بنانك من مغدودق المزن أهطل

بنانك من مغدودق المزن أهطل - عالم الأدب

بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ

وَباعُكَ مِن رَضوى وَثَهلانَ أَطوَلُ

وَدارُكَ دارُ الأَمنِ مِن كُلِّ حادِثٍ

وَمَنزِلُكَ المَعمُورُ لِلمَجدِ مَنزِلُ

إِذا عُدَّ أَربابُ النَباهَةِ وَالعُلى

فَأَنتَ عَلى رغَمِ المُعادينَ أَوَّلُ

تَجاوَزتَ مِقدارَ الكَمالِ فَما يُرى

عُلىً كامِلاً إِلّا وَعَلياكَ أَكمَلُ

وَحُزتَ خِلالَ الفَضلِ مِن كُلِّ وجهَةٍ

فَما فاضِلٌ إِلّا وَأَنتَ المُفَضَّلُ

كَمالَ الوَرى آنَ الرَحيلُ وَلَم يَعُد

لِذي أَرَبٍ عَن قَصدِهِ مُتَعَلَّلُ

وَلَم يَبقَ إِلّا أَن يُوَدِّعَ راحِلٌ

مُقيماً فَمنحيها جَنُوبٌ وَشَمأَلُ

أَقولُ وَلِي قَلبٌ شَعاعٌ تَضُمُّهُ

جَوانِحُ يَعلُو الشَوقُ فيها وَيَسفُلُ

وَلي أَنَّةٌ تُشجي القُلوبَ وَزَفرَةٌ

تَكادُ بِأَدناها ضُلوعي تَزَيَّلُ

وَقَد كِدتُ أَن أُبدي الحَنينَ تَبَرُّماً

مِنَ الغَبنِ إِلّا أَنَّني أَتَجَمَّلُ

لَحى اللَهُ دَهراً أَلجَأتني صُروفُهُ

إِلى حَيثُ يُلغى حَقُّ مِثلي وَيُهمَلُ

وَعاقَبَ قَومي الغُرَّ شَرَّ عُقُوبَةٍ

وَخَصَّصَ مَن يَنمي عَلِيٌّ وَعَبدَلُ

فَلَولاهُمُ وَاللَهُ يَعلَمُ ذَلِكُم

لَما فاهَ لي بِالمَدحِ في الناسِ مِقوَلُ

وَلا حُطَّ بِالفَيحاءِ رَحلي وَلا رَأَت

فُرى ظاهِرِ الزَوراءِ شَخصي وَإِربِلُ

وَقَد كان لِي مِن إِرثِ جَدّي وَوالِدي

غِنىً فيهِ لِلرّاجي الَّذي يَتَمَوَّلُ

وَلا اِستَقبَلَت جاهي رِجالٌ جَهالَةً

وَجاهَلَ قَدري بِالمَحامِدِ أَجهَلُ

فَإِن يَكُ ما أَبغي ثَقيلاً لَدَيهِمُ

فَحَملُ الكَريمِ الحُرِّ لِلمَنِّ أَثقَلُ

لَقَد كانَ لِي لَولا رَجاءُ مُحَمَّدٍ

عَنِ المَوصِلِ الحَدباءِ مَنأىً وَمَرحَلُ

ولَم آتِها إِلّا عَلى اِسمِ رَجائِهِ

وَلِلخَطبِ يُرجى ذُو العُلى وَيُؤَمَّلُ

وَيَأبى لَهُ البَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ

رُجوعي بِحالٍ نَشرُها لَيسَ يَجملُ

وَكَيفَ وَعِندي أَنَّهُ ذُو بَصيرَةٍ

إِذا حارَتِ الأَلبابُ وَالجَدُّ مُقبِلُ

خَلِيلَيَّ ما كُلُّ الرِجالِ وَإِن عَلَوا

كَمالٌ وَلا كُلُّ الأَقاليمِ مَوصِلُ

وَلا كُلُّ نَبتٍ تُخرِجُ الأَرضُ مَأكَلٌ

وَلا كُلُّ ماءٍ تُبصِرُ العَينُ مَنهَلُ

هُوَ الماجِدُ النَدبُ الَّذي لا جنابُهُ

بِوَعرٍ وَلا بابُ النَدى مِنهُ مُقفَلُ

هُمامٌ إِذا اِستَسقَيتَ مُزنَ بَنانِهِ

سَقَتكَ حَياً مِن فَيضِهِ البَحرُ يَخجَلُ

جَوادٌ إِذا ما الخُورُ عامَت فِصالُها

وَلَم يَبقَ في البُزلِ القَناعِيسِ مَحمَلُ

ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ

عُبُوساً وَأَبدى نابَهُ وَهوَ أَعقَلُ

عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى

خُشُوعاً وَمُحيي لَيلِهِ وَهوَ أَليَلُ

يُقِرُّ لَهُ بِالجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ

وَيَقضي لَهُ بِالمَجدِ زَيدٌ وَدَغفَلُ

سَما لِذُرى العَلياءِ مِن فَرعِ وائِلٍ

وَكُلُّ فَتىً مِن وائِلٍ فَهوَ مَوئِلُ

بِآبائِهِ عَزَّت نِزارٌ وَأَصبَحَت

تَقُولُ بِعَزمٍ ما تَشاءُ وَتَفعَلُ

مُلُوكٌ هُمُ أَردُوا لَبيداً وَغادَرَت

صُدورُ قَناهُم تُبَّعاً يَتَمَلمَلُ

وَهُم تَرَكُوا يَومَ الكُلابِ عَلى الثَرى

شُرَحبِيلَ شِلواً حَولَهُ الطَيرُ تَحجِلُ

وَعَمرو بنَ هِندٍ عَمَّمُوا أُمَّ رَأسِهِ

حُساماً يَقُدُّ البيضَ وَالهامَ مِن عَلُ

فَآخِرُهُم ما مِثلُهُ اليَومَ آخِرٌ

وَأَوَّلُهُم ما مِثلُهُ كانَ أَوَّلُ

وَإِنّ كَمالَ الدينِ لا زالَ كامِلاً

لأَشرَفُ أَن يَسمُو بِجَدٍّ وَأَنبَلُ

هُوَ الطَودُ حِلماً وَالمُهَنَّدُ عَزمَةً

هُوَ البَحرُ جُوداً بَل عَطاياهُ أَجزَلُ

لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ وَإِنَّهُ

عَلى عِزَّهِ للناسِكُ المُتَبَتِّلُ

تَوَلّى وَأَولى الناسَ خَيراً وَأَصبَحَت

صَوادي المُنى مِن نَيلِهِ وَهيَ نُهَّلُ

وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ

وَفي بُردِهِ لَيثٌ بِخفّانَ مُشبِلُ

تَراهُ فَتَلقى مِنهُ في السِلمِ واحِداً

وَلَكِنَّهُ عِندَ المُلِمّاتِ جَحفَلُ

صَؤُولٌ وَلا خَيلٌ قَؤُوَلٌ وَلا خَفَاً

سَؤُولٌ بحالِ الضَيفِ وَالجارِ فَيصَلُ

فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ شَأوَهُ

رُوَيداً وَلا يَغرُركَ سَعيٌ مُضَلَّلُ

عَرَفتُ بَني هَذا الزَمانِ فَلَم أَجِد

سِواهُ إِذا ما حُمِّلَ الثِّقلَ يَحمِلُ

فَكَم صاحِبٍ صاحَبتُهُ لا مُؤَمِّلاً

نَدىً مِن يَدَيهِ غَيرَ أَنّي المُؤَمَّلُ

فَأَجهَدتُ نَفسي في البِناءِ لِمَجدِهِ

كَأَنّي بِهِ مِن كُلِّ بابٍ مُوَكَّلُ

إِذا صَدِئَت مِنهُ المَساعي جَلَوتُها

بِعارِفَةٍ مِنّي وَلِلمَجدِ صَيقَلُ

فَلَمّا رَماني الدَهرُ عَن قَوسِ نازِعٍ

وَلِلدهرِ حالاتٌ تَجُورُ وَتَعدِلُ

رَمى مَقتَلي مَع مَن رَمى وَهوَ عالِمٌ

بِأَنَّ شَوى مَن كادَهُ الدَهرُ مَقتَلُ

وَأَصبَحَتِ الحُسنى تُعَدُّ إِساءَةً

عَلَيَّ وَيُستَصفى عَدُوّي وَأُعزَلُ

وَتَكثُر عِندي لا لِعُذرٍ ذُنوبُهُ

فَأُمسي عَلى أَبوابِهِ أَتَنَصَّلُ

وَما ذاكَ عَجزٌ عَن مُكافاةِ خائِنٍ

وَلَكِنَّ حِلمي عَن ذَوي الجَهلِ أَفضَلُ

فَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ شَخصَ مُحمَّدٍ

فَلَيسَ عَلى خَلقٍ سِواهُ مُعَوَّلُ

وَلا كانَ هَذا آخِرَ العَهدِ إِنَّني

إِلى اللَهِ في أَن نَلتَقي أَتَوَسَّلُ

فَيا شَقوَتا مِن عُظمِ شَوقٍ مُبَرِّحٍ

إِلَيهِ بِأَثناءِ الحَشا يَتَغَلغَلُ

إِلَيكَ كَمالَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ

أَضِنُّ بِها عَمَّن سِواكَ وَأَبخَلُ

يُقَصِّرُ عَن تَرصيعِها في عُقُودِها

أَخُو دارِمٍ وَالأَعشيانِ وَجَروَلُ

أَبا الكَرَمِ المَدعُوّ لِلخَطبِ إِنَّني

رَجَوتُكَ وَالمَدعُوُّ لا يَتَأوَّلُ

فَغِر لِكَريمٍ لَم يَكُن في حِسابِهِ

نُزُولٌ بِأَبوابِ السَلاطينِ يَسأَلُ

وَلا خالَ أَنَّ الدَهرَ يَسعى لِكَيدِهِ

فَيُلقى عَلَيهِ مِنهُ نَحرٌ وَكَلكَلُ

فَلَم يَبقَ إِلّا أَنتَ بابُ وَسيلَةٍ

إِلى كُلِّ خَيرٍ مِنهُ لِلناسِ مَدخَلُ

فَعِش لِلمَعالي وَاِبقَ لِلمَجدِ ما بَقي

ثَميرٌ عَلى مَرِّ اللَيالي وَيَذبُلُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن المقرب العيوني، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات