تذكرت عهدا للشباب الذي ولى

ديوان لسان الدين بن الخطيب

تذكّرْتُ عهْداً للشّبابِ الذي ولّى

فَصابَ لهُ تسْكابُ دَمْعيَ وانْهَلاّ

وقُلْتُ وقدْ آنَسْتُ بارِقَةَ الهَوى

عُهودَ الصِّبا يا ما ألَذَّ وما أحْلَى

إذِ العيْشُ غضٌّ والشّبيبَةُ روْضَةٌ

أزاهِرُها تُجْنَى وأنوارُها تُجْلَى

عُهودٌ مُنى ألْوى بجدّتِها المَدى

وقلّصَ منْ إيناسِها ذلِكَ الظِّلاّ

وما كانَ إلا كالخَيالِ لنائِمٍ

ألمّ ويا سُرْعانَ ما قوّضَ الرَّحْلا

فَلِلّهِ منْ ضَيْفٍ حَميدٍ مُقامُهُ

لدَيْنا فلَوْ طالَ المُقامُ لَما مُلاّ

نَوى ظَعَناً قبْلَ الوَداعِ مُبادِراً

فجادَ الحَيا مثْواهُ أنْ يتَماحَلا

وخلّفَنا نأتِي الرّسومَ فنَشْتَكي

إلَيْها وهلْ تَشْفي الرّسومُ جَوىً كلاّ

وممّا شَجاني أنْ مرَرْتُ بمَكْتَبٍ

فهيّجَ وجْدي للزّمانِ الذي ولّى

وكمْ قدَمٍ قدْ أُقْدِمَتْ لغَرامِها

ولحظٍ على تَعْذيبِ مهْجَتِهِ دَلاّ

بعيدٌ عنِ الأبْصارِ سامٍ مكانُهُ

فللّهِ ما أبْهى وللّهِ ما أعْلى

خَميلةُ ذِكْرٍ جادَها واكِفُ الهُدَى

فمِنْ حِكمَةٍ تُرْوَى ومِنْ آيةٍ تُتْلَى

وقدْ حلّ فيهِ منْ مَها الإنْسِ فِتيةٌ

أوانِسُ لا يَعْرِفْنَ شِيحاً ولا رَمْلا

تُراعُ منَ الوَسْميّ إنْ كانَ ساقِطاً

علَيْها وتسْتَجْفي النّسيمَ إذا اعْتَلاّ

وليْسَ لدَيْها للعِذارِ توقُّعٌ

فترْهَبُ يوْماً عقْرَباً منْهُ أو صِلاّ

إذا ما بَكَى منْهُم لَذيغٌ لِدرّةٍ

وجادَتْ بدُرِّ الدّمْعِ مُقْلَتُهُ النّجْلا

وسالَ بصَفْحِ الخدِّ دُرُّ دُموعِه

رأيْتَ شَقيقَ الرّوْضِ بالغَيْمِ قد طُلاّ

وما كانَ إلا أن وقَفْتُ فأسْرَعوا

يَريشونَ منْ أهْدابِ أحْداقِهِمْ نَبْلا

وهبّوا الى أعْطافِهِمْ ولِحاظِهمْ

فكمْ صَعْدَةٍ هُزّتْ وكمْ صارِمٍ سُلاّ

رُوَيْدَكُمُ يا قوْمُ إنّا بَنو الهُدَى

أآلُ كِتابِ اللهِ لا تنْسُوا الفَضْلا

قُصارَى مُنانا أنْ نَفوزَ بنَظْرَةٍ

ونقْنَعُ منْ نيْلِ الوِصالِ بِما قَلاّ

الى اللهِ أشْكو ما أُلاقِي منَ الجَوى

وبعْضُ الذي ألْقاهُ منْ لاعِجٍ أجْلا

ويا لكَ منْ نفْسٍ إذا برَقَتْ لَها

عُهودُ الهَوى قالَتْ لوارِدِه أهْلا

ومِنْ نظْرَةٍ دلّتْ على جَفْنِيَ البُكا

ومِنْ خطْرَةٍ قادَتْ الى قلْبِيَ الخَبْلا

أبا جَعْفَرٍ جارَيْتَ كلَّ معلِّمٍ

ففُقْتَ بَنيهِ في طريقَتِكَ المُثْلى

ويا حضْرَةً أضْحى أبو جعفَرٍ بِها

فكانَ لَها أهْلاً وكانتْ لهُ أهْلا

بَقيتَ كِناساً للظِّباءِ ومَرْبَعاً

جَنابُكَ لا يشْكو عَفاءً ولا مَحْلا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات