رويداً بعض نوحك يا حمام

رويداً بعض نوحك يا حمام - عالم الأدب

رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ

أَجِدَّكَ لا تُنِيمُ وَلا تَنامُ

أَكُلَّ الدَهرِ تَذكاراً وَنَوحاً

أَما فَنِيَ اِشتِياقكَ وَالغَرامُ

هَتَفتَ فَهِجتَ لي شَوقاً فَقُل لِي

حَمامٌ أَنتَ وَيحَكَ أَم حِمامُ

وَرِفقاً إِنَّ جارَكَ مِن غَرامٍ

وَمِن قَلَقٍ لَيُؤلِمُهُ الكَلامُ

أَتَذكُرُ هالِكاً مِن عَهدِ نُوحٍ

مَضى وَالدَهرُ حِينَئِذٍ غُلامُ

وَأَنسى خِلَّتِي وَالعَهدُ مِنّي

قَرِيبٌ لَم يَمُرَّ عَلَيهِ عامُ

شُفيتَ وَلا شَقيتَ بِفَقدِ إِلفٍ

فَنِعمَ العَهدُ عَهدُكَ وَالذِمامُ

وَلَكِنّي أَراكَ ضَنينَ عَينٍ

وَعَيني ماؤُها أَبَداً سَجامُ

رَعى اللَهُ الثُلَيمَ وَساكِنِيهِ

وَأَجرَاعاً تَكنَّفَها الثلامُ

وَجادَ مِنَ الجَديدِ إِلى المُصَلّى

إِلى الحِصنَينِ وَكّافٌ رُكامُ

فَمَسرَحُ لَذّتي وَمَراحُ لَهوِي

هُنالِكُمُ وَجِيرَتِيَ الكِرامُ

وَمَلعَبُ كُلِّ غانِيَةٍ كَعابٍ

مُخَدَّمَةٍ يَزينُ بِها الخِدامُ

يَراها القابِسُ العَجلانُ لَمحاً

فَيَبقى لا وَراءُ وَلا أَمامُ

وَتُرسِلُ مِن لَواحِظِها سِهاماً

فَتَمضي حَيثُ لا تَمضي السِهامُ

مَضى ذاكَ الزَمانُ فَلَيتَ أَنّي

صَدىً مِن قَبلِ مَمضاهُ وَهامُ

وَأَسلَمَني الشَقاءُ إِلى زَمانٍ

مَصائِبُهُ كَما اِنهَلَّ الغَمامُ

نَهارٌ لا أُسَرُّ بِهِ وَلَيلٌ

يَنامُ بِهِ السَليمُ وَلا أَنامُ

تَلاعَبُ بِيَ خَواطِرُ مِن هُمُومٍ

كَما لَعِبَت بِشارِبها المُدامُ

إِذا ما قُلتُ أَهجَعُ بَعضَ لَيلي

أَتَت ذِكَرٌ يُقَضُّ لَها المَنامُ

فَعَزماً صاحِبَي رَحلي وَإِلّا

فَشاعَكُما وَخِلَّكُما السَلامُ

فَكَم أُبلى بِصُحبَةِ كُلِّ نَذلٍ

خَسيسٍ ما لِصُحبَتِهِ دَوامُ

أَقُولُ لَهُ فَيَحسِبُ ذاكَ هَزلاً

وَبَعضُ القَولِ تَجهَلُهُ الطَغامُ

لعَمرُكَ ما لَؤُمت أَباً وَلَكِن

أُناسٌ سَوَّدُوكَ هُمُ اللِّئامُ

فَمَسُّ الأَرضِ أَو أَلقى عَلِيّاً

عَلى رَحلي وَراحِلَتي حَرامُ

فَيَومَ أَرى عَلِيّاً لا أُبالي

أَإِعوَجَّ اللِئامُ أَمِ اِستَقامُوا

أَغَرُّ الوَجهِ مَن يَصحَبهُ يصحَب

جَواداً لا يُليمُ وَلا يُلامُ

تُرَجِّيهِ العُفاةُ وَتَتَّقِيهِ

هِجانُ المالِ وَالجَيشُ اللُهامُ

تَفُلُّ السَيفَ عَزمَتُهُ وَيُحيي

نَداهُ ما نَبا عَنهُ الغَمامُ

نَفُورٌ عَن مُداناةِ الدَنايا

وَصَبٌّ بِالمَكارِمِ مُستَهامُ

تَرى عِندَ المَديحِ لَهُ اِهتِزازاً

كَما يَهتَزُّ لِلضَربِ الحُسامُ

يُقِرُّ بِفَضلِهِ قارٍ وَبادٍ

وَيَحسِدُ مِصرهُ يَمَنٌ وَشامُ

يَحُلُّ المَجدُ أَرضاً حَلَّ فيها

وَتُضرَبُ لِلعُلا فِيها الخِيامُ

إِذا ما الحِلمُ عُدَّ فَما ثَبيرٌ

وَما حَضَنٌ لَدَيهِ وَما شَمامُ

يُقَصِّرُ حاتِمٌ في الجُودِ عَنهُ

وَكَعبٌ وَالبَرامِكَةُ الكِرامُ

وَعَمرٌو في اللَقاءِ عَلَيهِ كَلٌّ

وَعَوفٌ في الوَفاءِ لَهُ غُلامُ

لُكَيزِيُّ المَناسِبِ عامِرِيٌّ

مَلِيكٌ لِلمُلُوكِ بِهِ اِعتِصامُ

سَليلُ عُلاً له مِن كُلِّ مَجدٍ

ذُرى العَلياءِ مِنهُ وَالسَنامُ

تَرى لِلخَيلِ في الهَيجاءِ عَنهُ

شُرُوداً مِثلَما شَرَدَ النَعامُ

لَئِن نَفَرَت كُماةُ الحَربِ عَنهُ

إِذاً فَلَها بِعَقوَتِهِ اِزدِحامُ

نَماهُ إِلى ذُرى العَليا غَريرٌ

وَإِبراهيمُ والِدُهُ الهُمامُ

وَإِن تَذكُر أَبا جَروانَ غُضَّت

لَهُ الأَبصارُ وَاِنقَطَعَ الكَلامُ

عَلِيٌّ أَنتَ هَذِي الشَمسُ نُوراً

إِذا طَلَعَت وَذا الناسُ الظَلامُ

وَأَنتَ أَجَلُّ حينَ يَنُوبُ خَطبٌ

وَأَعظَمُ أَن يُقاسَ بِكَ الأَنامُ

إِذا أَهلُ المَكارِمِ ضَيَّعُوها

فَأَنتَ لِكُلِّ مَكرُمَةٍ نِظامُ

عَداني أَن أَزُورَكَ حادِثاتٌ

إِذا ذُكِرَت تَذُوبُ لَها العِظامُ

وَأَسبابٌ جَرَينَ وَكَيدُ أَمرٍ

قُعُودي في النَدِىِّ لَهُ قِيامُ

وَما تَركي زِيارَتَكَ اِختِياراً

وَلَكِن طالَما مُنِعَ المَرامُ

فَداكَ مِنَ الرَدى جَهمُ المُحَيّا

سَحابُ سَمائِهِ أَبَداً جَهامُ

عَبُوسٌ إِذ يُقابِلُ وَجهَ حُرٍّ

وَبَينَ المُومِساتِ لَهُ اِبتِسامُ

جَوادٌ حينَ يُلعَنُ وَالِداهُ

وَتُقرَعُ أَنفُهُ وَكَذا اللِئامُ

يُعِزُّ مُهِينَهُ وَيُهينُ لُؤماً

مُكَرِّمهُ كَذا النُطَفُ الحَرامُ

يَخافُ الضَيفَ يَقرِضُ حاجِبَيهِ

وَلا سِيما إِذا حَضَرَ الطَعامُ

ليَهنِكَ ما مَنَحتُكَ مِن ثَناءٍ

بِهِ لا غَيرِهِ يَجِبُ القِيامُ

وَلَستُ بِمادِحٍ سَفسافَ قَومٍ

وَإِن قالُوا لَهُ مالٌ رُكامُ

أَبى لي ذاكَ أَنّي مِن قُرومٍ

صَهاميمٍ تُسِيمُ وَلا تُسامُ

هَديرُ البُزلِ عِندَهُمُ كَشيشٌ

وَزَأرُ الأُسدِ عِندَهُمُ بُغامُ

وَقَولُهُمُ لَدى الإِعطاءِ فَذٌّ

وَضَربُهُمُ لَدى الهَيجا تُؤامُ

وَنَفسٌ لا تُريعُ لِوردِ سُوءٍ

وَلَو بَلَغَ الفَناءَ بِها الحيامُ

وَإِنّي لَلغَنيُّ وَإِن نَبا بِي

زَمانُ السُوءِ وَاِختُلِجَ السَوامُ

وَأَنتَ أَديمُ سَعدِكَ مِن أُناسٍ

أَخيرُهُمُ لِغَيرِهِمُ إِمامُ

وَلَولا ذاكَ عَن قُربى وَوُدٍّ

لَكانَ عَنِ المَديحِ لِيَ اِحتِشامُ

فَطُل مَجداً وَزِد شَرَفاً وَفَخراً

عَلى شَرَفٍ وَفَخرٍ لا يُرامُ

وَعِش في نِعمَةٍ وَدَوامِ عِزٍّ

بِمَنعَةِ مَن يُضيمُ وَلا يُضامُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن المقرب العيوني، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات