تظلم من طرف ظبي رخييم

ديوان ناصح الدين الأرجاني

تَظلَّمَ من طَرْف ظَبْيٍ رَخييمٍ

سَقيمٌ غدا شاكياً من سَقيمِ

فلم يَسْعَ ما بيننا للعتابِ

رَسولٌ يُشاكلُ غَيْرَ النَّسيم

سلامٌ به بعثَتْ من هوىً

وإنْ هي باتَتْ بلَيْلِ السّليم

على يدِ ريحِ صَباً رُوحَ صَبٍّ سَرتْ

إلى مُقلتَيْ رَشأٍ بالصَّريم

وعادَتْ إليّ بأنفاسِها

صَباحاً وهنَّ أواسي كُلوم

ضِعافُ الهُبوبِ ولكنْ بها

تَخرَّقَ عنّي غَمامُ الغُموم

ولولا النّسيمُ عَدِمْتُ الشِّفاءَ

فمَنْ ليَ من وَرْدكمْ بالشَّميم

سرى القَلبُ مِن أَضلُعي ظاعِناً

وَخَلَّفَ لاعَجَ شَوقٍ مقِيم

عَشِيَّةَ هاجَ الهَوى لائِمي

وسَحَّتْ جفونُ مَشوقٍ مَلوم

فيا عاذلي ثُمّ يا ناظري

لقد جئْتُماني بلَوْمٍ ولُوم

وعَهْدي بنَفْسي إذا ما حنَنْتُ

دُفعْتُ إلى مُقْعِدٍ لي مُقيم

ونَمَّ بسرِّ الهَوى أدمُعي

وما الدّمعُ إلاّ لسانُ الكَتوم

نظرتُ غداةَ اجتلَيْتُ المِراةَ

وفي عارضي حرْبُ زَنْجٍ وَرُوم

وأضعفَ مَرِّيَ مَرُّ الزَّمانِ

وبَدَّلَ وكْري غُراباً بِبُوم

فقُلْتُ لنَفْسيَ لمّا أسِفْتُ

لخَدٍّ بكفِّ مشيبي لَطيم

تَحامَيْ عنِ اللَّهْو لَهْوِ الشَّبابِ

وحَوْلَ الهوىَ بعْدَهُ لا تَحومي

فها أنا أعجِزُ عَجْزَ الفِصال

وإنْ كنتُ أهدْرُ هَدْرَ القُروم

فطَمْتُ عنِ الصَّبَواتِ الفُؤادَ

ولابدَّ من ضَجْرةٍ للفطيم

ومِن ذَكْرَةٍ لعهودِ الصِّبا

ومن لَفْتةٍ لسَلوبٍ رَؤوم

وشِعرٍ ألوكُ لساني بهِ

وأُعلنُ شَكْوَى الزّمانِ الظَّلوم

تَعلُّلَ صافنةِ الخيلِ في

عِراصِ الدّيارِ بلَوْكِ الشّكيم

وذِكْريَ أَهيفَ ساجي اللّحاظ

هَضومِ المُحبِّ بكَشْحٍ هَضيم

حكَى الخالَ في عَطْفةِ الصُّدْغِ منه

بِخطِّ يد الحُسْنِ مِسْكيَّ جِيم

رماني بعَيْنَيْهِ عندَ الوَداعِ

فللّه رامٍ بألْحاظِ ريم

فأبكَى وأضحكَ في مَوْقفٍ

غداةَ التقَيْنا بأعلَى الغَميم

بيومٍ بطلْعتهِ مُشْمسٍ

على المُجْتَلي وبجَفْني مُغيم

كيوم مؤيّد دين الهدى

ترى فيه طلعة حرٍّ عديم

فيَغْدو به مُشرِقاً ناظرٌ

بِبْشرٍ مُقارِنِ بِرٍّ عَميم

رحيبُ الذُّرا يأْمَنُ الجارُ في

هِ سَطْوةَ رَيْبِ الزّمانِ الغَشوم

ويُشْرِقُ بالوفْدِ حَوْمَ الحجيج

على مَشْعرَيْ زَمْزَمٍ والحطيم

وغيرُ وخيمٍ ذُرا ماجدٍ

له كلُّ خُلْقٍ كريمٍ وخيم

وأبلجُ من لغَطِ السّائلي

نَ لا بالمَلولِ ولا بالسَّؤوم

له أبداً من رياضِ العَلا

ء زُرْقُ الجمامِ وخُضْرُ الجَميم

أُديلَ به الفضلُ من دهرهِ

فباللهِ يا دولةَ الفضلِ دُومي

وحامَيْ حريمٍ لدينِ الهُدَى

فيا دينُ دمتَ منيعَ الحريم

حليمٌ عليمٌ بسرّ الزّمانِ

فأشْرِفْ به من حليمٍ عليم

ولم يكُ حُسْنُ رياضِ العلو

م إلاّ بجَنْبِ جبالِ الحُلوم

يُعِدُّ الخليفةُ يومَ الجدالِ

فتىً منهُ يُفحمُ لُدَّ الخُصوم

وعن حضرةِ القُدْسِ منه يَنوبُ

فيَحْمي حقيقةَ مُلْكٍ عَقيم

بأرقمَ يَلْثِمُ قرطاسَه

فَيتركُ سوداً به من رُقوم

إمامٌ ومحرابُه طِرْسُه

طَويلُ السُّجودِ برأْسٍ أَميم

إذا هو أَبدَى له سَجْدةً

بمَشْقٍ ولو قَدْرَ تدويرِ ميم

بهِ ائتَمَّ كلُّ الورَى ساجدِينَ

بهامٍ إلى رَشْفِ ما خَطَّ هِيم

فأعظِمْ به آيةً للكَريمِ

كما عُهدَتْ آيةٌ للكَليم

فكم بَهَر النّاسَ من مُعْجزٍ

بضَرْبَيْنِ من بُؤْسهِ والنّعيم

فبجّسَ صَخْرَ المليكِ الوَليّ

ويبّسَ بحرَ المليكِ الخَصيم

كذا مَنْ غدا في اللُّبابِ اللُّبابِ

منَ المجدِ أو في الصَّميمِ الصَّميم

كأنَّ بلوغَ المعالي يَقولُ

أرومُ منَ المرءِ طِيبَ الأُروم

أيا ماجداً جُبِلَتْ نَفْسُه

على خُلُقٍ لا يُبارَي عظيم

رقابُ الأنامِ خُيولُ الكرامِ

وفيها رُسومُهمْ كالوُسوم

وأكثرُ هذا الوَرى كالدّيارِ

وبالي رُسومهم كالرُّسوم

ولكن أياديكَ وهْيَ البحا

رُ نأتي عِدادَ قِطارِ الغُيوم

وفوقَ ندَى اليومِ يُرجَى غداً

نَدى ماجدٍ بالمعالي زَعيم

فما عَقْدُ مَعْروفِه بالضَّعيفِ

وما عَهْدُ عِرْفانِه بالذَّميم

نصَرْتَ مَضيمَ قوافٍ أقولُ

ونَفَّسْتَ عن أدَبٍ لي كَظيم

وما قام قَيسٌ وقَيسٌ معاً

لثأريهما مالكٍ والخَطيم

قِيامَكَ للفضلِ في ذا الزَّما

نِ حتّى أخذتَ بثأْرٍ مُنيم

فأنت المُرادُ بلَفْظِ الوَرى

وأنت الخُصوصُ لهذا العُموم

كأنّ المجَرّةَ وسْطَ السّماء

مَجَرٌّ لذَيْلكَ فوقَ النُّجوم

كأنّ الثُّريّا لبادي الظّلا

مِ كَفٌّ إلى نَهْجِ عَلْياكَ تُومي

كأنّ الهلالَ يُشيرُ أَمامَ

حُسامِ الورَى كسوارٍ فَصيم

فَخُذْها قريضاً وإنْ لم يكنْ

من العَيْبِ أيضاً بذاكَ السَّليم

بدائعَ لو قَدُمَتْ في الزّمانِ

رَواهَا من الحُسْنِ فَحْلا تَميم

قَبولُكَ يُزْهَى بهِ مِقْولي

لما فيك من خُلْقِ طَبْعٍ كريم

فيُصلِحُ فاسِدَهُ للعُيونِ

ويَكْشِفُ غامِضَه للفَهوم

كما الفَصُّ يَعْوَجُّ مكْتوبُه

ويُبدِلُه الشّمْعُ بالمُسْتَقيم

فعِشْ للعُلا قمراً في دُجَى

من الدَّهرِ أو غُرّةً في بهيم

وَمتّعْتَ بالعزِّ فيمَنْ تُحبْ

بُ ما اعْتيدَ جَوْبُ الفلا بالرَّسيم

وخَفَّ الحُسامُ بكفّ الكَميّ

وكأْسُ المُدامِ بكَفِّ النّديم

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات