رضيت بالدون لما لم أجد وزرا

ديوان الشريف المرتضى

رضيتُ بالدّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً

ولو وجدتُ لَما أُرضيتُ بالدُّونِ

كَم ذا أُعالجُ إمّا كاشحاً حَنِقاً

أَوْ أُبتَلى بصديقٍ غيرِ مأمونِ

ما زلتُ بُقياً على الأحوالِ تجمعنا

أُطيعه وهو طولَ الدّهرِ يعصيني

بُعداً وسُحقاً لقومٍ لا حِفاظَ لهمْ

كنزتُ عندهمُ وُدّاً فملّوني

ما زلتُ فيهم وَصولاً مَن يقاطعني

ورائشاً عندهمْ من كان يَبريني

منُّوا عليَّ بأن لم يسلبوا نَسَبِي

سَقْياً ورَعْياً لفضلٍ غير ممنونِ

مِن كلِّ أَخرَقَ مأسورٍ بشهوتِهِ

مُخَدَّعٍ برخاءِ العيشِ مفتونِ

ظنّوا وليس لهمْ فضلٌ يقدّمهم

إنّ التقدّمَ في أَيدي السَّلاطينِ

هيهاتَ ما الفضل إلّا ما حبَتك به

أَمُّ الفضائلِ من عقلٍ ومن دينِ

ما كان مُبتاعُهم إلّا أَخا نَدَمٍ

وَليسَ بائعهم إلّا بمغبونِ

جَنَوْا سَقامي وكم فيهم وعندهُم

طَبٌّ بدائي ولكنْ لا يُداويني

يقولُ قومٌ وما لي فيهمُ دُوَلٌ

أجفوهُ بَذْلاً له فيهمْ ويجفوني

كم بين فَقْرٍ وإثراءٍ فقلت لهمْ

ما بين عزِّ الفتى في النّاسِ والهُونِ

عش مفرداً غيرَ مقرونٍ فلا جَذَلٌ

إلّا بأنِّيَ فردٌ غيرُ مقرونِ

لو كنتُ أعلمُ أنّ البعدَ يؤمنني

بعدتُ لكنّ بُعدي لا يُنجّيني

مَن مُخرِجِي من بلادي فهْيَ موبئةٌ

وكلّ داءٍ بها في الخلقِ يُعديني

وقد عَمَرْتُ زماناً في مرابعها

أعدو المحاذرَ فيها وهْيَ تعدوني

وَقَد صَحبتُ الّذي بالغيِّ يَأمُرُني

وبالّذي يُدنِسُ الأعراضَ يُغرِيني

إنّي لأعجبُ منه وهو ذو عَجَبٍ

يبيعني قبل أن يلقي ويَشريني

يَقِيهِ نحرِيَ مِن رامٍ فريستَه

يوم الوغى هو عُمْرَ الدَّهرِ يرميني

وَكلّما أَخرجتْ كفّي القَذاةَ له

من جَفْنِهِ بات يُشجيني ويُقذيني

وكم أُلَبِّيهِ في ضَرّاءَ يركبُها

ولم يكن يومَ سَرّاءٍ يُلَبّيني

مَن لِي بِحُرٍّ من الإخوانِ ذي أَنَفٍ

أكفيه أثقالَه طَوْراً ويكفيني

لا يَلتَقي بِيَ إلّا عند نائبةٍ

يُعين فيها ومكروهٍ يُعنّيني

فهو المُؤاتِي ولكنْ في مُذَمَّمَةٍ

يُثنِي عَليَّ ونَرْدي لا يُؤاتِيني

خذْ كيف شئتَ فما الدّنيا بخالدةٍ

ولا البقاءُ على خلقٍ بمضمونِ

خُلِقتَ من طينةٍ لمّا خُلِقتَ فلِمْ

تَربأ بنفسكَ أنْ تُهدى إلى الطّينِ

إلى التّراب يصير النّاسُ كلُّهمُ

مِن مُفْهَقٍ بالغِنى كفّاً ومِسكينِ

مُبَدَّلين بتُربٍ عن ملابسهم

وبالخشونةِ عن خَفْضٍ وعن لينِ

قُلْ للَّذي رَقَمَتْ أموالَهُ يدُه

يُغنِي مُوَيلكَ مُفني مال قارونِ

أَينَ الّذي رَفع الإيوانَ تحسبُه

إذا بدا لك طَوْداً لاح في بِينِ

وأين عالٍ على غُمدانَ مُحتقراً

من كِبْرِياءٍ به غُرَّ العَثانينِ

وأين مَن حلّ في خَفّانَ مُحتكِماً

على الملوكِ مُحَيّاً بالرّياحينِ

كأنّهمْ ساكني غُبْر القبورِ لهمْ

لم يسكنوا بيننا غُبْرَ البساتينِ

بادوا فلا أثَرٌ منهمْ ولا خبرٌ

إلّا أَساطيرُ تقريظٍ وتأبينِ

يا ليتَ شعرِيَ أيُّ الأرض تَنبتُ لِي

وأيُّ تُربٍ من البَوْغاءِ يَعْلوني

وأيُّ وقتٍ من الأوقاتِ أكرهُهُ

أُجيبُ فيه حِمامي إذْ يناديني

إنْ كنتُ لم أعْيَ من خَطْبٍ رُميتُ به

فإنّ خَطْبَ صُروفِ الدّهرِ يُعييني

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات