ذكروا العهود فهاج من أشجاني

ديوان لسان الدين بن الخطيب

ذَكَرُوا الْعُهُودَ فَهَاجَ مِنْ أَشْجَانِي

شَوْقٌ إِذَا جَنَّ الدُّجَى نَاجَانِي

فَكَأَنَّمَا الآمَاقُ مِنِّيَ أَبْحُرٌ

يَقْذِفْنَ بِاليَاقُوتِ وَالْمَرْجاَنِ

وَلَو أَنَّنِي أَمْسَكْتُ أَجْفَانِي وَقَدْ

ذَكَرُوا الْعُهُودَ لَقُلْتُ مَا أَجْفَانِي

أَشْكُو إِلَى الله الفِرَاقَ فَإِنَّنِي

مَا لِي بَمَا فَعَلَ الْفِرَاقُ يَدَانِ

يَا لاَ رَعَى الله الرِّمَالَ وَلاَ سَقَى

مِنْهَا مُلِثُ الْقَطْرِ شَرَّ مَكَانِ

جَبَلاً لِطَارِقٍ مُذْ أَقَلَّ رِكَابَهُ

لَمْ تَنْأَ عَنْهُ طَوَارِقُ الْحَدَثَانِ

يَا مَجْمَع الْبَحْرِيْنِ كَمْ مَزَّقْتَ مِنْ

جَمْعٍ وَكَمْ بَاعَدْتَ بَعْدَ تَدَانِي

لَوْلاَ عَسَى وَلَعَلَّ بَانَ تَجَلُّدِي

وَبَرِئْتُ مِنْ صَبْرِي وَمِنْ كِتْمَانِي

وَمِنَ اللَّطَائِفِ وَاللَّطَائِفُ جَمَّةٌ

للِّهِ فِي سِرِّ وَفِي إَعْلاَنِ

خَوْدٌ أَتَتْنِي آنَسَتْ مِنْ غُرْبَتِي

وَأَرَتْنِي الآمَالَ رَأْيَ عيَانِ

قَدْ كَنْتُ فِي نَارِ الْبِعَادِ مُعَذِّباً

فَدَخَلْتُ مِنْهَا جَنَّةَ الرِّضْوَانِ

وَجَرَرْتُ لِلْخُيَلاَءِ ذَيْلِي عِنْدَهَا

وَجَرَيْتُ فِي الإِعْجَابِ مِلْءِ عِنَانِي

وَكَأَنَّنِي عَاطِيْتُ كأْسَ مُدَامَةٍ

صَهْبَاءَ بَيْنَ مَثَالثٍ وَمَثَانِي

زَارَتْ وَقَدْ جَارَتْ عَلَيَّ يَدُ الضَّنَى

وَالسُّقْمُ قَدْ أَنْحَى عَلَى جُثْمَانِي

فَاسْتَقْبَلتْ بِالْبُرْءِ كُلَّ تَأَلُّمٍ

وَاسْتَدْرَكَتْ فَضْلَ الذّمَاءِ الْفَانِي

طِبَّ الْمَسِيحِ بَعَثْت يَا ابْنَ سمِيّهِ

فِي رُقْيَةٍ خَفِيَتْ عَنْ الأَذْهَانِ

سَخِرَتْ بَدَائِعُهَا الَّتِي أَوْدَعْتَهَا

بِزَمَانِهَا هَذَا وَكُلَّ زَمَانِ

يَا أَيُّهَا الْقَاضِي الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ

فِي الْقَصْدِ فِيهِ وَفِي الْكَمَالِ اثْنَانِ

إِنِّي ظَفَرْتُ بِمِنْحَةٍ وَذَخِيْرَةٍ

مِنْ وَدِّكَ الْبَاقِي عَلَى الأَزْمَانِ

وَغَرْسُت حُبَّكَ فِي الْفُؤَادِ فَأَصْبَحَتْ

أَدْوَاحُهُ مُخْضَرَّةَ الأَفْنَانِ

وَلَكمْ أَخٍْ لِلْخَطْبِ قَدْ أَعْدَدْتُهُ

لَمْ تَجْنِ مِنْهُ يَدِي سِوَى الْخُطْبَانِ

وَلَكَمْ جَمِيمٍ قَدْ وَرَدْتُ جَمَامَهُ

فَشَرِقْتُ مِنْهاَ بِالْحَمِيمِ الآنِي

حَرَّكْتَ مِنِّي فِطْنَةً أَفْكَارُهَا

وَقْفٌ عَلَى الْبُرَحَاء وَالأَشْجَانِ

أَوَ بَعْدَ شَطْرِ الْحَوْلِ مغْتَرِباً عَلَى

حُكْمِ اللَّيَالِي نَازِحَ الأَوْطَانِ

تَذْكُو لَدَيَّ مِنْ الْبَيَانِ شَرَارَة

وَتُشَامُ بَارِقَةٌ مِنْ الْعِرْفُانِ

لاَ زِلْتَ تُبْدِي وَجْهَ كُلِّ غَرِيبَةٍ

يُمْلِي بَدِيعَ حَدِيثِهَا الْمَلَوَانِ

وَتُجِيلُ فِي يَوْمِ الْبَيَانِ جِيَادَهُ

فَيُقَالُ هَذَا فَارِسُ الْمِيدَانِ

مَا أَنَّ فِي السَّحَرِ الْحَمَامُ بِنَغْمَةٍ

رَقَصَتْ لَهَا طَرَباً غُصُونُ الْبَانِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات