حسم الصلح ما اشتهته الأعادي

ديوان أبو الطيب المتنبي

حَسَمَ الصُلحُ ما اِشتَهَتهُ الأَعادي

وَأَذاعَتهُ أَلسُنُ الحُسّادِ

وَأَرادَتهُ أَنفُسٌ حالَ تَدبيـ

ـرُكَ ما بَينَها وَبَينَ المُرادِ

صارَ ما أَوضَعَ المُخِبّونَ فيهِ

مِن عِتابٍ زِيادَةً في الوِدادِ

وَكَلامُ الوُشاةِ لَيسَ عَلى الأَحـ

ـبابِ سُلطانُهُ عَلى الأَضدادِ

إِنَّما تُنجِحُ المَقالَةُ في المَر

ءِ إِذا صادَفَت هَوىً في الفُؤادِ

وَلَعَمري لَقَد هُزِزتَ بِما قيـ

ـلَ فَأُلفيتَ أَوثَقَ الأَطوادِ

وَأَشارَت بِما أَبَيتَ رِجالٌ

كُنتَ أَهدى مِنها إِلى الإِرشادِ

قَد يُصيبُ الفَتى المُشيرُ وَلَم يَجـ

ـهَد وَيُشوي الصَوابَ بَعدَ اِجتِهادِ

نِلتَ ما لا يُنالُ بِالبيضِ وَالسُمـ

ـرِ وَصُنتَ الأَرواحَ في الأَجسادِ

وَقَنا الخَطِّ في مَراكِزِها حَو

لَكَ وَالمُرهَفاتُ في الأَغمادِ

ما دَرَوا إِذ رَأَوا فُؤادَكَ فيهِم

ساكِناً أَنَّ رَأيَهُ في الطِرادِ

فَفَدى رَأيَكَ الَّذي لَم تُفَدهُ

كُلُّ رَأيٍ مُعَلَّمٍ مُستَفادِ

وَإِذا الحِلمُ لَم يَكُن في طِباعِ

لَم يُحَلِّم تَقادُمُ الميلادِ

فَبِهَذا وَمِثلِهِ سُدتَ يا كا

فورُ وَاِقتَدتَ كُلَّ صَعبِ القِيادِ

وَأَطاعَ الَّذي أَطاعَكَ وَالطا

عَةُ لَيسَت خَلائِقُ الآسادِ

إِنَّما أَنتَ والِدٌ وَالأَبُ القا

طِعُ أَحنى مِن واصِلِ الأَولادِ

لا عَدا الشَرُّ مَن بَغى لَكُما الشَر

رَ وَخَصَّ الفَسادُ أَهلَ الفَسادِ

أَنتُما ما اِتَّفَقتُما الجِسمُ وَالرو

حُ فَلا اِحتَجتُما إِلى العُوّادِ

وَإِذا كانَ في الأَنابيبِ خُلفٌ

وَقَعَ الطَيشُ في صُدورِ الصِعادِ

أَشمَتَ الخُلفُ بِالشَراةِ عِداها

وَشَفى رَبَّ فارِسٍ مِن إِيادِ

وَتَوَلّى بَني اليَزيدِيِّ بِالبَصـ

ـرَةِ حَتّى تَمَزَّقوا في البِلادِ

وَمُلوكاً كَأَمسِ في القُربِ مِنّا

وَكَطَسمٍ وَأُختِها في البِعادِ

بِكُما بِتُّ عائِذاً فيكُما مِنـ

ـهُ وَمِن كَيدِ كُلِّ باغٍ وَعادِ

وَبِلُبَّيكُما الأَصيلَينِ أَن تَفـ

ـرُقَ صُمُّ الرِماحِ بَينَ الجِيادِ

أَو يَكونَ الوَلِيُّ أَشقى عَدُوٍّ

بِالَّذي تَذخُرانِهِ مِن عَتادِ

هَل يَسُرَّنَّ باقِياً بَعدَ ماضٍ

ما تَقولُ العُداةُ في كُلِّ نادِ

مَنَعَ الوُدُّ وَالرِعايَةُ وَالسُؤ

دُدُ أَن تَبلُغا إِلى الأَحقادِ

وَحُقوقٌ تُرَقِّقُ القَلبَ لِلقَلـ

ـبِ وَلَو ضُمِّنَت قُلوبَ الجَمادِ

فَغَدا المُلكُ باهِراً مَن رَآهُ

شاكِراً ما أَتَيتُما مِن سَدادِ

فيهِ أَيديكُما عَلى الظَفَرِ الحُلـ

ـوِ وَأَيدي قَومٍ عَلى الأَكبادِ

هَذِهِ دَولَةُ المَكارِمِ وَالرَأ

فَةِ وَالمَجدِ وَالنَدى وَالأَيادي

كَسَفَت ساعَةً كَما تَكسِفُ الشَمـ

ـسُ وَعادَت وَنورُها في اِزدِيادِ

يَزحَمُ الدَهرُ رُكنُها عَن أَذاها

بِفَتىً مارِدٍ عَلى المُرّادِ

مُتلِفٍ مُخلِفٍ وَفِيٍّ أَبِيٍّ

عالِمٍ حازِمٍ شُجاعٍ جَوادِ

أَجفَلَ الناسُ عَن طَريقِ أَبي المِسـ

ـكِ وَذَلَّت لَهُ رِقابُ العِبادِ

كَيفَ لا يُترَكُ الطَريقُ لِسَيلٍ

ضَيِّقٍ عَن أَتِيِّهِ كُلُّ وادِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان المتنبي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات