رقت لنا حين هم الصبح بالسفر

ديوان صفي الدين الحلي

رَقَّت لَنا حينَ هَمَّ الصُبحُ بِالسَفَرِ

وَأَقبَلَت في الدُجى تَسعى عَلى حَذَرِ

راضَ الهَوى قَلبَها القاسي فَجادَ لَنا

وَكانَ أَبخَلَ مِن تَمّوزَ بِالمَطَرِ

رَأَت غَداةَ النَوى نارَ الكَليمِ وَقَد

شَبَّت وَلَم تُبقِ مِن قَلبي وَلَم تَذَرِ

رَقَّت إِلى الصَبِّ طولَ الوَصلِ راقِيَةً

فَقُلتُ قَد جِئتَ يا موسى عَلى قَدَرِ

رَبيبَةٌ لَو تَراها عِندَما سَفَرَت

وَالبَدرُ ساهٍ إِلَيها سَهوَ مُعتَذِرِ

رَأَيتَ بَدرَينِ مِن شَمسٍ وَمِن قَمَرٍ

في ظِلِّ جِنحَينِ مِن لَيلٍ وَمِن شَعَرِ

رَشَفتُ بُردَ الحُمَيّا مِن مَراشِفِها

فَنَبَّهَتني إِلَيها نَسمَةُ السَحَرِ

رَنَت نُجومُ الدُجى نَحوي فَما نَظَرَت

مَن يَرشُفُ الراحَ لَيلاً مِن فَمِ القَمَرِ

راقَ العِتابُ فَأَبدَت لي سَرائِرَها

في لَيلَةِ الوَصلِ بَل في غُرَّةِ القَمَرِ

رَثَت فَلَمّا رَأَت رُسلَ النَوى فَغَدَت

تُطيلُ عَتبي وَعُمرُ اللَيلِ في قِصَرِ

رَحبٌ مَقامي بِمَغناها فَمُذ نَظَرَت

ذَمَّ المَطِيَّ قَضَت لِلصَفوِ بِالكَدَرِ

ريعَت لِذَمِّ المَطايا لِلسُرى قَعَدَت

وَأَحذَرَتني مِنَ الأَهوالِ في سَفَري

رامَت بِذَلِكَ تَخويفي فَقُلتُ لَها

عِندي مِنَ الخُبرِ ما يُغني عَنِ الخَبَرِ

رِدي فَما ضَرَّني هَولٌ أُكابِدُهُ

وَنائِلُ المَلِكِ المَنصورِ في الأَثَرِ

رَبِّ النَوالِ وَمَحمودِ الخِصالِ وَمِق

دامِ النِزالِ وَأَمنِ الخائِفِ الحَذِرِ

راعي الأَنامِ بِعَينٍ غَيرِ راقِدَةٍ

قَد وُكِّلَت في أُمورِ المُلكِ بِالسَهَرِ

رَحبِ الذِراعَينِ لَولا صُبحُ غُرَّتِهِ

لَأَصبَحَ الجودُ فَجراً غَيرَ مُنفَجِرِ

راضٍ مَعَ السَخطِ يُبدي عَزمَ مُنتَقِمٍ

لِلمُذنِبينَ وَيَعفو عَفوَ مُقتَدِرِ

راحاتُهُ مُذ نَشا في المُلكِ قَد عَهِدَت

يَومَ النَدى وَالرَدى بِالنَفعِ وَالضَرَرِ

رَوى مَناقِبَهُ الراوي فَقُلتُ لَهُ

جَلَوتَ سَمعي فَهَل تَجلو بِهِ بَصري

رُح أَيُّها المَلِكُ المَنصورُ وَاِغدُ عَلى

هامِ العُلى آمِناً مِن حادِثِ الغِيَرِ

رَسَمتَ جوداً حَكى الطَوفانَ فَاِعتَصَمَت

مِنهُ الخَلائِقُ بِالأَلواحِ وَالدُسُرِ

رَفِقتَ بِالناسِ في كُلِّ الأُمورِ فَقَد

أَضحى الزَمانُ إِلَيهِم شاخِصَ البَصَرِ

رَبَوا لَدَيكَ فَلَولا أَنَّ بَعضَهُمُ

تُجَلَّ عَنهُ لَقُلنا يا أَبا البَشَرِ

رُعتَ العِدى بِحُسامٍ لَو عَدَلتَ بِهِ

عَنهُم لَأَغناكَ عَنهُ صارِمُ القَدَرِ

رَفَعتَ ذِكرَكَ في يَومِ الهِياجِ بِهِ

فَأَذكَرَتني بِحَدِّ الصارِمِ الذَكَرِ

رَمَت إِلَيكَ بِنا هوجٌ مُضَمَّرَةٌ

كَأَنَّها في الدُجى قَوسٌ بِلا وَتَرِ

راحَت إِلى جَنَّةٍ حَلَّ العُفاةُ بِها

في الخُلدِ وَاِتَّكَأوا فيها عَلى سُرُرِ

رَجَعتُ أَعتِبُ نَفسي في تَأَخُّرِها

عَنها وَطَوراً أُهَنّي النَفسَ بِالظَفَرِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات