حييت يا ربع اللوى من مربع

ديوان الشريف المرتضى

حُيّيتَ يا رَبْعَ اللّوى من مَرْبَعِ

وسُقيتَ أنديَةَ الغُيوثِ الهُمَّعِ

فلقد عهدتُك والزّمانُ مسالمٌ

فيك المُنى وشفاءُ داءِ المُوجَعِ

أيّامَ إنْ يدعُ الهوى بي أتّبعْ

وإِذا دُعيتُ إلى النُّهى لم أَتبعِ

إذْ قامَتي مُمتدّةٌ وَذَوائِبي

مُسودّةٌ وَمسائحِي لم تَصْلَعِ

وَإِذِ النّضارةُ في أَديمي جَمّةٌ

وَالشّيبُ في فَوْدَيَّ لمّا يطلُعِ

سَقْياً له زمناً نَعِمتُ بظلِّهِ

لكنّه لمّا مضى لم يَرجِعِ

شَعَرٌ شفيعي في الحسانِ سوادُهُ

حتّى إذا ما اِبيضّ بي لم يَشْفَعِ

عُوّضتُ قَسْراً من غُدافِ مفارِقي

وهْيَ الغَبِينَةُ بالغرابِ الأبقعِ

لونٌ تراهُ ناصعاً حتّى إذا

خَلَفَ الشّبابُ فليس بالمُسْتَنْصِعِ

أحْبِبْ إليّ وقد تغشّى ناظري

وَسَنُ الكرى بالطّيف يطرق مضجعي

ما زال يخدعني بأسباب الكرى

حتّى حسبتُ بأنه حقّاً معي

ولقد عجبتُ على المسافةِ بيننا

كَيف اِهتدى من غير هادٍ موضعي

أفضى إلى شُعْثٍ لقوا هاماتِهمْ

لمّا سُقُوا خمرَ الكرى بالأذرُعِ

هجعوا قليلاً ثمّ ذَعْذعَ نَومهمْ

غِبَّ السُّرى داعي الصَّباحِ المُسمِعِ

من بعد أن عَلِقَ الرُّقادُ جفونَهمْ

هجروا الكرى في أيّ ساعةِ مضجعِ

فَتَبادروا بَطنَ السَّفينِ وأَسرعوا

زُمراً كجافلةِ القطا المُتَرَوِّعِ

من كلّ سوداءِ الأديمِ كأنّها

شَغْواءُ تنجو في الرّياحِ الأربعِ

هزّتْ جناحيها على سَغَبٍ بها

وقدِ اِهتَدتْ بعد الضّلالِ المُطمِعِ

لا تَشتَكي مَعْ طولِ إدمانِ السُّرى

مَسَّ اللُّغوبِ ولا كَلالَ الظُّلَّعِ

رَكِبوا عَميقاً قعرُهُ متلاطماً

أمواجُهُ ذا غاربٍ مُستَتلعِ

يَلجونَ كلَّ قرارةٍ لا تَهتَدِي

أو يطلعون ثَنِيَّةً لم تُطْلَعِ

في حيث لا تُنجي الرّجالَ جَلادةٌ

ولَربّما نجّتك دعوةُ إصبعِ

ولقد عجبتُ لخابطٍ ورقَ الغِنى

من كلّ ذي جَشَعٍ وخدٍّ أضرَعِ

وكأنّهمْ لم يعلموا أنّ الّذي

جَمَعوا بمرأىً للخطوب ومسمعِ

والعامرُ الكفّين من هذا الورى

لا يَنثني إلّا بكفٍّ بَلْقَعِ

جَمَعوا لِينتَفِعوا فلمّا أنْ دَعوْا

أموالهمْ حين الرّدى لم تنفعِ

وَاِستَدفَعوا بِالمالِ كلَّ مضرَّةٍ

حتّى أتى الأمرُ العزيزُ المَدفَعِ

هَيهاتَ أينَ الأوّلون وأينَ ما

شادوه من مَغْنىً ومن مُتَرَبَّعِ

والرّاحضون العارَ عن أثوابهمْ

والرّافعون النّارَ للمُسْتَلمِعِ

والموسعو مُعتامِهمْ أموالَهمْ

والنّازلون على الطّريقِ المَهْيَعِ

من كلّ معتَصِبِ المفارق إنْ مشى

نَمّتْ عليه ثيابُه بتضوُّعِ

تعنو الرّجال لذي التّمائمِ منهمُ

ويسود طفلُهمُ ولم يَتَرَعْرَعِ

لا يَجمَعونَ المالَ إلّا للنّدى

أَو لاِصطِناع صنيعةٍ لم تُصنعِ

وإذا وفدتَ إليهمُ عن أزْمَةٍ

فإلي أعزِّ ندىً وأخصبِ مَرْتَعِ

وإلى الجِفانِ الغُرِّ في يومِ القِرى

والطّعنِ في اللَّبّاتِ يومَ المَفزعِ

وَإِلى الحديث تَطيب في يومِ الثّنا

نَفَحاتُهُ وَيضيء يومَ المجمعِ

وَكأنَّما فتّحتَ منهُ لِمُبصرٍ

أَنوارَ رَوضٍ غِبَّ غَيثٍ مُقلعِ

سَكَنوا الخَوَرنَقَ والسَّديرَ وحلّقوا

في رأس غُمدانَ البناءِ الأرفعِ

وتقسّموا من مَأْرِبٍ عَرصَاتِهِ

والأبلَقِ الفردِ العرين المُسبِعِ

أخذوا إتاوات الملوك غُلُبَّةً

ما بين بُصرى والفراتِ ويَنْبُعِ

وَأَطاعَهمْ واِنقادَ في أَيديهمُ الد

داني القريبُ إلى البعيد المَنْزَعِ

هتف الحِمامُ بكلّ حيٍّ منهمُ

فأجابه مستكرهاً كالطّيعِ

وَأَراهُمُ في مَضجعٍ وأتاهُمُ

من مطلعٍ وسقاهمُ من مَكرَعِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات