تنبهت في الروابي نسمة الفلق

ديوان ابن النقيب

تَنبهتْ في الروابي نَسْمةُ الفَلَقِ

تزجي تباشيره من جانب الأفقِ

وهينمت في ميادينِ الرياض على

رقراقِ طلِّ بجيدِ الغصن متسقِ

فاعمد إلى خِلَسِ اللذاتِ مبتكراً

واغنم غضارة عيش بالمنى شرِق

بمخطف الكشحِ مجدول الشوى غَنِج

مُنَعْس الطَّرفِ معسول اللَّمى عَبق

ورفِّهِ السمعَ مُرْتاحاً بمغتردٍ

من البلابلِ للألبابِ مسترقِ

يحكي أهازيجَ ما أبقى الغريض وما

صاغ ابن جامع في الألحان من طُرقِ

فطال ما نَبَّهَ الروضُ الأريضُ لنا

جَفناً بهينمة الأنفاسِ في الغَسَقِ

وفَتَّحَ النُّورُ أحداقاً بلا هُدُبٍ

صيْبٍ بمنهلّ أجفان بلا حدق

كأنّهنَ يعاليلٌ منكّسةٌ

تمزقت بارتجاسِ الريح في الورق

سرى يجمِّشُ من شَجَرائِها قُضُباً

حتى وهي حَليها المنسوق في العُنُقِ

ينساب تحت بصون اطبقت حبلاً

من الجيَاب على رضراضه القَلِقِ

تحكي نصاعة خديه إذا التهبا

من الخفارة بدراً لاح في شَفَقِ

واقبل الوردُ من برْعُومهِ عجلاً

يبدي لنا فوقَ ريّا نشرهِ العَبِقِ

دراهما من يواقيتٍ على قُضُبٍ

تراكمت تحتَ دينارٍ على طَبَقِ

وقد أحاطتْ لرقصِ الدَسْتَبَندِ بها

من الزبرجد حيتان من الورقِ

واطلع الياسمين الغضّ حينَ بَدا

دُرّاً يفوح بنَشْر منه متفَق

كروبجاتِ صغارٍ سالَ في لُمَع

من أفقها ذائب الياقوت بالشَفق

ونرجسُ الروض قد حيّا بمضعفه

في أصفر فاقع مَعْ أبيضٍ يقق

كأنّه وهو في قضبٍ منعّمة

يلقي النسيم عليها نفس معتنق

أمشاط درّ من الأبريز في جمَمٍ

جُعْدٍ فما بين مجموع ومفترق

هذي خلائق ما حاكَ الربيعُ وهل

لغبرانسي حكى يا صاحِ من خلق

فما بدا فيه من روض ولا زهرٍ

وشاق إِلاّ بلطف منه مسترق

شهم لو أنَّ الثريّا من مواهبهِ

لفرقتها أياديه على الأفق

إذا انبرى فهمُه في حلِّ مشكلة

أزرى بفعل الظبا الهندّية الذَلِق

أو فاه دان له الغصَّان في كَلمٍ

أبهى من الروض غِبَّ العارضِ الغدق

ودان قُسٌّ لمّا يبديه من فِقَر

تكاد تنسق في اللبّات والعُنُق

تشابه الرصفُ من عقيانها وزرى

تلاحم النسج بالديباج والسرق

يرقرق البحر في أعطافها أبداً

ماء السلامة لا ينفك عن نَسق

وافى دمشق فأمست وهي في دَعَةٍ

كأنّما انتاشها من لُجَّةِ الغَرق

وحلَّ بالطائر الميمون ساحتها

ركابه فوق هام العزّ والحدق

وقد اجدّ لنا في كل جارحةٍ

شكراً فما بين منثور ومنتسِق

ملأى هناك حلاً من بعد مرتحل

في منزل بضياء الشرع مؤتلق

وهاكها من خبير القول سابغة

فكل عنها حبيك البيض والحلق

ذرت على سحر هاروت فراوزها

ربعية الوشي قد جاءت على نسق

تاهت بمدحك لما افتر مبسَمها

عن غر أوصافك المسكية العبق

فهي التي صيرتها روضة أُنفاً

يهفو لطيب شذاها كل منتشِق

وجهتها لعكاظ الشعر في خجل

كَأنني رحت أهدي النجم للأفق

وما تريش جناح الحظّ من أدب

علياك إِلا ويلفى غير ملتحق

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن النقيب، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات