ثنى شوقه والمرء يصحو ويسكر

ديوان ابن الرومي

ثنى شوقه والمرء يصحو ويسكَرُ

رسومٌ كأخلاق الصحائف دُثَّرُ

لأيدي البلى فيها سطور مبينة

عبارتُها أنْ كلُّ بيت سيُهجَر

معاهدُ ربع كنت آلف أهله

تَغيّر بعدي والأمور تغير

وقفت بها صحبي فظلّت عِراصُهُ

بدمعي وأنفاسي تُراح وتمطر

سلام على الأيام إذ أنا سِلمها

وإذ أنت مني أيها الربع مُعمر

وإذ فيك أمثال الظباء ملاحةً

ونَفْراً عن الفحشاء بل هن أنفر

كُسين لبوس الحسن من كل غادةٍ

لها خُلُقٌ عفٌّ وخَلْق مصوّر

تَقَسَّمها نصفان نصف مؤنثٌ

ونصف كخُوط الخيزران مذكر

تَعبّد من شاءت بعين كأنها

وإن سُقيت رِياً من النوم تسهر

إذا هي عيبت عابها أن طرفها

يُريق دماء المسلمين فتُهدر

سقى اللَّه ريعان الشباب وإن غدا

يُخوّن في إخوانه ويغدّر

تذكرته والشيب قد حال دونه

فظلت بنات العين مني تَحدر

لياليَ أفنانُ الزمان رطيبةٌ

تميد على أفيائها وتَهصَّرُ

بها ثمر العيش الغرير فيانعٌ

وآخر في أكمامه مُتنظَّرُ

أضاحك آمالاً أماميَ لم تكن

عهوداً يبكِّيهن من يتذكر

أنا ابن ذوي التيجان غيرَ مدافعٍ

وهل يُدفَع الصبح الأغر المشهَّر

نمْتني ملوك الروم في رأس باذخٍ

من المجد يعلو كل مجد ويقهر

فأصبحت في عيصٍ منيع ومنزل

رفيع له فوق السّماكين مظهر

فقل للذي يسمو إليّ مناوئاً

هنالك أسهل إن مرقاك أوعر

قُصارك أن ترقى لعينيك نظرةٌ

إليّ وقد حزتَ المدى حين تفخر

وإني ودوني الشمسُ في بيت عزّها

وقابٌ تعاطاه العيون فتقصُر

فَأَغْضِ على إقذاء عينك صاغراً

فجَدُّك أدنى للسّفال وأصغر

ليأْمن سِقاطي في الخطوب ونبوتي

جنان الذي يخشى عليّ ويحذر

فما أسدٌ جهم المحيا شتيمه

قُصاقصةٌ ورد السِّبال غضنفر

مسمّىً بأسماءٍ فمنهن ضيغم

ومنهن ضرغام ومنهن قَسْور

له جُنة لا تستعار وشِكّة

هو الدهر في هذي وهذي مكفَّرُ

إهاب كَتجفاف الكَميّ حصانَهُ

وعُوج كأطراف الشَّبا حين يُفْغَرُ

وحُجْنٌ كأنصاف الأهلة لايني

بهن خضاب من دم الجوف أحمرُ

تظل له غُلب الأسود خواضعاً

ضوارب بالأذقان حين يزمجر

له ذَمَرات حين يوعد قِرنهُ

تكاد له صُم السِّلام تَفطَّر

يراه سُراة الليل والدّوُّ دونه

قريباً بأدنى مَسْمع حين يزأر

يُدير إذا جَن الظلام حِجاجه

شهابَ لظى يَعشَى له المتنوِّر

خُبعثنةٌ جأب البضيع كأنه

مكسَّر أجواز العظام مجبّر

له كَلْكل رحبُ اللَّبان وكاهل

مُظَاهَر ألباد الرِّحالة أوْبر

شديد القوى عَبْل الشوى مُؤْجَد القرا

مُلاحِك أطباق الفِقار مضبّر

إذا ما علا متنَ الطريق ببرْكه

حمى ظهره الركبانَ فالسَّفْر أزور

أخو وحدة تُغنِيه عن كل منجِدٍ

له نجدة منها ونصر مؤزر

مخوف الشذا يمشي الضّراء لصيده

ويبرز للقرن المُناوي فيُصحِر

بِأَرْبى على الأقران مني صولةً

وقد أنذرَ التجريبُ من كان يُنذَر

فأنَّى تعاوى لي الثعالب وَيْبَها

وقد رأت الآساد مني تَجْحَر

أفي كل حين لا يزال يُهيجني

سفيه له في اللؤم فرع وعنصر

عفت ذكرَه آباء سوء أدقَّةٌ

فمات خمولاً غير أن ليس يُقبَرُ

يسوم هجائي كي ينوِّه باسمه

وفي السب ذكر للَّئيم ومفخر

أخالد لم أنكر لك النُّكر والخنا

بل العرفُ من أفعال مثلك منكر

فدونك لم تسبق بظلمي ظالماً

من الناس بل أنت السُّكَيت المؤخر

هجوتُ مُهجّىً في اللئام مُحسَّداً

له شانئٌ منهم يدَ الدهر أبتر

فدأبك فانبح لستَ أول نابحٍ

ونابحةٍ بدرَ الدجى حين يبهر

أخالد لو كنتَ المكنَّى بخالدٍ

هجوتك لكن أنت أزرى وأحقر

على أنني هاجيك لا متكلِّفاً

خلا أن تياراً من البحر يزخر

ولو ملكت كفي على الشعر غربَهُ

لكان له معدىً سواك ومَقْصر

ولو كنتُ مختار المُهاجين لم يكن

بسبِّي ومالي كلُّ من أتخير

أخالد ما أغراك بي من عداوةٍ

ولا ترة لولا الشقاء المقدر

حداك إليّ الحين حتى استثرتَني

عليك وإني في عريني لَمُخدِر

فدونك ما حاولته فبلغتَهُ

وردت ولكن لا إخالك تَصْدر

فقد كنت نِسْياً لا تُحس ولا تُرى

زماناً طويلاً فاصبر الآن تُذكر

سَتروي رواة الشعر فيك قصائداً

يُغنَّى بها ما نودي اللَّه أكبر

شواردَ لا يثنى المُهيب شريدها

ولا يتناهى غربُها حين يُزجر

تهب هبوبَ الريح في كل وجهةٍ

عباديدَ منها مُنْجِدٌ ومغوِّر

سداها مخازيك التي قد علمتَها

ولحمتها منّي الكلام المحبر

قوافٍ إذا مرّت بسمعك خلتها

ملاطيس تُزجيها مجانيقُ تَخطُرُ

لها هَزَمات في الرؤوس كأنها

ركايا ابن عادٍ غورُها ليس يسبَر

وإن كنتُ لا أهجوك إلا كحالم

يرى ما يراه النائمون فيهجر

لأنك معدوم الوجود وإنما

يرينيك ظني ريثما أتدير

فإن كنت شيئاً ثابتاً فهباءةٌ

تضاءلُ في عين اليقين وتصغُر

أيا ابن التي كانت تحيض من استها

يد الدهر لم يطهر لها قط مِئزر

إذا ما ونى عنها الزناة دعتهُمُ

شقاشق من ارحامها الخضر تَهدِر

أُحاشي التي تنمي إليها وأنتحي

بها أمَّك الأخرى التي سوف تظهر

وكم من حَصان شفّها العقم فاغتدت

تَبنَّى ابن أخرى والأمور تُزوَّر

عساك أفادتك الدعاوةُ نخوةً

فغرّتك مني والجهول مغرَّر

وكم طامح ذي نخوة قد رددتُه

إلى قيمة دون الذي كان يقْدِر

أرحْتُ عليه حلمَهُ وهْو عازبٌ

وقوَّمت منه درْأهُ وهو أصعَر

أتتركك السادات من آل صامتٍ

تروح سليماً في الرجال وتَبكُر

تجر عليهم كل يوم جريرةً

فتُقضب أعراض الكرام وتُهبَر

وأنت خلي البال مما يَعُرّهُمْ

ولمْ لا ولم يُشتَم بهم لك معشر

ولو كان جِذم القوم جذمك صنتَهُ

لعمري ولكن أنت بالأمر أخبر

ليكفك من جر المخازي عليهِمُ

مكانك منهم فهْو أخزى وأعور

كفاهم بظن الناس أنك منهُمُ

وإن لم تكن منهم ففيك مُعيَّرُ

شهدتُ لقد ألبستَهم ثوب خزيةٍ

وأحسابُهم من تحت ذلك تزهر

ولا غرو إلا أننّي رُعت عنهُمُ

عُرام القوافي وهي نار تسعّر

وأنت تَحدّاني ليحمى عليهِمُ

وطيسي وما فيهم لذلك منكر

ولولا نُهى حلمي إذاً لأصبتُهم

بجرمك أو تُنفى مهاناً وتُدحر

ولكنني أرعى لهم حقّ مجدهم

وأصفح عنهم إن أساؤوا وأغفر

وللشتم في أدنى مخازيك مسبح

طويل تُجاريه القوافي فتُحسَر

بقودك للعُهار عِرسكَ طائعاً

كأنك مصْيور على ذاك مجبر

تبيت قرير العين جذلان ضاحكاً

إذا هي باتت بين فحلين تشخُر

وقفتَ على فيْش الزناة مبالها

وبيتاً قديماً كان بالفسق يُعمَر

يبيت قرى ضيفانه كلَّ ليلةٍ

بَغِيٌّ وخنزيرٌ وخمرٌ وميسر

بلا بذل دينارٍ ولا بذل درهمٍ

ينالُك منها والمناكح تمهر

سوى أنهم يقرون في استك بعدها

ثمائلَ ما تبقيه منهم وتُسئر

فيا سوأتا من شيب رأسك بعدها

إذا ما انتحى فيك الغلام الحزوَّر

وأنت تفدِّيه بأمك تارةً

وآونةً يُغشَى عليك فتنخِر

وقد بل خِصييه بسلحك قابضاً

حِتاراً كعزْلاء المزادة أشتَر

بحيث يراك اللَّه في ملكوته

وخدُّك من ذل المعاصي معفر

تُناك وعِرس السوء منك بمنظرٍ

تناك فلا تخزى ولا تَتخفَّرُ

فيا لك من خِدْنَيْ فسوقٍ كلاهما

يباري أخاه بالهنات ويجهر

تظل ترى الجُرذان فيك مغلغلاً

وأنت تراها وهي بالفيش تدسَر

فلا أنت منها تستسِرّ بسوءةٍ

ولا هي بالفحشاء منك تَستَّر

يكومُكما فحلاكُما وكلاكُما

يخور من الداء العُضال ويجأر

فلو متما إذ ذاك ما متّ غيرةً

ولا هي إلا أنها منك أغير

أتحسب ما تأتي من الخزي خافياً

على الناس لا تُكذَب نهارُك أنهَر

إذا طيِّئٌ عدت بُناة بِنائها

فحاتمها الباني وأنت المتبِّرُ

ولو قبلوا نصحي لهم بقبوله

لواروْك حياً فالثرى لك أسترُ

أيوحشهم فِقدانُ قردٍ وفيهُمُ

بناة المعالي والعديد المجمهَر

لعمري لقد أصبحت للسيف يانعاً

فيا ليت شعري ما الذي بك يُنظَر

لينفكّ عن دار الحياة وعنهُمُ

فتىً منهم حامي المحيّا عزوَّر

فوالله ما يُثني عليك بصالحٍ

لسانٌ ولا يُثنَى بذكراك خِنصر

ولا أنت ممن ينقص القومَ فقدُهُ

بل الفاقدوك بعد فقدك أكثر

أيظلمني يا للبرية خالدٌ

نعم إنه أعلى قروناً وأقهر

وأنَّى يناوي من يصاول قرنهُ

بقرن يُظِل الجيش والجيش مُظهر

له شُعَب لا تَعدم الأرض فيئها

ولو أورقت ما أبصر الشمس مبصر

أما والقوافي المحكمات إذا غدت

تبسّل دوني للعدى وتنمَّر

لقد كان في الشَّوكي عني لخالدٍ

وفي عرسه سُمَّانة السَّوء مزجر

وشِركتهِ الشوكي في بُضع زوجه

تفسّق في جاراتها وتعهَّر

رحيبةِ شق الفرج أكبرُ خلقها

مَبال خبيث الريح أخرق أجحر

مبال لعمري شقُ للبول كاسمه

إذا شق للإرْبين فرج مطهرُ

على أن فيه مِرفقين بأنه

كطوق الرحا منه تبول وتجعر

تفاقم مما لا يزال مفجَّجاً

فليس يلاقي مِشفراً منه مشفر

لو اطلعت عيناك فيه اطِّلاعةً

رأيت قليباً جولُها يَتهوَّر

هو البحر إن مثلته قبحَ موردٍ

ولكنه في رحب مُفْضاه أبحُر

تناذَره الناجون منه فما يُرى

له راكب إلا الجسور المغرَّر

إذا ولدت كانت كمرسلِ فسوةٍ

على رسلهِ انسلت وما كاد يشعر

تبول فترمي بالجنين ولم تجد

مخاضاً ولم يُعتَد لها فيه مَثْبِر

بهاتيكَ يعطى خالد سؤل نفسه

وما هو إلا أفطح الرأس أعجر

إذا هي نيكت نيك أجرة نيكها

ألا ساء ما يُجزَى عليه ويؤجر

تعيش استُهُ في فضل كَعْثب عِرسه

فقُبِّح من شيخٍ يعول استَه حِرُ

ونازعه الشَّوكي بنتَ فراشه

وجرد أيراً فيه للقول مصدر

فقال هبوا أن الفراش لخالدٍ

أليس لهذا كان بالليل يُجمَر

وما أبعد الشوكيّ في ذاك إنهُ

لأولى بدعوى النسل منه وأذكر

أخالد أعييت الهجاء وفُتَّهُ

فقولي وإن أبلغتُ فيك مُقصِّر

وتاللَّه ما أدري أأسكت خاسئاً

حسيراً برغمي أم أقول فأعذر

أرى كل لؤمٍ في اللئام فإنما

عُصارتُهُ من عودك السَّوء تُعصر

لؤُمتَ فلو كنت السماء لأمسكت

حياها وأمسى جوُّها وهو أغبر

خبُثت فلو شُلِشلت في الماء لم يسغ

لصادٍ وأضحى صفوه وهو أكدر

نطُفت فلو ماسسْت كعبة مكةٍ

بثوبك حاضت حيضة لا تطهَرُ

ثقُلت فغادرت الكواهل كلها

ثقالاً فظهر الأرض من ذاك أدبر

قبُحت فجاوزت المدى قبح منظرٍ

ويا حسنَهُ من منظرٍ حين تُخبَر

جمعت خلال الشر والعُرِّ كلها

وأنت بها أولى وأحرى وأجدر

تُحالفك السوءاتُ حياً وميتاً

وتُبعث مقروناً بها حين تُحشر

عددتُ قليلاً من كثير معايبٍ

يقصِّر عنها مجمِل ومفسِّر

فدونكها شنعاء حدّاء يرتمي

بأمثالها في الأرض مبدىً ومحضر

تظل مقيماً في محلك خافضاً

وأنت بها في كل فج تُسيَّر

نشرتك من موت الخمول بقدرةٍ

لما هو أدهى لو علمت وأنكر

وللموت خير لامرئٍ من نشوره

إذا كان للتخليد في النار يُنشر

هجوتك إنذاراً لغيرك حِسبةً

وخطبك لولا ذاك مما يُحقّر

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الرومي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات