جمال ولكن أين منك جميل

ديوان ناصح الدين الأرجاني

جَمالٌ ولكنْ أينَ منكَ جَميلُ

وحُسْنٌ وإحسانُ الحسانِ قَليلُ

ولكنّ لي حُبّاً تقَادَمَ عَهْدُه

فليس إلى الإقصار عنه سَبيل

سَجِيّةُ نَفْسٍ ما تَحولُ فتَرعَوي

على أنّ حالاتِ الزّمانِ تَحُول

سقَى اللهُ أرضاً ما تَزالُ عِراصُها

يُجَرُّ عليها للسَّحابِ ذُيول

يَبيتُ بها قلبي ولَحظُكِ والصَّبا

جَميعاً وكُلٌّ يا أُمَيمُ عَليل

وما تَفْتَأُ الحسناءُ تَفْتِكُ إن رنَتْ

بلَحْظٍ يَقُدُّ القلبَ وهْو كَليل

فللّهِ عَيْنا مَن رأَى مثْلَ سَيْفِها

لوَ انّ به غيرَ المُحبِّ قَتيل

وحَيْرانُ أمّا قلبُه فهْو راحِلٌ

غَراماً وأمّا حَبُّه فحُلول

ألمَّ به ساري الخيالِ ببَلْدةٍ

وأُخْرَى بها أهْلُ الحبيبِ نُزول

ونحن نَجوبُ البِيدَ فوقَ ركائبٍ

تَراها معَ الرَكْبِ العِجالِ تَجول

فلو وقَفوا في ظلِّ رُمْحٍ ونَوَّخوا

لضَمّهُمُ والعِيسَ فيه مَقيل

وماذا يُريدُ الطّيفُ منّا إذا سَرَى

وفي الصَّدْرِ منّي لَوعةٌ وغَليل

وخَدِّيَ من صِبْغِ الدُّموعِ مُورَّدٌ

وطَرْفيَ باللّيلِ الطّويل كَحيل

تَأوَّبَني هَمٌّ كما خالَط الحَشا

من البيضِ مَطْرورُ الغِرارِ صَقيل

لِفُرقَةِ قَومٍ ضَمَّنا أمسِ رِحلةٌ

ويُفْرِدُهمْ عنّي الغداةَ قُفول

وإنّي إذا قالوا مَتى أنت راحِلٌ

فقد حانَ للمُسْتَعْجِلينَ رَحيل

وقَضّى لُباناتِ المَقامِ مُودِّعٌ

ولم يَبْقَ إلاّ أن تُزَمَّ حُمول

لكالطّائرِ المَقْصوصِ منه جَناحُه

له كُلَّ صُبْحٍ رَنّةٌ وعَويل

يرَى الطّيرَ أسراباً تَطيرُ وما لَه

إلى ألْفِه النّائي المَكانِ وُصول

ويَذكُرُ فَرْخَيهِ ببَيْداءَ بَلْقَعٍ

تَشُق على مَن جابَها وتَطول

وتُضحي جِبالُ الثّلْجِ من دونِ عُشّه

وريحٌ كوقْعِ المَشْرفيِّ بَليل

فما هو إلاّ ما يُقلِّبُ طَرْفَه

ويَعروه داءٌ في الضُّلوعِ دَخيل

فحالي كتلك الحالِ واللهُ شاهدٌ

ولكنّ صَبْرَ الأكرمينَ جميل

فهل حامِلٌ عنّى كتابَ صَبابتي

إلى ساكني أرضِ العراقِ رَسولُ

فواللهِ لم أكتُبْه إلاّ وعَبْرتي

معَ النِّقْسِ منِّي في البَياضِ تَجول

لِيَهْنِ الرّجالَ الأغنياءَ مُقامُهمْ

وإنَّ عناءَ المُقْتِرينَ طويل

وإنّي لأُمْضي للعُلا حَدَّ عَزْمةٍ

بها من قراعِ النَّائباتِ فُلول

وما قَصَّرتْ بي هِمّةٌ غيرَ أنّه

زمانٌ لِما يَرْجو الكرامُ مَطول

وقَلَّ غَناءُ الطِّرْفِ والقِدْحِ كُلّما

يَضيقُ مَجالٌ أو يَضيقُ مُجِيل

وقالوا تشَبَّثْ بالرّجاءِ لعلّه

يُديلُك من رَيْبِ الزّمانِ مُديل

ويَكْفُلُ عُمْرُ المَرءِ يوماً بحَظِّهِ

فقلتُ وهل لي بالكَفيلِ كَفيل

عسى أحمدٌ يا دَهْرُ يَرْثي لأحمدٍ

فيُدرَكَ من بَيْنِ الحوادثِ سُول

فما يَلتقي يوماً على مثْلِ مِدْحَتي

وجودُ يدَيِه سائلٌ ومَسول

منَ القومِ أمّا وجهُه لعُفاتِه

فطَلْقٌ وأمّا رِفدُه فجَزيل

يَفيضُ لنا ماءُ النّدى من يَمينِه

وفي وجههِ ماءُ الحياءِ يَجول

ويَبْسُطُ للدّنيا وللدّينِ راحةً

تَفاخَرُ أقلامٌ بها ونُصول

ويَستَمْطِرُ الجَدْوَى كما انهلَّ واكفاً

من المُزْنِ مَحلولُ النِّطاقِ هَطول

وفي نَسْخِ ما يُمليهِ ما يَغلطُ الحَيا

فَيعرِضُ في بَعْضِ البلادِ مُحول

فيا أيُّها المَولَى الّذي ظِلُّ عَدْلِه

على الخَلْقِ طُرّاً والبِلادِ ظَليل

ويا أيُّها الفَرْعُ الّذي بلَغ العُلا

بما كَرُمَتْ في المجدِ منه أُصول

لأنتَ الوزيرُ ابنُ الوزيرِ نَباهةً

إذا مَسَّ قوماً آخَرينَ خُمول

وغَيثٌ وفي صَدْرِ المَطالبِ غُلّةٌ

ولَيثٌ وأطرافُ الأسِنّةِ غِيل

أَعِنّي على دَهرٍ تَعرَّضَ جائرٍ

فمالك في العَدْلِ العميمِ عَديل

فكلُّ حريمٍ لم تَحُطْهُ مُضَيَّعٌ

وكُلُّ عزيزٍ لا تُعِزُّ ذَليل

وهاهو قد هَزَّ الشّتاءُ لِواءه

بجِيْشٍ له وَطْءٌ عليَّ ثقيل

ويَذْكرني منسيُّه أو مُضاعُه

وفي ضِمنها غَيثٌ بحيثُ يَصول

أَخِفُّ إليها كُلَّ يومٍ وليلةٍ

وأَسألُ عنها والحَفيُّ سَؤول

وقد كاد تَأْخيرُ الجوابِ يُريبُني

فيَظْهرُ في رَوْضِ الرَّجاءِ ذُبول

أَمرْتَ بإنجازِ الأُمورِ فلِمْ أَرَى

حَوائلَ دَهْرٍ دونَهُنَّ تَحول

مَنِ الدَّهْرُ حتّى يَجْسُرَ اليومَ أنّه

إذا قلتَ قولاً ظلَّ عنه يَميل

ألم يك من لُؤْمٍ بهيماً وقد غدا

لمجدِك فيه غُرَّةً وحُجول

طَلعْتَ لآفاقِ المكارمِ طَلْعةً

على حينَ أقمارُ العَلاءِ أُفول

وأنت الّذي لا يُنكِرُ المَجْدُ أنّه

لأحسنِ ما قال الكِرامُ فَعول

فما يَمنَعُ الحظَّ اليسيرَ التِماسُه

وجُودُك للحظِّ الكبير بَذول

أَفي هذه الأقلامِ عاصٍ وطائعٌ

وفيهنّ أيضاً عالِمٌ وجَهول

وإلاّ فماذا يقْصِدُ القلَمُ الَّذي

سَمحْتَ بما أَبغيهِ وهْو بَخيل

وغيرُ جميلٍ أن يَضِنَّ ورَبُّه

لأعظَمِ ما يَرجوُ العفاة مُنيل

فلا والّذي حَجَّ المُلَبّونَ بَيْتَه

على ناجِياتٍ سَيْرُهُنَّ ذَميل

ولا والّذي يُبقِيك للمجدِ والعُلا

مدَى الدَّهْرِ ما هَبّتْ صَباً وقَبول

يَميناً لئن أعطَيْتَ أو كنتَ مانعاً

لَما عنك لي إلاّ إليكَ عُدول

وأنْ لم تَزُلْ حتّى تُوقّع لي بِها

تَرانيَ عن هذا المكانِ أَزول

وأنّ عليك اليومَ تَصْديقَ حَلْفَتي

فأنت بشَرْعِ المَكْرُمات تَقول

لِيعلمَ كُلٌّ عندك اليومَ مَوضِعي

وللفضلِ عند العارِفين قَبول

بَقِيتَ ولا أبقَى أعاديَكَ الرَّدى

وغالَ الّذي يَشنا عَلاءكَ غُول

فلا بَرِحَتْ حُسّادُ علْياكَ تَنتهي

إلى عثَراتٍ ما لَهُنَّ مُقيل

لأنت لباغي العُرْفِ وحْدَك مُفْضِلٌ

وسائرُ أملاكِ البلادِ فُضول

فمِنْكَ مِثالٌ في الأُمورِ ومنْهمُ

لأَمْرِك فيها بالرُّؤوسِ مثُول

طَليعةُ إقبالٍ جلَتْ لكَ وجْهَها

وأوّلُ ما يَهْدي الخَميسَ رَعيل

تَركْتَ ملوكَ الأرضِ طُرّاً وكُلُّهمْ

إلى كلِماتي بالمَسامعِ مِيل

قَوافٍ مَعانيها لِطافٌ دقيقةٌ

وقائلها سَبْقاً بهِنَّ جليل

هَزَزَن وأطْرَبنَ الكِرامَ كأنّما

تَهُبُّ شَمالٌ أو تَهُزُّ شَمول

إليك فخُذْها إنّها بِنْتُ ساعةٍ

كما كَرَّ رَجْعَ النّاظِرَيْنِ عَجول

سَليلةُ فِكْرٍ زاحمَتْها هُمومُه

فجاءك فيها الحُسْنُ وهْو ضَئيل

وقد رُضْتُ بالفِكْرِ القريضَ رياضةً

كما قِيدَ في ثَنْيِ الزِّمامِ ذَلول

ولا تَستزيدُ الحالَ إن كنتُ مُقصِراً

ولا يَستغيثُ السَّمْعُ حين أُطيل

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات