خليلي مرا بي على رسم منزل

ديوان عمر بن أبي ربيعة

خَليلَيَّ مُرّا بي عَلى رَسمِ مَنزِلِ

وَرَبعٍ لِشَنباءَ اِبنَةِ الخَيرِ مُحوِلِ

أَتى دونَهُ عَصرٌ فَأَخنى بِرَسمِهِ

خَلوجانِ مِن ريحٍ جَنوبٍ وَشَمأَلِ

سَرا جُلَّ ضاحي جِلدِهِ مُلتَقاهُما

وَمَرُّ صَباً بِالمورِ هَوجاءَ مَحمَلِ

وَبُدِّلَ بَعدَ الحَيِّ عَيناً سَواكِناً

وَخَيطَ نَعامٍ بِالأَماعِزِ هُمَّلِ

بِما قَد أَرى شَنباءَ حيناً تَحِلُّهُ

وَأَترابَها في ناضِرِ النَبتِ مُبقِلِ

أَعالِيَ تَصطادُ الفُؤادَ نِساؤُهُم

بِعَينَي خَذولٍ مونَقِ الجُمِّ مُطفِلِ

وَوَحفٍ يُثَنّى في العِقاصِ كَأَنَّهُ

دَواني قَطوفٍ أَو أَنابيبَ عُنصُلِ

تَضِلُّ مَداريها خِلالَ فُروعِها

إِذا أَرسَلَتها أَو كَذا غَيرُ مُرسَلِ

وَتَنكَلُّ عَن غُرٍّ شَتيتٍ نَباتُهُ

عِذابٍ ثَناياهُ لَذيذِ المُقَبَّلِ

كَمِثلِ أَقاحي الرَملِ يَجلو مُتونَهُ

سُقوطُ نَداً مِن أَخِرِ اللَيلِ مُخضِلِ

إِذا اِبتَسَمَت قُلتَ اِنكِلالُ غَمامَةٍ

خَفى بَرقُها في عارِضٍ مُتَهَلِّلِ

كَأَنَّ سَحيقَ المِسكِ خالَطَ طَعمَهُ

وَريهَ الخُزامى في جَديدِ القَرَنفُلي

بِصَهباءِ دِرياقِ المُدامِ كَأَنَّها

إِذا ما صَفا راوُوقُها ماءُ مَفصِلِ

وَتَمشى عَلى بَرديَّتينِ غَذاهُما

يَهاميمُ أَنهارٍ بِأَبطَحَ مُسهَلِ

مِنَ الحورِ مِخماصٌ كَأَنَّ وِشاحَها

بِعُسلوجِ غابٍ بَينَ غيلٍ وَجَدوَلِ

قَليلَةُ إِزعاجِ الحَديثِ يَروعُها

تَعالي الضُحى لَم تَنتَطِق عَن تَفَضُّلِ

نَؤومُ الضُحى مَمكورَةُ الخَلقِ غادَةٌ

هَضيمُ الحَشا حُسّانَهُ المُتَجَمَّلِ

فَأَمسَت أَحاديثَ الفُؤادِ وَهَمَّهُ

وَإِن كانَ مِنها قَد غَدا لَم يُنَوَّلِ

وَقَد هاجَني مِنها عَلى النَأيِ دِمنَةٌ

لَها بِقُدَيدٍ دونَ نَعفِ المَشَلَّل

أَرادَت فَلَم تَسطِع كَلاماً فَأَومَأَت

إِلَينا وَنَصَّت جيدَ أَحوَرَ مُغزِلِ

فَقُلتُ لِأَصحابي اِربَعوا بَعضَ ساعَةٍ

عَلَيَّ وَعوجوا مِن سَواهِمَ ذُبَّلِ

قَليلاً فَقالوا إِنَّ أَمرَكَ طاعَةً

لِما تَشتَهي فَاِقضِ الهَوى وَتَأَمَّلِ

لَكَ اليَومَ حَتّى اللَيلِ إِن شِئتَ فَأتِهِم

وَصَدِّر غَداً وَكُلُّهُ غَيرُ مُعجَلِ

فَإِنّا عَلى أَن نُسعِفَ النَفسَ بِالهَوى

حِراصٌ فَما حاوَلتَ مِن ذاكَ فَاِفعَلِ

وَنَصُّ المَطايا في رِضاكِ وَحَبسُها

لَكَ اليَومَ مَبذولٌ وَلَكِن تَجَمَّلِ

فَلَمّا رَأَيتُ الحَبسَ في رَسمِ مَنزِلٍ

سِفاهاً وَجَهلاً بِالفُؤادِ المُوَكَّلِ

فَقُلتُ لَهُم سيروا فَإِنّا لِقاءَها

تَوافي الحَجيجِ بَعدَ حَولٍ مُكَمَّلِ

فَما ذِكرُهُ شَنباءَ وَالدارُ غَربَةٌ

عَنوجٌ وَإِن يُجمَع بِضُرٍّ وَيُنحَلِ

وَإِن تَنأَ تَحدُث لِلفُؤادِ زَمانَةٌ

وَإِن تَقتَرِب تَعدُ العَوادي وَتَشغَلِ

وَإِن يَحضُرِ الواشي تُطِعهُ وَإِن يَقُل

بِها كاشِحٌ عِندي يُجَب ثُمَّ يُعزَلِ

وَإِن تَعدُ لا تَحفِل وَإِن تَدنُ لا تَصِل

وَإِن تَنأَ لا نَصبِر وَإِن تَدنُ أَجذَلِ

وَإِن تَلتَمِس مِنّا المَوَدَّةَ نُعطِها

وَإِن تَلتَمِس مِمّا لَدَيها تَعَلَّلِ

فَقَد طالَ لَو تَبكي إِلى مُتَجَوَّدٍ

بُكاكَ إِلى شَنباءَ يا قَلبُ فَاِحتَلِ

أَفِق إِنَّما تَبكي إِلى مُتَمَنِّعٍ

مِنَ البُخلِ مَألوسِ الخَليقَةِ حوَّلِ

فَقَد كادَ يَسلو القَلبُ عَنها وَمَن يَطُل

عَلَيهِ التَنائِي وَالتَباعُدُ يَذهَلِ

عَلى أَنَّهُ أَن يَلقَها بَعدَ غَيبَةٍ

يَعُد لَكَ داءٌ عائِدٌ غَيرُ مُرسَلِ

فَإِنَّكِ لَو تَدرينَ أَن رُبَّ فِتيَةٍ

عُجالى وَلَولا أَنتَ لَم أَتَعَجَّلِ

مَنَعتُهُمُ التَعريسَ حَتّى بَدا لَهُم

قَوارِبُ مَعروفٍ مِنَ الصُبحِ مُنجَلِ

يَنُصّونَ بِالمَوماةِ خَوصاً كَأَنَّها

شَرائِحُ يَنعٍ أَو سَراءٍ مُعَطَّلِ

دِقاقاً بَراها السَيرُ مِنها مُنَعَّلُ ال

سَريحِ وَواقٍ مِن حَفىً لَم يُنَعَّلِ

وَأَضحوا جَميعاً تَعرِفُ العَينُ فيهِمُ

كَرى النَومِ مُستَرخي العَمائِمِ مُيَّلِ

عَلى هَدَمٍ جَعدِ الثَرى ذي مَسافَةٍ

مَخوفِ الرَدى عاري البَنائِقِ مُهمَلِ

تَرى جِيَفَ الحيتانِ فيهِ كَأَنَّها

حِيامٌ عَلى ماءٍ حَديثٍ مُنَهَّلِ

إِرادَةَ أَن أَلقاكِ يا أَثلَ وَالهَوى

كَذَلِكَ حَمّالُ الفَتى كُلَّ مَحمَلِ

فَبَعضَ البِعادِ يا أَثيلَ فَإِنَّني

تَروكُ الهَوى عَنِ الهَوانِ بِمَعزِلِ

أَبى لِيَ عِرضي أَن أُضامَ وَصارِمٌ

حُسامٌ وَعِزٌّ مِن حَديثٍ وَأَوَّلِ

مُقيمٌ بِإِذنِ اللَهِ لَيسَ بِبارِحِ

مَكانَ الثُرَيّا قاهِرٌ كُلَّ مَنزِلِ

أَقَرَّت مَعَدٌّ أَنَّنا خَيرُها جَدّي

لِطالِبِ عُرفٍ أَو لِضَيفٍ مُحَمَّلِ

مَقاويلُ بِالمَعروفِ خُرسٌ عَنِ الخَنا

قُضاةٌ بِفَصلِ الحَقِّ في كُلِّ مَحفِلِ

أَخوهُم إِلى حِصنٍ مَنيعٍ وَجارُهُم

بِعَلياءِ عِزٍّ لَيسَ بِالمُتَذَلِّلِ

وَفينا إِذا ما حادِثُ الدَهرِ أَجحَفَت

نَوائِبُهُ وَالدَهرُ جَمُّ التَنَقُّلِ

لِذي الغُرمِ أَعوانٌ وَبِالحَقِّ قائِلٌ

وَلِلحَقِّ تَبّاعٌ وَلِلحَربِ مُصطَلِ

وَلِلخَيرِ كَسَّبٌ وَلِلمَجدِ رافِعٌ

وَلِلحَمدِ أَعوانُ وَلِلخَيلِ مُعتَلِ

نُبيحُ حُصونَ مَن نُعادي وَحِصنُنا

أَشَمُّ مَنيعٌ حَزنُهُ لَم يُسَهَّلِ

نَقودُ ذَليلاً مَن نُعادي وَقَرمُنا

أَبيُّ القِيادِ مُصعَبٌ لَم يُذَلَّلِ

نُفَلِّلُ أَنيابَ العَدوَّ وَنابُنا

حَديدٌ شَديدٌ رَوقُهُ لَم يُفَلَّلِ

أولَئِكَ آبائِي وَعِزّي وَمَعقِلي

إِلَيهِم أُثَيلَ فَاِسأَلي أَيُّ مَعقِلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عمر بن أبي ربيعة، شعراء العصر الأموي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات