حياءك من غصن بدمعي ثابت

ديوان ناصح الدين الأرجاني

حَياءَكَ من غُصْنٍ بدَمْعيَ ثابتِ

إذ أنتَ لم تَجعَلْ لِقاءكَ قائتي

أفي العَدْلِ أن تُغرَى لطاعةِ كاشح

بهَجْرٍ فتىً للعيشِ دُونَك ماقِت

كفى حَزَناً أنّا نزيلا مَحَلّةٍ

بلا ضاربٍ ميعادَ وصْلٍ وواقت

بَعيدٌ على قُرْبِ المَكان التقاؤنا

فنحن كَتفْليجِ الثُّغورِ الشتائت

سَلِ النجمَ عنّي في رَفيع سمائه

أشاهَدَ مِثْلي من جليس مُبايت

أُساهِرُه حتّى تَكِلَّ لِحاظُه

ويَنسَلَّ في الصبْحِ انسلالَ المُفالِت

حسَرْتُ إلى العُذّالِ عن يدِ ناكتٍ

على الأرضِ من حُزْنٍ وعن فَمِ ساكت

وسِرْبُ ظباءٍ بالعيون شَواخصٍ

إلينا وللأجيادِ غيرِ لوافت

خلَصْنَ غداةَ البَيْنِ من شَبَكِ الهوى

وألقَيْنَ أطرافَ الحبالِ البتائت

فللّهِ عَيْنا مَن رأى مِن مُحبِّهم

أطَلَّ دماً يومَ الرَّحيلِ المُباغت

أأسماءُ ما بي من غَيورٍ مُحاربٍ

كما بِيَ من خوفي لواشٍ مُخافت

وما يَنظِمُ الشعْرَ البديعَ من الورى

على ما دَرَوا من حُسْنِه المُتَفاوِت

سوى شاعرٍ من بَحْرِ عينَيَّ غارف

له الطبعُ أو مِن صَخْرِ قَلبك ناحت

أخا الأزْدِ ما في الخَطْبِ عنكَ تَفرّدٌ

وقد عَزَّنا قِدْماً أعَزُّ المَنابِت

أما نحن من أملاكِ عَمْرِو بنِ عامرٍ

بنو مَعشَرٍ بيضِ الوجودِ مَصالت

فروعٌ سَمتْ من جِذْمِ نَبْت بنِ مالكٍ

سُمُوّاً على حُدْثِ الأُصولِ نوابت

فأحياؤهم يُفْنُون طاغيةَ العِدا

وأمواتُهم يُحيون وُلْدَ المَقالت

ألم تر أنّ الدّينَ إن لم تَثُرْ له

غدا في الورى يَقْضِي حُشاشَةَ مائت

فيا عَطفةَ الأنصارِ عَوْداً كبَدْأةٍ

بأيدٍ لأعناقِ البُغاة رَوافت

وَرَمياً دِيارَ المارِقينَ منَ العِدا

بخَيْلٍ كعقْبانِ الشُّرَيْفِ الخَوافت

تَخُبُّ ببيضٍ مُغْمدي البِيضِ في الطُّلى

فمِن صالِفٍ ضَرْباً بهنّ ولائت

وكُلُّ كَمِيٍّ دِرْعُهُ الدّهرَ سَيْفُه

كَذيِ لِبْدةٍ من دُونِ شِبْليْهِ ناهت

لقد طَلَّ وَجْهُ الأرضِ ذا غَممٍ بهم

فهل من فتىً يا صاحِ بالسّيفِ سابت

له عَقْدُ رَأيٍ بعدَه عَقْدُ رايةٍ

لِذَبِّ فَراشٍ في الهوى مُتَهافت

كريمٌ كسا القَتْلَى لبَسْط أكُفّها

ثيابَ دمٍ منهم على الجِلْدِ قارت

يَظُنُّ الجبانُ العَجْزَ خُلْداً وإنّما

مَنالُ المَحايي من خلال المَماوتِ

وليس يَخوضُ العيشَ خُضْراً ظلِالهُ

سوى حائمٍ حولَ المنّيةِ حائت

وعِبثين من هَمٍّ حَملْتُ وهِمّةٍ

كَذي ضاغطٍ يَطْوي الفلاةَ وناكت

وما زادَني في النّاس إلا مَهابةً

تَخَرُّصُ قولٍ من حسودٍ مُباهت

وما نقَم الحُسّادُ إلا فضائلاً

تَكشّفَ منهم عن كُبودٍ فَتائت

ومهما يكنْ بي من عُيوبٍ تَعُدُّها

فلست برامي نظرة خلف فائت

ولا لصديق يوم نُعمى بحاسد

ولا بعدو يوم بؤس بشامت

فللّهِ إخوانٌ تَقطّعُ مُهجَتي

إذا ذُكرتْ منهم كِرامُ النّحائت

سقَى عَهْدَهم غَيثٌ تقول إذا بدا

يُجَلِّل وَجْهَ الأفق وُرْقُ الفَواخت

مُعِلّمَةُ الأمطارِ عَيْني على الثّرى

إذا ما سَما إن لم يكنْ كَفَّ ثابت

أخو الجُودِ ما عَذْلُ العَذولِ لطبعهِ

بلاوٍ ولا نُصْحُ النّصيحِ بِلافت

يَكِلُّ السّحابُ الَجونُ عن نَيْلِ شَأوِه

بإرسالِ مَنْثورٍ على الأرضِ هافت

فما قَطْرُه الجاري سوى عَرَقٍ له

تُحَدّرِهُ عن وَجْهِه كفُّ سالت

سَجِيّةُ قاضٍ بالسّماحِ نَهارَهُ

حُقوقَ بني الدّنيا وباللّيل قانت

فَبيْنَ صَلاةٍ لا يزالُ يُقيمُها

وبينَ صِلاتٍ منه قَسْمُ المَواقت

إذا زانَ نَعْت الأمجِدينَ فَمَجْدُه

يَجِلُّ غداةَ الفَخْرِ عن نَعْتِ ناعت

إذا النَّجْمُ سامَتْناهُ نحن فمِثْلُنا

له النّجمُ يَسَتْقري مقامَ المُسامت

له قَلَمٌ إن هَزَّه في كتابةٍ

أبَرَّ على سَيْفِ الكمِيِّ المُصالت

مَدى الدّهرِ يَجْري كاتباً غيرَ غالطٍ

بواحدةٍ أو حاسباً غير غالت

لمنع الذي يحويه ليس بآلت

ومن مال مسترعيه ليس بآلت

إليك كمالَ الدّينِ جاءتْ بركْبِها

ركائبُ ألوتْ بالفيافي الأمارت

إلى ذُخرِ أحرارٍ تَؤمُّ عِراصَه

إذا طَرقَتْ إحدى الخُطوبِ البَواغت

فلا حَلّتِ الأحداتُ منك بساحَةٍ

ولا رَمتِ الأعداءَ إلا بساحِت

ولا زلْتَ رَغْدَ العيش في ظِلِّ نعمةٍ

ومَحْسودِ مُلْكٍ للُمعادين كابت

ودونَكَها بِكْراً إليك زفَفْتُها

ولم يكُ شَيءٌ عن هواكَ بلائتي

إلى عالِمٍ ما مِنْ بليغٍ مُبادِرٍ

يُباريهِ فَضْلاً أو فقيةٍ مُباكت

مُحَيّرِ أبصارِ الورى وهْو صامِتٌ

وفاتِنِ أسماعِ الورى غيرَ صامت

أثابِتُ أنت الدَّهرَ كاسمِكَ في العُلا

فَحُييّتَ من باقٍ على العَهْدِ ثابت

فتىً مَجدُه حيث الثّوابِتُ رِفعةً

وما سَيْرُه في الجُودِ سَيْرَ الثّوابت

فلاتك هذي حَظُّها حَظَّ أُختها

فتُرمَى لها عَينُ الوِدادِ بِواكت

وإن يكُ فَرْضُ الوَقْتِ فات فجائِزٌ

متى ذَكَرَ النّاسي قَضاءُ الفَوائت

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات