تنفس عن وجد توقد جمره

ديوان عبد الغفار الأخرس

تنفَّسَ عن وَجْدٍ تَوقَّدَ جمرُهُ

فأجرى مَسيلَ الدَّمع يَنهلُّ قَطرُهُ

وبات يعاني الهَمَّ ليس ببارحٍ

على قلبه إقدامه ومكرُّه

تمنّى وما يغني التمنّي مطالباً

حَرِيٌّ به لولا الدَّنيَّةُ دهره

ودون أمانيه عوائق جمّة

يضيق لها في المنزل الرحب صدره

تحمَّل أعباءُ المتاعب والتقى

على غرّة صرف الزمان وغدره

وأشقى بني هذا الزمان أريبه

وأتعبُ من فيه من النَّاس حرُّه

وربَّ خميص البطن مما يشينه

ينوءُ بأثقال الأُبوَّة ظهره

له كلّ يوم وقفة بعد وقفة

يهيجُ جوى أحشائه وتقرّه

يطول مع الأيام فيها عتابه

ويسهر ليلاً ما تبلّجَ فجره

يشيم سنا برق المطامع وامضاً

تألَّقَ إلاَّ إنّه لا يغرّه

فأمسى يغضّ الطرف عنه ودونه

وقوف الفتى يفضي إلى الضّيم أمره

وحالَف مختاراً إلى العزّ نفسه

إباءً ولم يُؤْخَذْ على الذُّلِّ إصره

بنفسي امرؤ يقسو على الدهر ما قسا

ولم يتصدَّع في الحوادث صخره

إذا ما رأى المرعى الدنيّ تنوشُه

يَدُ الرذل يُستحلى مع الهون مرُّه

فلا زال موصولاً من الله لطفه

إليَّ ومسبولاً من الله ستره

بأبلج وضاح الجبين أغرّه

فلله وضّاح الجبين أغرّه

كما لم يزل منِّي عليه ولم يَزلْ

ثنائي على طول الزمان وبرّه

كفاني مهمّات الأمور جميعها

فما سرَّني أن ساءني الدهر غيره

وما بات إلاَّ وهو في الخطب كالئي

بطرف يريع الدهر إذ ذاك شزره

وما لامرئٍ عندي جميلاً أعدُّه

وكيف وقد غطّى على البحر نهره

وإنَّ الجميل المحضَ معنىً وصورةً

خلائقه بين الأنام وذكره

حياة جميل الصنع فيها حياته

وعمر المعالي والأبوّة عمره

حياض العطاء المستفاض أكفُّه

ومن فيضها جزل العطاء وغمره

يمينٌ كصوب المزن يهرق جودها

ووجه كروض الحزن قد راق بشره

دعاه إلى المعروف من نفسه لها

وتلك سجاياه وذلك طوره

أدَرَّتْ له أخلاف كُلِّ حَلوبَةٍ

من المجد حتَّى قيل لله دَرُّه

تنصّل هذا الدهر من ذنبه به

فلا تعتبنّ اللَّيل والصبح عذره

فما ذنبه من بعد ذلك ذنبه

ولا وزره من بعد ذلك وزره

ولي منه ما أهدي لديه وأبتغي

ومنِّي له المدح الَّذي طاب نشره

فيا قمراً في أُفق كلّ أبيّةٍ

سريع إلى المعروف والبرّ سيره

فداؤك نفسي والمناجيب كلّها

ومن سرَّه في النَّاس أنَّك فخره

أفي النَّاس إلاَّ أنتَ من عَمَّ خيرُه

بيوم على الدنيا تطايَرَ شرّه

وما غيرك المدعوُّ إن شبَّ جمرها

وأنشبَ نابُ الخطب فينا وظفره

قواضٍ على صرف الحوادث بيضه

مواضٍ لعمري في الكريهة سمره

إذا ما غزا معروفه النكر مَرَّةً

فلله مغزاه وبالله نصره

تدفَّق في حوض المكارم جوده

وحَلَّق في جَوٍّ من الفخر صقره

فهل يَعْلَمَنَّ المجدُ أنَّك فخره

وهل يعْلَمنَّ الجود أنَّك بحره

ومستعصم بالعزِّ منك وثوقه

إليك إذا هاب الدنايا مفره

وما خَفَيت حال عليك ظهورها

وكيف وسرُّ العَبد عندك جهره

فلا تحسبنِّي من ثراك مملّقاً

ورُبَّ غنيٍّ ليس يبرح فقره

وليس فقيراً من رآك له غنىً

ولا آيساً مَن أنتَ ما عاش ذخره

فشكراً لأيديك الَّتي قد تتابعت

إليَّ بما يستوجب الحمد شكره

ولو نظم الجوزاء فيك لما وفى

بها نظمه المُثني عليك ونثره

وما يملأ الأقطار إلاَّ ثناؤه

ويعذُب إلاَّ في مديحك شعره

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عبد الغفار الأخرس، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات