَّ الصَّدَافَةَ فَهْيَ ذُخْرٌ خَالِدٌ

أسْمَى وَأَسْنَى مَا اكْتَسَبْتَ وَتكْسِبُ

وَإِذَا رَضِيتَ وَقَدْ رَضِيتَ فَلَيْسَ لِي

عِلْمٌ بِمَنْ يَرْضَى وَلاَ مَنْ يَغْضَبُ

وَإِذَا بَقيِتَ فَلَسْتُ أَبْكِي مَنْ مَضى

لِم لاَ وأَنْتَ الأَهْلُ عِنْدِي وَالأَبُ

أَمَحلَّ وَالِدِيَ الَّذِي لِجَنَابِهِ

آوي وَفِي مَرْضَاتِهِ أَتقَلَّبُ

خَيَّرْتَنِي بَيْنَ الْمُقَامِ أَو السُّرَى

وَالأَمْرُ يُفْصِحُ بِالْمَسِير وَيُعْرِبُ

فَتَرَجَحَ العزمُ الصريحُ وساقِطٌ

حُكْمُ الإِباحَةِ مَا اسْتَبَان الأوْجَبُ

وَوَعَدْتَ بِالْعُذْرِ الْجَمِيلِ وَإِنَّنِي

لأَخَافُ مَنْ يَبْغِي وَلاَ مَنْ يُعْتِبُ

نُبَّهْتُ لَمَّا نِمْتُ عَنْكَ مُؤَمِّلاً

يُرْدِي الأَعَادِي مِنْكَ مَاضٍ مِقْضَبُ

فَامْدُدْ لَهَا كَفّاً بُنَيَّةَ سَاعَةٍ

لكِنْ أَبُوهَا دُونَ فَخْر مُنْجِبُ

وَإِذَا أَتَتْكَ عَشِيَّةً فانْشُدْ لَهَا

عَارَضْنَنَا أَصُلاً فَقُلنا الَّربْرَبُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات